قراءة في كتاب ” دين العقل وفقه الواقع ”
للدكتورالمفكر عبد الحسين شعبان
نصير الشيخ
شاعر وناقد عراقي
1
ـ تمدنا الكتب بالكثيرمن الأفكاروالفلسفات والشذرات المضيئة التي تشتبك مع العصرومشكلاته وتحولاته، بل وتمضي أكثرفي مواجهة محتدمة مع الأفكار المضادة والسائدة والإستاتيكية التي تنتمي لحقب ماضية لاتسمح للرؤية المحدثة ان تطل، وتفتح نافذة لروح التجديد أن يجري في أروقتها.وبالتالي فأن هذه الكتب الحاملة لأسئلتها ومعرفياتها تختط لها طريقاُ صحيحا لتغيير أساليب التفكير وجعله ممكناً،ومن ثم إبتكار” ميكانيزمات” جديدة تتساوق مع معطيات العصرودينامية تحولاته للحاق بحداثته كمفهوم ووسلك طرق التحديث كأليات إشتغال،كل هذا يتأتى عن طريق إحلال ” روح النقد” في التعامل مع الواقع ومع مخرجاته.
وكتاب ” دين العقل وفقه الواقع ــ مناظرات مع الفقيه السيد أحمد الحسني البغدادي” لمؤلفه المفكر الدكتور ” عبد الحسين شعبان” والصادر عن مركزدراسات الوحدة العربية، بطبعته الأولى/ حزيزان 2021.
تضمن الكتاب تمهيداً وقسمين، أختص القسم الأول ب” الأطار المنهجي المفهومي” عبرإلقاء نظرة فاحصة عن حيثيات المناظرات بكل تفاصيلها.وآشتمل القسم الثاني من الكتاب على ” ثمان عشرة مناظرة” مع السيد أحمد الحسني البغدادي،تناولت موضوعات شتى،جاءت مبوبة في طروحاتها النقدية ومستوى حمولاتها المعرفية وبما يكشف عن عمق الأسئلة المطروحة من لدن المؤلف،يقابله مستويات الأجوبة الباحثة عن أطر جديدة لمشكلات العصروالمنطلقة من جوهر الدين وحضوره الإنساني.بدءً من المناظرة الأولى المعنونة ” الأيمان واللأيمان” وحتى المناظرة الثامنة عشرة “علم الغيب”. والخاتمة متضمنة مقالات إيضاحية ورسائل وشهادات مع ثبت المراجع.
2
ــ هذا المتن الفكري الذي قدمه لنا المفكر” عبد الحسين شعبان” في كتابه هذا،هو جهد إستتثنائي تقصى فيه الأفكارالقارة وموضوعاتها وقضايا العصرومحاكاتها عبر الجدل والتساؤل ومن ثم التوصل لنتائج تتيح لنا إيجاد مبحثا محدثا عن الحقيقة،كل هذا عبرهذه المناظرات مع السيد البغدادي والتي اتسمت بالصراحة والوضوح وهي تتبادل الآراء ووجهات النظر وإعادة قراءة بعض المسلمات واليقينيات والقناعات والاطروحات بأخضاعها للنقد.
” ما نحتاج اليه اليوم هو إخضاع مالدينا من سلطات ومؤسسات ولغات ومعارف وموروثات وأخلاقيات وقوانين وطرائق تدين وإيمانيات ” بعضها” لاعلاقة له بالدين، للنقد حتى وان كان خروجاً عن المسلمات واليقينيات،مادام هدفه البحث عن الحقيقة” ص10.
إذا هو التغييرالشامل في في البنى والأفكارولغة الخطاب والبحث عن حقائق للمعنى لوضع إطرٍأكثر حداثة لحياتنا تتعايش مع جدل العصر وتحولاته الهائلة،والدين كمنظومة قيمية واخلاقية تكمن في النفس والعقل والروح،لابد من تجديد خطابه عبر وعي الذات والحواروالتوقف ملياً عند السرديات التاريخية حيث تتداخل الوقائع مع “الميثولوجيات” أحياناً. من هنا يتوقف المؤلف على أمر غاية الأهمية إلا وهو” ثمة علاقة عضوية سوسيو ثقافية بين الدين والتدين، أساسها جهل الأنسان بذاته وبالآخر،أضافة لجهله بالطبيعة وغموض المستقبل وصعوبة التكهن به والموت ومابعده” ص12.
