رواية أناس عاديون…الفصل الرابع

شارك مع أصدقائك

Loading

تأليف سالومي روني

ترجمة مي مصطفى

بعد ستة أسابيع

أبريل 2011

اسمها لديهم في القائمة، بينت للحارس هويتها الشخصية. عندما دخلت، كان هناك إضاءة منخفضة، صرح كبير بلون بنفسجي مبهم وبارات ممتدة على الجانبين ثم خطوات للأسفل إلى قاعة الرقص، رائحة كحول فاسد وحلقة تزلج على الجليد.

بعض الفتيات الأخريات يشكلن لجنة غرضها البحث عن التمويل، يجلسن على طاولة وينظرن في القوائم.

تقول ماريان:

– أهلاً

استدرن جميعًا ونظرن إليها.

قالت ليزا:

– أهلاً، هل نظفتي يدكِ جيدًا؟

تقول كارين:

– تبدين رائعة

لم تقل راشيل موران شيئًا. اتفق الكل ضمنيًا على أن راشيل أكثر فتيات المدرسة شهرة دون أن يصرح أحد بذلك، كل شخص يحاول التظاهر بأنه لا يلاحظ أن حياتهم الاجتماعية مرتبة بشكل هرمي.. أناس معينة في القمة، البعض الآخر يتزاحم في الطبقة الوسطى، وآخرون في أسفل الهرم. ترى ماريان نفسها في أسفل السلم أحيانًا، وفي أوقات أخرى ترى نفسها بعيدة عن السلم ذاته، لا تنطبق قوانينه عليها، في الأصل هي لا ترغب في الشعبية أو في فعل أي شيء لتنتمي إلى هذا السلم، من وجهة نظرها أنه من الواضح أن هذا الترتيب لا يمنح أحد أي مكافآت حتى لمن هم في القمة.

تتحسس بكفيها أعلى ذراعيها وتقول:

– شكرًا، أنا ذاهبة إلى البار، أترغب أيًا منكن في مشروب؟

تقول راشيل:

– أعتقد أنكِ لا تشربين كحول.

تقول كارين:

– سأتناول زجاجة (ويست كوست كولر) لو لم يزعجكِ.

النبيذ هو شراب الكحول الوحيد الذي جربته ماريان لكن عندما ذهبت إلى البار، طلبت جين وكينا. ينظر (البارمان) إلى صدر ماريان ببجاحة وهي تتكلم. ليس لدى ماريان أي فكرة عن عالم الرجال وعما يفعلوه خارج الأفلام والتليفزيون، تلك الخبرة جعلت فكرتها عن الأنوثة وإغوائها ضعيفة. ترتدي ماريان فستان أسود شفاف محبوك عليها. مازال المكان خال تقريبًا الآن رغم أن الحدث قد بدأ بشكل رسمي. عادت إلى طاولتها وشكرتها كارين على الشراب وقالت:

– ممتنة جدًا سأردها لكِ.

ردت ماريان وهي تلوح بيدها:

– لا تقلقي بشأن هذا.

أخيرًا بدأت الناس في الوصول، دارت الموسيقى بأغاني مختلفة لدستينز تشايلد* وأعطت راشيل لماريان كتيب يحتوى على تذاكر اليانصيب وشرحت لها عروض الأسعار. اعتبرت ماريان عضويتها في اللجنة التي عليها البحث عن التمويل نوع من الدعابة، لكن كان عليها أن تساعد في تنظيم تلك الفاعلية على أية حال. استمرت ماريان في التأرجح بجانب الفتيات الأخريات وكتيب التذاكر في يدها. لقد اعتادت على مراقبة الناس من بعيد بحذر، لكن الليلة كان عليها أن تفتح حوارات وتوزع ابتسامات مهذبة ولم تعد مراقبة إنما أصبحت شخص متطفل وملخوم أيضًا.

باعت بعضًا من التذاكر ووزعت بعض الفكة من جيب محفظتها، اشترت مشروبات أكثر وكانت تلمح الباب كل حين وتنظر بعيدًا في إحباط.

تقول ليزا:

– الشباب تأخروا جدًا.

