شُرفة

شارك مع أصدقائك

Loading

القاص قصي الخفاجي
شرفة لم أكن أتوقع رؤيتها، وكيف اهتديت إلى هذه الشرفة العالية في القصر القديم/ إنها شُرفة تظلّ على نهر ٍ يتفرع من (شط العرب) في جزيرة (الداكير).. أتذكر أنه قادني من يدي، وأخذني رجل عجوز، من دكانه الصغير/ وضع في جيبه مفتاحاً كبيراً كان معلقاً في مسمار على الحائط/ سُرنا في نزهة ٍ حيث تسللت إلى روحي موسيقى عذراء/ كان الوقت من شهر آيار فتضمخت روحي بلون الشرق/ فتح باب القصر وكان مظلماً رغم الظهيرة المشمسة والدافئة جداً / كنتُ مثل طفلٍ يحبو على ظهور الخيول وكنتُ مسكوناً بتضاريس ومنحدرات الشعر الرهيف والموسيقى الخافتة.
هناك في الطابق العالي، الأخير أدخلني جناحاً فسيحاً يعج بالمزهريات، والثريات، والتحف الخزفية، والفضية النادرة، ومجلدات الكتب المهمة/ وعلى عمود أسطواني يمتد شامخاً من السقف إلى أرض الجناح الوثير بعض الخطوط والرسوم النادرة محفورة بدقة حروفية رائعة / لقد قرأتُ قصيدة ألهمتني غربتي في بصرة الجاحظ الكبير/ سرحت رؤاي تجوب التلال البعيدة والوديان والمنخفضات وأراضي الملح، اللاصف، المشتعل/ جفلتُ فجأة ً حينما أطللت من الشرفة على النهر، وعدتُ أتمعّن بنسق تلك القصيدة الباهرة / وضجّت موسيقى الوجود بدمي وشهقت من فوري: أنا لا أحتمل البقاء. في مكان مسكون بكثافة غربة رمادية.. وقبل أن نرحل قال لي: هذا البيت يعود إلى واحد ٍ من أبناء (حنّا باشا) الذي رحل من البصرة صوب لندن في عام 1971، وهو رجلٌ أعزب، مغرمٌ بالجمال وبنظرية الفن للفن، أما القصيدة فهي لشاعر من أهالي (الفيصلية) صعلوك اسمه ( عبد الحسن الشذر) أعدمته سلطات البعث في نهاية عام 1981. حين وجدتُ نفسي في الشارع توافدت الألوان والارتعاشات فيا له من زمن ٍ كان بلوريّاً تكسّرت فيه المرايا وغابت عنه الأشجار.
مجموعة الجرة السومرية.
لن تنشر بعد. شكرا الى الكاتب والمترجم. نجاح الجبيلى العذب. بتصميم وتنضيد. المجموعة. محبات له
شارك مع أصدقائك