حوار مع الروائي والناقد محمود قنديل

شارك مع أصدقائك

Loading

 

حاوره: عـادل عطيـة

“لابد من النقد الذاتي في كل أطوار الكاتب ومراحله حتى يستطيع التقييم والتقويم والتعديل”

في حديثه عن النقد، وقضاياه

 

 كثيراً ما نذكر اسم البعض دون ألقاب ـ نذكر اسمهم وكفى ـ؛ ذلك أن قامتهم تضفي على اسمهم فخامة دونها الألقاب!

   لذلك أقول ـ بكل احترام ـ: انني التقيت في الماضي  “محمود قنديل”، كروائي مبدع ومميّز!

   وألتقيه الآن “قنديل محمود”، ناقداً بين الأدباء، وأديباً بين النقاد.. يضيء لحروف الآخرين لتصل إلى مكانها، ومكانتها!

   وكان هذا الحوار…

 لقد تجاوزتَ الإبداع إلى النقد.. فما هو النقد؟

  • – المسألة هنا ليست تجاوزًا، فأنا أرى نفسي قاصًا وروائيًا بالدرجة الأولى، أما النقد فهو يأتي من باب التذوق؛ تذوق الإبداع (قصة، رواية، قصيدة، مسرح) من خلال القراءة المتأنية لكل نصوصه، وأعتقد أن النقد يمثل – أيضًا – لونًا من ألوان الإبداع، حيث يجب على الناقد ألا يكون جافًا في عرض أفكاره ورؤاه، وأل يتوكأ – كثيرًا – على المصطلحات والألفاظ المعجمية والمفاهيم الغامضة، فالنقد مُعنَى بكشف ماخُفي على المتلقي؛ وإنارة مساحات الدجى وقشع أمكنة الضباب داخل النصوص.
    والنقد له وظيفة حين يكون مُوَجَّها للكاتب الواعد أو المبتدئ، فهو – هنا – يقوم بدور التوجيه والإرشاد أمام هؤلاء المبشرين، لكن وظيفته تختلف حين يتناول نصوصًا ناضجة وراسخة ليكون المنوط به إضاءة النص وتفسير رموزه وفك طلاسمه واستخلاص القواعد الخاصة به مثلًا.
  • هل ينقد المبدع إبداعه، قبل أن ينقده الآخرين، أم يحتاج الناقد إلى عين أخرى غيره؟
    – لابد من النقد الذاتي في كل أطوار الكاتب ومراحله حتى يستطيع التقييم والتقويم والتعديل، لكن البعض يعرض ما يكتبه – قبل النشر – على أترابه ليستفيد من ملحوظاتهم حول ما صاغه، المهم – في كل الأحوال – أن المبدع يظل هو المسؤول الأول عمَّا يكتبه أو يستقر عليه.

 هل أساليب النقد مثل البنيوية والتفكيك مثلًا مازال بالإمكان اعتمادها كطرائق َ لأقلام النقاد في وقتنا الراهن؟

– في تصوري أن النقد حلقات متواصلة لا يمكن تفضيل حلقة على أخرى، أو الاستغناء عن حلقة والالتزام بأخرى، والنصوص هي التي تدعو الناقد إلى اعتماد منهج معين أثناء التناول النقدي، لأن الإبداع – كما أقول دائمًا – سابق على النقد، وبالتالي يصبح النقد مدينًا للإبداع وليس العكس.
لذا يحق لي أن أقول إن البنيوية والتفكيكية والسيميائية والنفسية والأسلوبية وغيرها ليست سوى أدوات يجوز للنقاد استلهامها واستدعاؤها كلما تطلب الأمر ذلك.

 هل تنحازون للون أدبي بعينه، ولماذا؟

  • – الانحياز – بشكلٍ عام – طبيعة إنسانية لذا فيمكنني القول أن إنحيازي ينطلق من مَلَكَة التذوق عندي، فعلى سبيل المثال أراني أميل إلى الرواية التجريبية وقصيدة التفعيلة والمائز من قصيدة النثر، وكثير من الإبداعات التي لا تشبه إلا نفسها بصرف النظر عن القالب الذي وُضِعَتْ فيه.

 إذا عُرض عليك عملاً أدبياً لأحد الأصدقاء المقربين؛ ماذا سيكون موقفك؟

– من يعرفني عن قرب يدرك تمامًا مدى موضوعيتي، فلا مجاملة في الإبداع على الإطلاق، تلك الموضوعية التي راعيتُها عندما توليت مواقع ثقافية عديدة؛ كمدير لتحرير سلسلة النشر الإقليمي بالقليوبية، ورئيس تحرير مجلة “نوافذ جديدة” عن نفس الإقليم، وعضو لجنة الفحص بهيئة الكتاب، وعضو لجنة القيد ومدير تحرير مجلة”ضاد” باتحاد كتاب مصر؛ في كل هذه المواقع كنتُ – كما أنا – متسمًا بالموضوعية، فرغم انحيازي للرواية التجريبية وقصيدة التفعيلة – كما قلتُ من قبل – إلا أنني وافقتُ على إبداعات كلاسيكية وقصائد عمودية لأنها توافرت فيها ملامح التجويد.

  • لماذا لا نجد على الساحة نقداً مهتماً بالأدب العربي في بلاد المهجر؟
    – النقد – بصفةٍ عامة – لا يواكب الإبداع، فأنتَ تجد مئات الإصدارات مقابل القليل جدًا من الدراسات التي تتناول بعضًا قليلًا من هذه المؤلفات، فإذا كان الأمر كذلك فمن الطبيعي أن يكون التقصير أكبر تجاه ما يكتبه أدباؤنا بالمهجر.
    وأظن – وقد يكون ظني إثمًا – أن مسؤولية عدم مواكبة النقد للإبداع يتحملها الأكاديميون بجامعاتنا والمثقفون والمبدعون أيضًا، وهذا الأمر جعل نقد المجاملة يحل محل النقد الجاد والموضوعي، إنها مشكلتنا جميعًا.