تعرف ماريان من هم المقصودون من بين جميع الشباب: روب الذي تجمعه بليزا علاقة متوترة، وأصدقاؤه إيرك، جاك هانز وكونيل والدرون. كان تأخيرهم ملاحظ من قبل ماريان.

تقول راشيل:

– إذا لم يظهروا، سأقتل كونيل بالفعل، لقد أخبرني بالأمس أنهم سوف يحضرون بكل تأكيد.

لم تقل ماريان شيء، فدائمًا ما تتكلم راشيل عن كونيل بهذه الطريقة، فهي تنوه بمحادثات خاصة تحدث بينهما كما لو كانا مقربين بشكل خاص. يتجاهل كونيل هذا التصرف، لكنه يتجاهل أيضًا التلميحات التي تسقطها ماريان عندما يكونا بمفردهما معًا.

تقول ليزا:

– ربما يسكرون عند روب.

تقول كارين:

– لو تأخر مجيئهم سنهملهم بكل تأكيد.

أخرجت ماريان الهاتف من حقيبتها وكتبت رسالة إلى كونيل: مناقشة حية تُجرى بخصوص غيابك، هل في نيتك أن تأتي؟

خلال ثانية جاءها الرد: أجل، تقيأ جاك في كل مكان لذا سنضعه في تاكسي وسنأتي في الحال، ما هي أخبار تواصلك مع الناس؟

ردت ماريان: إنني الفتاة الجديدة الأكثر شهرة في المدرسة الآن، فالكل يحملني إلى مكان الرقص ويتغنون باسمي. ثم أعادت الهاتف إلى الحقيبة. ليس هناك ما يبهجها الآن بقدر قولها لهم: هم في الطريق، سيصلون قريبًا. كم هي حالة مخيفة ومربكة هذه اللحظة، كم هي حالة مقلقة وهدامة.

 

__________________________________

كاريكاليا هي المكان الوحيد الذي عاشت فيه ماريان، غير أنها لا تعرف المدينة جيدًا. لم تتردد على الحانات في الشارع الرئيسي، وقبل هذه الليلة لم تذهب إلى الملهى الليلي الوحيد في المدينة. كما أنها لم تزر من قبل منطقة نوكليون السكنية، لا تعرف اسم النهر الذي يجري مائه البني المتسخ – مرورًا بسنترا* وموقف السيارات خلف الكنيسة- حاملاً أكياس بلاستيكية خفيفة في تياره، ولا تعرف حتى أين سيصل بعد ذلك. من سيخبرها؟ فالوقت الوحيد الذي تغادر فيه البيت هو وقت ذهابها إلى المدرسة، أو الرحلات الجماعية أيام الآحاد بالإكراه، أو إلى منزل كونيل حينما يكون وحده بالبيت. هي تعرف الوقت الذي يستغرقه الوصول إلى مدينة سليجو- عشرون دقيقة- لكن مواقع المدن المجاورة وأحجامهم بالنسبة لكاريكاليا يعدون لغز بالنسبة لها. كولاني.. سكرين.. باليساداري، واثقة من كونهم بالقرب من كاريكاليا ولأسمائهم وقع ما على أذنيها، لكنها لا تعرف مكانهم بالضبط. لم تدخل مراكز رياضية ولم تسكر أبدًا في مصنع القبعات المهجور من قبل، رغم أنها تمر عليه بالسيارة. إضافة إلى ذلك، أنه من المستحيل عليها أن تعرف أي من العائلات هي عائلات جيدة، وأي منها ليس كذلك، فهذا بالنسبة لها نوع من الأشياء التي تحب معرفته لمجرد أن تكون قادرة على تجنب تلك العائلة تمامًا.

هي من عائلة جيدة بينما كونيل من عائلة سيئة وهذه هي أقصى معرفة وصلت إليها. آل والدرون لهم سمعة سيئة في كاريكاليا. أحد أخوة لورين كان مسجونًا ذات مرة ولم تعرف ماريان سبب سجنه، وأخيها الآخر صدم موتوسيكل في تقاطع طرق منذ عدة سنوات وكاد أن يموت. وبالطبع لورين حبلت في عمر السابعة عشر وغادرت المدرسة لتلد الطفل. هذا لا ينفي كون كونيل شخص ملائم جدًا لعلاقة هذه الأيام، فهو مجتهد، يلعب مهاجم صريح في فريق كرة القدم، وسيم ولا يتشاجر مع أحد ومحبوب من الجميع وهادئ. حتى أم ماريان تقول باستحسان: هذا الصبي لا يشبه آل والدرون. أم ماريان محامية وأبيها أيضًا.