ويظل جدل الفكر التنويري والدين كمنظومة ايدلوجية في اشتباك شاسع المساحة، وذلك لما يمتلكه الفكر من أليات حفروتخصيب وجدل لجملة الأفكار والخطابات الدائرة في كل موضوعة تهم حياتنا وواقعنا، يقابله ” الدين” ورجالاته الذين أفرغوه من ابداعه الدلالي وواقعيته السياسية ـ الأجتماعية،وتحول المتدين الى مجرد مؤدٍ للطقوس والشعائرعلى نحومتذلل أحيانا.
3
كتاب “دين العقل وفقه الواقع” متن فكري يشي بفلسفة ” المحاوِر” وأفقه النقدي وهو يحفر عميقا في مطارحاته ومناظراته،عبر مداخل تؤدي الى قضايا الفكر والوجود ومسائلة العالم أجمع، منطلقاً من حدود الدين والتدين بضروة ” إحكام العقل” أنسجاما مع فقه الواقع. ذلك أن أفق ” الحديث المستمرعبرمساحة السؤال المثيرمن لدن المؤلف تجاه المحاور الاخرتتم عبرمتوالية ” الأحتكام الى المعرفة،فذلك أساس الدين،ولا دين من دون عقل،ولا عقل من دون علم”.
القسم الثاني من الكتاب تبدأ فيه المناظرة الأولى وهي نقطة انطلاق هذا الحوارالخلاق والجدل الفكري، ثمانية عشرة مناظرة توزعت موضوعاتها على محاورعدة،لها وجوهها المعاصرة،منطلقا فيها المؤلف د.عبد الحسين شعبان من ” مفهوم الدين” الذي شكل قاسماً مشتركاً للأنطلاق في حوارية تبغى الوصول الى غايات محدثة لتعزيز قيم الإنسانية،ولا تتأتى هذه القيم الا بعد بعثها من جديد عن طريق طرحها سؤالا وإشكالية، مثل (( الدين والأرهاب/الدين بين المقدس والمدنس/ الدين والعنف..الخ )) كلها شكلت أطاراً عاما لمتن الكتاب المؤلف من ” 319″ صفحة من القطع الكبير.
مناظرات جاءت في حوارية فكرية أرتقت بفهم الطرفين لتحليل الظاهرة وجذورها وتاريخها وعمقها التاريخي،ومن ثم التوصل لمشتركات فكرية وبما ينعكس في الأجابات التي هي مهاد لمخرجات جديدة لفهم الدين والتدين وحلوله في البنية المجتمعية روحيا وفكريا وثقافيا وقيمياً.لقد إتخذت المناظرات شكل السؤال من لدن المؤلف،هذا السؤال الذي ينفتح على أفاق أرحب نجدها في أجوبة السيد الحسني البغدادي،وكأن بهما يمدا جسراً معرفياً للوصول الى حقائق مطمأنة وان اختلفت التوجهات.خذ مثلا المناظرة الثامنة ” الطائفية والتمذهب” حيث يسأل المؤلف د.حسين شعبان السيد الحسني : ماذا يتبادر الى ذهنك حين تُسالُ عن هويتك؟ كيف تعرف نفسك؟ هل انت عربي أم عراقي أم شيعي ام أسلامي أم ماذا..؟
ليجيب السيد البغدادي على الفور: ” هناك درجات،وشعوري الأول إني انتمي الى أمة كبيرة هي امة العرب ووطني هو العراق وهناك أمة أوسع هي الإسلام وفي إطارها هناك مذاهب” ص 125.إذا كانت المناظرت تجس مفاصل هامة وحيوية في حياتنا المعاشة،عابرة مواضيع قارة ومستهلكة في اطار الدين، ليتضح من خلال الأسئلة والأجوبة بين المتناظرين حضور الفكرودوره التنويري في إثارة الأسئلة للوصول الى أجوبة تلامس عقولنا وفهمنا المشترك..من هنا سعت المناظرات في حواريتها المشتركة مابين ” ليبرالية” الفكر ممثلا بالمفكرد.عبد الحسين شعبان،و”مركزية الدين” وفقههِ ممثلا بالسيد الحسني البغدادي، لتكوين حلقة مركزية منطلقة من السؤال المنطقي / التاريخي، ومن ثم إضاءة المعتم والمعزول في الفكر الديني، ليقدما لنا خطاباً ثقافيا قكريا متناسباً مع الظروف الحاضرة وتطلعات المستقبل.
2022 حزيران