 بعض القراء يجدون في كثير من الأعمال غموضاً شديداً؛ الأمر الذي يجعلهم ينصرفون عن ابداعات الكثيرين.. نود تعقيباً؟

  • – أرى أن مصطلح (القرَّاء) يتسع للكثير من المفاهيم، هو مصطلح فضفاض لا يقدم ولا يؤخر بشأن الإبداع الحقيقي، ودعني أتساءل: مَنْ هو القارئ الذي تقصده؟ أهو أستاذ الجامعة أم طالب الثانوية أم الطبيب أم المهندس أم العامل في المصنع أم الفلاح في الحقل؟.
    لذا أستطيع القول إن من أراد أن يقرأ أدبًا أو إبداعًا فسوف يقرأ ويسعى – بشتى الطرق – إلى فهمه ومعرفته وفك شفراته، أما مسألة الغموض فهي نسبية، فما أراه غامضًا قد تراه أنتَ سافرًا وواضحًا وهكذا.

 هل أثرت العولمة سلبًا على إنسانية الإبداع ونحن نقترب من العالمية، ولماذا؟

  • – ظهرت العولمة – في بداية الأمر – بأهداف حسنة ترجو رواج العالم وتطوره وترابطه، لكن تلك الأهداف الحسنة ضمرت بداخلها نوايا شريرة ونزعات عدوانية، ليصبح الهدف من العولمة سياسيًا يعمل على فرض الهيمنة والسيطرة من قِبَل الكيانات الكبرى على الدول النامية، وفي ظل العولمة شاهدنا انحسار سيادة الكثير من الدول على مقدراتها واستجابة الدول الصغرى لإملاءت الكيانات الكبرى اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، هو وضع خطير ينال من هوية الأوطان وتاريخها وجذورها.
    من هنا يتوجب على القادة والشعوب والمثقفين والكُتَّاب التصدي لما يُسمى بالعولمة حفاظًا على الأصول والجذور.

 هل يحق للناقد أن يوجه المبدعين إلى الاهتمام بقضايا مجتمعهم، خاصة بقضيتي التطرف والإرهاب، وما السبيل إلى اجتثاثها؟

– ليس من حق الناقد أن يوجه مبدعًا ما نحو أفكار بعينها، أو قضايا معينة، فهو ليس مرشدا او مصلحًا اجتماعيًا، مايراه المبدع يعبر عن فكره الخاص، وله في ذلك كامل الحرية والمسؤولية.

ولكن دعني أوضح أن الإبداع منوط بالشجب والإدانة لكل ماهو سلبي ومخيف ومفزع، من هنا يمكن شجب كل صور التطرف والإرهاب ولكن بطرائق فنية تبتعد عن التقرير والمباشرة، إن الأديب معني بإظهار بشاعة الصورة وحث الآخرين على السعي إلى محوها تغييرها.

  • ما الضرورة التي تجعل المبدع يقرر خوض غمار التجريب؟

– لابد للكاتب أن يسأل نفسه قبل الشروع في الكتابة: لماذا أكتب وما الذي يجب أن أضيفه إلى ماسبق وما هي المناطق البكر التي يجب أن أرتادها؟، وهنا سيجد نفسه مندفعًا نحو صياغة إبداع مميز ومختلف لا يشبه ما كتبه غيره.

إن المبدع الحقيقي – في حقيقة الأمر – لا ينشد سوى التفرد.

 بالنسبة للناقد، أيهما يفضل: العمل المطبوع، أم العمل الرقمي، ولماذا؟

– في اعتقادي أن العمل المطبوع هو الأبقى، لأن الأعمال الرقمية تظل رهنًا باستمرار التطور غير المضمون، فإذا نشبت حربٌ عالمية أو نووية وهو أمر وارد جدًا، فإن التكنولوجيا سوف تتراجع وتتقهقر وربما تنتهي، وبذلك يضيع كل ما كان محفوظًا إلكترونيًا، وقتها سيعود العالم إلى الكتابة على الورق – إن توفَّر – وأوراق النباتات وجلود الحيوانات والأحجار وغيرها.
أما في هذه الآونة فالكل يفضل العمل المطبوع حيث تسهل قراءته، ويمكن تسجيل الملحوظات على هوامشه، والرجوع بيسر إلى صفحات سابقة يود الربط بينها وبين الصفحات اللاحقة، أضف إلى ذلك أن القراءة الورقية مريحة للعين والنظر عن القراءة الإلكترونية، كما أنك تستطيع قراءة العمل الورقي في أي مكان وفي أي وقت.

* هل ننتظر منك إصدارًا قريبًا خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024؟
– بالفعل هناك رواية لي تحت الطبع بعنوان “مراسم البعث الجديد”، وبمشيئة الله تعالى سوف تكون بمعرض الكتاب القادم، وهي رواية تستلهم الأسطورة المصرية القديمة (إيزيس وأوزوريس)، وتمزج بين الواقعي والخيالي، كما تمزج بين الحقيقي والأسطوري؛ إنها تجربة جديدة أردتُ من خلالها تقديم صورة عن العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل عبر طرائق فنية مختلفة، أتمنى أن تحوز ذائقة المتلقي.

 

 

شارك مع أصدقائك