الاسبوع الماضي، ذكر كونيل شيئًا عن مكان ما يدعى “جوست” لم تسمع ماريان عن هذه الكلمة من قبل، فسألت ما هذا؟ رفع كونيل حاجبيه باندهاش وقال:

– التجمع السكني(جوست في مونتن فيو) إنه خلف المدرسة بالضبط.

لم تهتم ماريان أبدًا بالأبنية التي خلف المدرسة ولم تكن تعرف بالطبع أن هناك تجمع سكني الآن أو أن لا أحد يعيش هناك. أضاف كونيل أن الناس تذهب هناك لتسكر فردت ماريان:

– أوه، كيف تبدو؟

قال أنه يتمنى لو يصحبها إلى هناك بيد أن هناك أناس دائمًا حول المكان. دائمًا ما يقول ملاحظات مبهجة عن الأشياء التي يتمناها مثلاً “أتمنى لو تبقين معي” يقول تلك الجملة عندما تغادر أو: “أتمنى لو تقضين الليلة معي” تعرف ماريان أنه يستطيع تحقيق أيا من هذه “الأمنيات” لو حقا رغب في ذلك، دائمًا ما يحصل كونيل على ما يريده، ثم يشعر بالأسى على نفسه لو لم يحقق ما أراده له السعادة. على أية حال، أنهى النقاش معها على أنه سيأخذها لترى منطقة التجمع السكني “جوست”.

ذات ظهيرة، تحركا بسيارته إلى هناك، خرج من السيارة أولاً ليتأكد أن لا أحد بالجوار قبل أن تتبعه ماريان. المنازل ضخمة بواجهات خرسانية مكشوفة، نمت عليها أعشاب كثيفة. بعض النوافذ المفتوحة مغطاة بأغطية بلاستيكية، تُحدث صخبًا في الرياح. كانت تمطر ونسيت جاكيتها في السيارة، فعقدت ذراعيها وضيقت عينيها ناظرة لألواح السقف الارتوازية المبتلة.

قال كونيل:

– أتريدين أن تلقي نظرة بالداخل؟

الباب الأمامي للمنزل رقم 23 ليس مغلقًا، هادئًا ومظلمًا من الداخل، المكان قذر. كانت ماريان تحرك بطرف حذائها زجاجة نبيذ فارغة، أعقاب سجائر على الأرض، وشخص ما كان قد سحب مرتبة سرير في حجرة المعيشة. المرتبة ملطخة بالرطوبة وشيء يشبه الدم. قالت ماريان بصوت عال:

– قذر جدًا.

كان كونيل هادئًا، ينظر فقط حوله فقالت:

– هل ستبقى هنا كثيرًا؟

هز كتفيه كنوع من اللامبالاة وقال:

– ليس كثيرًا، على أية حال هذا المكان لم يُمتهن كثيرًا.

أرجوك أخبرني بأنك لم تمارس الجنس على هذه المرتبة من قبل. ابتسم بلامبالاة وقال:

لا، أهذا ما تظنين أنني أستيقظ من أجله في العطلة الاسبوعية؟ أليس كذلك؟

– نوعًا ما

لم يقل أي شيء وهذا ما زاد الطين بلة. ركل علبة دوتش جولد* مطبقة تجاه الأبواب الفرنسية وقال:

– هذا تقريبًا ثلاثة أضعاف حجم منزلي، أتلاحظين؟

شعرت بنوع من الحماقة لعدم إدراكها ما كان يفكر فيه وقالت:

– ربما، لم أرى الطابق العلوي بوضوح.

– أربع غرف نوم.

– يا إلهي.

– تلك البنايات متروكة خالية ولا أحد يسكنها، لم لا يوزعوهم طالما لا يستطيعون بيعها، إنني لا أقصد أن أكون أحمق معكِ، إنما حقًا أسأل.

