فوز حمزة
عندما بلغت الثالثةَ عشرة، قررت قتل أمي! لكن لم أكن أملك النقود لأشتري مسدسًا لهذا فكرت في طريقة لا تكلفني مالًا كثيرًا، استلهمتها وأنا أشاهد أحد الأفلام. سأضع لها السّم في الطعام، فهي لا تستحق العيش، منظرها وهي في أحضان رجل آخر لم يفارق مخيلتي، لمْ يغادر كوابيسي، لم يتركني أهنأ باللعب مع أقراني من الصبيان. هان عليها خيانة ذكرى أبي الذي فُقد في إحدى الحروب وأنا لم أزل رضيعًا، لهذا جدتي لأبي أطلقت عليّ لقب وجه الشؤم. كانتْ تردد إن مجيئي إلى الدنيا ثمنه حياة أبي! لم تحبّني قطّ ومن قبل لم تحب أمي، بل كانت تعدها مصدر كل مصائب العائلة، فاذاقتها الأمرين حتى إنها منعتها من الزواج مرة ثانية وهددت بحرمانها مني إن هي قررت الزواج، فخضعت أمي لأجلي ورضيت أن تُعامل معاملة الخادمة في بيت جدي حتى لا تفقدني، لكن هذا لا يشفع لها، لا يحق لها أنْ تحب أو تتزوج بآخر، فهي أمي! كما تأكل النار الحطب، أكلني الحقد، استعمرني الكره، نظرات الناس باتت تخيفني، همسهم يوحي إليّ أنهم يعرفون كل شيء عني وعنها. تركت المدرسة، أصبح الشارع هو ملاذي. أما أمي، ما زالت بين فترة وأخرى تختلق الأعذار لتخرج بضع ساعات ثم تعود بعدها لتدخل غرفتها دون كلام. كبرت الهوة بيننا ومعها كبر كرهي لأمي. ما زلت أتحين الفرصة المناسبة لأنفذَ خطتي. أنا الآن على مشارف العشرين من عمري، وهاي هي حرب أخرى تلوح بيديها السوداويتين لتنهش السلام المقنع الذي تنعم به البلاد. انقسم الناس بين مصدق وغير مصدق وعيونهم تترقب غدًا بلا ملامح. أتى الغد محملًا بالمجهول الأسود الذي كشر عن أنيابه ليغرسها في أيامنا الحاضرة لتنزف فوضى وانفلاتًا، كم هي رائعة الفوضى؟! .كم هو جميل الانفلات ؟! أية حرية أنعم بها الآن؟! بعض الوجوه غير مصدقة كأنها تعيش اللحظة بين الاستيقاظ والحلم، البعض شعر بالسعادة والبعض الآخر ظل يترقب ما سيحدث، فالأيام حبلى بالأخبار. كل شيء أصبح مباحًا والدرب سالكة، تستطيع ملأ جيوبكَ بالمال أو تسرق السلاح من دون التفكير ولو للحظة واحدة أن هناك مَنْ يحاسبك. وأخيراً ابتسمت الحياة لي، شمرت عن ذراعيها لتضمني في اِحتضانة دافئة، فلن أجد أفضل من هذه الفرصة لانتقم ممن ظلمني وممن لم يظلمني أيضًا، لاسحق كل من يفكر في رفع رأسه أمامي. سأدع المارد يخرج من قمقمه حتى لو اقتضى الأمر قتل من يقف في طريقي، لن يوقفني أحد، بهذا السلاح الذي في يدي، لن يتجرأ أحدا للوقوف في وجهي، سيخافني الجميع وبالمال الذي في جيبي سأشتري من له ثمن، أنا قادم. نسيت إخباركم، بعد إصابة أمي بمرض عضال، نهش أعضاءها وتركها جثة لا تقوى على الحركة، تراجعت عن فكرة قتلها. عملي نائب في البرلمان سرقني من كل شيء.