هزت كتفيها، فهي بالفعل لا تفهم السبب وقالت:

– إنه شيء يتعلق بالرأسمالية.

– نعم، كل شيء متعلق بها وتلك هي المشكلة، أليس كذلك؟

أومأت برأسها، نظر إليها وكأنه خارج لتوه من حلم.

سألها:

– أتشعرين بالبرد؟ تبدين كأنكِ تتجمدين.

ابتسمت ومسحت أنفها، فك سترته المنفوشة ووضعها على كتفيها. كانا واقفان بالقرب من بعضهما، كانت تتمنى لو تستلقي الآن على الأرض وتتركه يمشي فوق جسدها لو أراد وهو يعلم ذلك.

قال:

– عندما أخرج يوم العطلة أو أي يوم، لا أذهب وراء الفتيات أو شيء من هذا القبيل.

ابتسمت وقالت:

– لا، أظن أنهم يأتون ورائك.

ابتسم ابتسامة عريضة، نظر إلى حذائه وقال:

– لديكِ فكرة مضحكة عني.

أطبقت أصابعها حول ربطة عنقه المدرسية. إنها المرة الأولى في حياتها التي تتلفظ فيها بمفردات سيئة وتقول أشياء صادمة لذا فعلت ذلك كثيرًا.

قالت:

– لو أردتك أن تمارس الجنس معي هنا، هل ستفعل؟

لم يتغير التعبير المرتسم على وجهه، لكنه أدخل يدية تحت بلوفرها ليبين أنه سمعها وبعد ثوان قليلة قال:

– أجل لأفعل لو أردتِ، فأنتِ دائمًا تجعلينني أفعل أشياء غريبة.

قالت:

– ماذا يعني هذا؟ أنا لا أستطيع أن أجعلك تفعل أي شيء.

– نعم، تستطيعين، أتظنين أن هناك شخص آخر أفعل معه أشياء كتلك؟ بجدية أتعتقدين فعلاً أن هناك شخص آخر يمكنه أن يجعلني أتسلل بعد المدرسة وأفعل كل هذه الأشياء؟

– ماذا تريدني أن أفعل؟ أتركك بمفردك؟

نظر إليها مندهشًا من هذا التحول في المناقشة، هز رأسه وقال:

– لو فعلتِ ذلك………

نظرت إليه لكنه لم يقل أي شيء آخر.

قالت:

– لو فعلت ذلك، ماذا؟

– لا أعرف، تقصدين أنكِ لا تريدين أن نرى بعضنا أبدًا؟ سأشعر بالدهشة بكل أمانة لأن هذا يبدو ممتعًا بالنسبة لكِ.

– وماذا لو قابلت شخص آخر أحبني أكثر منك؟

ضحك فاستدارت بحدة بعيدًا عنه، حررت نفسها من قبضته وطوقت صدرها بذراعيها. فقال:

– مهلاً

لكنها لم تلتفت إليه، وقفت قبالة المرتبة المقرفة الملطخة ببقع بلون الصدأ. وقف خلفها بلطف ورفع شعرها ليقبل عنقها من الخلف وقال:

– آسف لأني ضحكت، حديثك عن عدم رغبتك في الذهاب معي بعد ذلك يجعلني غير مطمئن، اعتقدت أنكِ تحبيني.

أغمضت عينيها وقالت:

– أنا بالفعل أحبك.

حسنًا، إذا قابلتي شخص آخر وأحببته أكثر سأكون مستاء.. تمام؟ مجرد سؤالك عن هذا سيجعلني تعيسًا.. اتفقنا؟

– صديقك إيرك أطلق علي مسطحة الصدر اليوم أمام الجميع.

توقف كونيل، شعرت بأنفاسه وقال:

– لم أسمع ذلك.

– كنت في الحمام أو أي مكان وقال أنني أشبه طاولة كي الملابس.

– اللعنة عليه، مجرد شخص غبي، لهذا السبب مزاجك سيء؟

هزت كتفيها، وضع كونيل ذراعيه حول بطنها وقال:

– إنه يحاول فقط أن يستفزك، لو لديه أمل في أية فرصة معكِ ولو حتى ضئيلة لكان تكلم بشكل مختلف، هو يعتقد فقط أنكِ تحتقريه.

هزت كتفيها مرة أخرى، تقشر شفتها السفلية بأسنانها.

قال:

– ليس لديكِ ما تقلقين منه بشأن مظهرك.

– تمام

– أنا لا أحبكِ من أجل عقلك فقط، صدقيني.

ضحكت شاعرة بالسخف. دلك أذنها بأنفه وأضاف:

– سأفتقدك حقا لو لم ترغبي في رؤيتي مرة أخرى.

– هل ستفتقد النوم معي؟

لمس بيده ردفها وهز ظهرها بجسده وقال بهدوء:

– نعم، كثيرًا

– هل يمكن أن نعود إلى بيتك الآن؟

أومأ برأسه، ظلا واقفين لثوان قليلة في ثبات، ذراعاه حولها، أنفاسه على أذنيها.

فكرت ماريان أن كل الناس الذين مروا في حياتها سابقًا لم تشعر بالقرب تجاه أي منهم إلى هذا الحد.

 

________________________________

أخيرًا.. بعد الكأس الثالث من الجين والكينا، فُتح الباب على مصراعيه ووصل الشباب، قامت فتيات اللجنة تعاكسهن، يوبخهن لتأخرهم وما إلى ذلك. تخلفت عنهم ماريان، تبحث عن عيني كونيل الذي لم يعيرها أي اهتمام. يرتدي كونيل قميص أبيض ياقته مشدودة على القميص بزرارين، ونفس الحذاء الرياضي (أديداس) الذي يرتديه في كل مكان. باقي الأولاد يرتدون قمصان أيضًا لكن أكثر رسمية واكثر لمعانًا، ينتعلون أحذية جلدية، ثمة رائحة قوية ومثيرة لعطر الحلاقة في الهواء. انتبه إيرك لنظرات ماريان وترك كارين فجأة بشكل لفت انتباه الجميع وقال:

– ماريان تنظر إليك.

لم تستطع ماريان أن تحدد ما إذا كان إيرك يتكلم بجدية أو يسخر منها، ينظرون جميعًا ناحيتها عدا كونيل فأردف إيرك:

– أتكلم بجدية، وبالمناسبة فستان رائع ومغري جدًا.

تضحك راشيل وتميل على أذن كونيل هامسة له بشيء ما، لكنه استدار بوجهه بعيدًا ولم يضحك. تشعر ماريان في تلك اللحظة بضغط في رأسها وتعرف أن لا شيء سيخفف من أثره سوى الصراخ أو البكاء.

تقول كارين:

– لنذهب ونرقص.

تقول راشيل:

– لم أرى ماريان من قبل وهي ترقص.

فردت كارين:

– حسنًا، يمكنكِ أن تريها الآن.

تأخذ كارين يد ماريان وتسحبها تجاه قاعة الرقص، كانت تدار أغنية “كاني ويست” مع مقطوعة موسيقية ل “كورتيس مايفيلد”، لازالت ماريان تحمل كتيب اليانصيب في يدها وشعرت بيديها الثانية رطبة داخل يد كارين. قاعة الرقص كانت مزدحمة وتتسلل القشعريرة من حذائها إلى ساقيها. تسند كارين ذراعيها على كتف ماريان وهي في حالة سُكر وتقول في أذنيها: دعكِ من راشيل فدعاباتها سخيفة كالعادة. أومأت ماريان برأسها بينما تحرك جسدها مع الموسيقى. تشعر بالسُكر الآن، استدارت تفتش الغرفة تريد أن تعرف أين كونيل. رأته للتو أعلى السلم، كان يراها وكانت الموسيقى عالية لدرجة أنها تدق داخل جسدها، حوله أناس آخرون يتحدثون ويضحكون، كان ينظر إليها فقط ولا يتكلم. تشعر ماريان كأنما تبالغ في حركاتها بشك مخزٍ على إثر نظرات كونيل لها، كما تشعر بذراع كارين على كتفها ساخن ومثير، تهز ردفيها إلى الأمام وتمرر يدها في شعرها. تقول كارين في أذنيها: إنه يراكِ طوال الوقت. تنظر ماريان إليه ثم إلى كارين لا تقول شيئًا وتحاول ألا يبين أي تعبير على وجهها، تقول كارين:

– ها أنتِ الآن عرفتي سبب مزاج راشيل المتقلب معكِ.

تستطيع ماريان أن تشم رائحة النبيذ (سبريتزر) في أنفاس كارين حينما تتحدث، تستطيع أن ترى إلى أي حد هي سكرانة، تحبها جدًا في هذه الحالة. رقصا سويًا قليلاً ثم ذهبا إلى الطابق العلوي، مشتبكات الأيدي، منقطعات الأنفاس، تبتسمان ابتسامة عريضة للا شيء. تظاهرا إيرك وروب أن بينهما نقاش، تحرك كونيل تجاه ماريان بشكل غير ملحوظ وتلامست ذراعيهما. كانت تمني نفسها لو تلتقط يداه وتمص أصابعه عقلة وراء الأخرى. استدارت راشيل ناحيتها وقالت:

– ربما يتوجب عليكِ بيع تذاكر اليانصيب في وقت ما.

ابتسمت ماريان ابتسامة متعجرفة، ساخرة تقريبًا وقالت:

– حسنًا

قال إيرك:

– أعتقد أن هؤلاء الفتيان قد يرغبون في شراء بعضها.

أومأ برأسه ناحية الباب حال وصول بعض الفتيان الأكبر سنًا. ليس من المفترض وجودهم هنا حيث صرح الملهى الليلي أنه لن يسمح إلا بدخول حاملي التذاكر فقط. لم تعرف ماريان من هم، ربما أخوات أحد من المدعوين أو أبناء أعمامهم أو ربما رجال في العشرينات ممن يحبون التسكع حول جامعي التبرعات في المدارس. رأوا إيرك وهو يلوح لهم فدخلوا، نظرت ماريان في حقيبتها لتبحث عن نقود في المحفظة فربما يريدون شراء تذاكر اليانصيب. يقول أحدهم:

– كيف تبدو الأمور يا إيرك؟ من هي صديقتك؟

رد إيرك:

– هذه هي ماريان شيريدان، ربما تعرف أخيها ألان، بالتأكيد أنه مع ميك في نفس السنة.

أومأ الرجل برأسه ونظر إلى ماريان من فوق لتحت، شعرت بأنها غير مبالية باهتمامه. كانت الموسيقي أعلى من أن يُسمع ما يقوله روب في أذن إيرك، لكن ماريان شعرت أن ما يقوله شيء يخصها. يقول الرجل:

– دعيني أطلب لكِ مشروب، ماذا ستشربين؟

ردت ماريان:

– شكرًا

أنزل الرجل ذراعه حول كتف ماريان فكان طويل جدًا وهذا ما لاحظته أنه أطول من كونيل، أصابعه تدلك ذراعها العاري. حاولت أن تبتعد لكنه لم يتركها. أحد أصدقائه بدأ في الضحك وإيرك ضحك أيضًا. قال الرجل:

– فستان لطيف

– هل يمكن أن تبتعد عني؟

– ثوبكِ مقور جدًا، أليس كذلك؟

مرة واحدة حرك يده أسفل كتفها واعتصر ثديها الأيمن أمام الجميع، وعلى التو انتفضت بعيدًا عنه تسحب فستانها للأعلى حتى عظام ترقوتها، تشعر بالدم يندفع في وجهها، توخزها عيناها وتشعر بالألم في المكان الذي مسكها منه. خلفها تضحك الناس، استطاعت أن تسمعهم، راشيل تضحك، دوشة عالية في أذنها. دون أن تستدير مشت مندفعة إلى خارج الباب وصفقته . هي في الردهة الآن ثم إلى المرحاض ولم تتذكر أكان الخروج إلى اليمين أم إلى اليسار، جسدها كله يرتجف. يسألها عامل المرحاض إذا كانت بخير، لا تعرف كم هي في حالة سكر، تمشي بضع خطوات نحو باب على اليسار ثم تستند بظهرها على الحائط وتبدأ في الانزلاق لتجلس على الأرض. لا زال ثديها يؤلمها مكان يد الرجل، تعرف أنه لم يكن يمزح إنما أراد أن يؤذيها. على الأرض الآن تحتضن ركبتيها على صدرها، أعلى القاعة فتح الباب مرة أخرى وخرجت منه كارين مع إيرك وراشيل يتبعهما كونيل. رأوها وهي على الأرض، فجرت كارين ناحيتها بينما ظل الباقين واقفين مكانهم لا يعرفون كيف يتصرفون أو لا يريدون أن يفعلوا أي شيء. كارين تنحني تجاه ماريان وتلمس يدها، عينا ماريان تؤلماها ولا تعرف أين تنظر. تقول كارين:

– هل أنتِ بخير؟

– أنا بخير، آسفة، أعتقد أنني شربت الكثير.

تقول راشيل:

– اتركيها

بقول إيرك:

– انظري هنا، كان الأمر مجرد مزحة، بات في الحقيقة شاب جيد لو تعرفتي إليه.

تقول راشيل:

– أعتقد أنه كان أمر ظريف.

ازداد غضب كارين ونظرت إليهم وقالت:

– إذن، لماذا خرجتم من القاعة وجئتم إلى هنا، لو كنتم تظنون أنه أمر ظريف فلماذا لا تذهبون وتتعاملون مع صديقكم المفضل بات، لو كنتم تظنون أنه أمر ظريف أن يتحرش بفتيات صغيرات.

يقول إيرك:

– كيف تكون ماريان صغيرة؟!

تقول راشيل:

– كنا كلنا نضحك في ذلك الوقت.

يقول كونيل:

– هذا ليس صحيح.

نظر الجميع إليه ثم نظرت إليه ماريان، تقابلت أعينهم وقال:

-هل أنتِ بخير؟ أنتِ بخير؟

تقول راشيل:

– أوه، حري بك تقبيلها؟!

احتقن وجهه الآن فلمس جبينه بيده ومازال الجميع يحدق فيه، كان الحائط باردًا على ظهر ماريان.

قال:

– راشيل.. أيمكن أن تبتعدي الآن؟

تبادل كارن وإيرك نظرات بأعين متسعة استطاعت أن تراها ماريان. لم يتحدث أو يتصرف كونيل بهذه الطريقة في المدرسة، في كل هذه الأعوام لم تره أبدًا ماريان يتصرف بعدوانية حتى لو كان مُعنف. اكتفت راشيل بهز رأسها فقط وعادت إلى النادي، أُغلق الباب بقوة وسمع صوت مفصلاته. استمر كونيل في تدليك جبينه لمرة أخرى، غمغمت كارين بشيء لإيرك، لم تعرف ماريان ما هو ثم نظر كونيل إلى ماريان وقال:

– أتودين أن تذهبي إلى البيت، سأقود السيارة وأوصلك.

أومأت برأسها وساعدتها كارين على النهوض من الأرض. وضع كونيل يديه في جيبيه كما لو يريد أن يمنع نفسه من لمسها ولو بالصدفة. قالت ماريان لكارين:

– آسفة على هذا القلق، أشعر أنني حمقاء، لم أعتاد أبدًا على الشرب.

– إنها ليست غلطتك.

– شكرًا على لطفك معي.

اعتصرا يد بعضهما ثم تبعت ماريان كونيل ناحية باب الخروج ثم إلى جانب الفندق حيث كان كونيل قد ركن سيارته، الجو بارد ومظلم مع أصوات الموسيقى المنبعثة من الملهى الليلي التي تدق خلفهم بخفوت. جلست بجواره على المقعد وربطت حزام الأمان، غلق باب السيارة ووضع المفاتيح ليدير السيارة. قالت ماريان مرة أخرى:

– آسفة على هذا الإزعاج.

– لم تزعجينا.. أنا التي أعتذر عن حماقتهم معكِ، هم يظنون أن بات عظيم لأنه غالباً ما يقيم حفلات في منزله، فلو كنتِ تقيمين حفلات في منزلك مثله لكنت عرفتي أن مثل هذه الأخطاء مع الآخرين شيء وارد.

– إن ما فعله آلمني بالفعل.

لم يقل كونيل شيء، كان يضغط فقط على عجلة القيادة بيديه، ينظر لحجره ويتنهد سريعًا كأنما يسعل.

– آسف

ثم أدار السيارة مرة أخرى، قضى بضع دقائق في صمت، تبرد ماريان جبينها بزجاج الشباك.

يقول:

– أتريدين أن تعودي إلى منزلي قليلاً؟

– أليست لورين هناك؟

هز كتفيه ونقر بأصابعه على المقود وقال:

– ربما تكون في السرير بالفعل، أقصد أننا يمكننا أن نتسكع قليلاً قبل أن أوصلك للمنزل ولا بأس إذا كنت لا تريدي ذلك.

– ماذا لو كانت مستيقظة؟

– بأمانة هي تتعامل مع مثل هذه المواقف بسلاسة كما أنني أعتقد أنها لن تنشغل بنا.

حدقت ماريان خارج النافذة على شوارع المدينة، هي تعرف ماذا يقول: أنه لا يهتم إذا اكتشفت أمه وجودهما معًا وربما هي تعرف بالفعل. لاحظت ماريان أن لورين أم جيدة حقًا

– نعم أعتقد ذلك، عليها أن تكون فخورة بك، فأنت الشاب الوحيد في المدرسة الذي يتصرف كالبالغين.

ألقى كونيل نظرة عليها وقال:

– كيف أتصرف بالضبط؟

– ماذا تقصد؟ الجميع يحبك بالفعل وعكس الأغلبية أنت بالفعل شخص لطيف.

رسم على وجهه تعبيرًا لم تستبينه؛ رفع حاجبيه قليلا عبس أو اندهش لا تعرف. عندما وصلا إلى بيته كانت جميع النوافذ مظلمة ولورين في سريرها. في حجرة كونيل استلقيا يتهامسان، أخبرها أنها جميلة ولم تسمع ذلك من قبل، في بعض الأحيان تكون لديها تلك الفكرة عن نفسها، لكن لها وقع مختلف حينما تسمعها من شخص آخر. لمست يده ووضعتها على ثديها.. المكان الذي يؤلمها..

كان وجهها مبتلاً وكانت تبكي، قبل عنقها وقال لها:

– هل أنتِ بخير؟

عندما أومأت برأسها تحسس شعرها من الخلف وقال:

– لا بأس أن تكونين محبطة، أستطيع تفهم ذلك.

أراحت رأسها على صدره، شعرت كما لو كانت قطعة قماش ناعمة تعتصر وتقطر.

– لم تضرب بنتًا من قبل، أليس كذلك؟

– يا إلهي، كلا، بالطبع لا .. لماذا تسألين هذا السؤال؟

– لا أعرف.

– هل تظنين أنني من الأشخاص التي تسيء إلى الفتيات وتضربهم؟

– ضغطت برأسها بقوة في صدره وقالت:

– اعتاد أبي على ضرب أمي.

وبعد عدة ثوان وهو ما بدا وقت طويل بشكل لا يصدق لم يقل شيء ثم قال:

– يا إلهي، أنا آسف، لم أكن أعلم بذلك.

– لا يهمك

– هل ضربك؟

– أحيانًا

ثم صمت كونيل مرة أخرى ونزل قليلاً وقبلها في جبينها.

– أنا لا يمكن أن أؤذيكِ.. أبدًا.. لا تخافي.

أومأت برأسها ولم تقل شيئًا ثم قال:

– أنتِ تجعليني سعيد حقًا، ثم ملس على شعرها وأضاف:

– أنا أحبك، ليس بالكلام لكنني أحبك بالفعل.

امتلأت عينيها بالدموع مرة أخرى وأغلقتهما. حتى في ذاكرتها ستجد تلك اللحظة عاطفية بشكل لا يحتمل.. وهي مدركة ذلك منذ الآن.. لحظة حدوثها. لم تصدق أبدًا أنها مناسبة لأن يحبها أي شخص، لكن الآن لديها حياة جديدة، وأن تلك هي اللحظة الأولى وحتى بعد مرور سنوات عديدة سيظل تفكيرها: نعم تلك هي اللحظة.. تلك هي بداية حياتي.

شارك مع أصدقائك