محمد الحديني
لبنى شعبان، كاتبة ولايف كوتش، ومدرب مهني، سورية
قرأت الكثير من الأقوال التي استوقفتني بساطتها وعمقها. منها:
“الوحيدون الذين يحبون التغيير هم الأطفال الرضّع عندما يحين وقت تغيير حفاضاتهم.”
قال جبران خليل جبران في كتابه النبي عن الأبناء:
” “إن أولادكم ليسوا أولاداً لكم. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم. أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصةً بهم. وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم. ولكن نفوسهم لا تقطن مساكنكم. فهي تقطن في مساكن الغد الذي لا تستطيعون أن تزوروه ولا في أحلامكم. وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم. وكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم. لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.”
ومن هنا جاءتني الإجابة. عندي يقين بأننا لن نتمكن من تربية جيل ناجح يبني حياةً أفضل، إن لم نتمكن من عيش السعادة والحب. إن لم يألف أولادنا شكل السعادة والحب الحقيقيين، لا أؤمن أنهم سيعيشونها يوماً. لو نظرنا حولنا اليوم بإمعان وجدنا أغلب جيل الشباب يقضي وقته بين الدراسة والعمل والألعاب الالكترونية على الانترنت. لم يعد لديه الرغبة ولا الطاقة للتواصل مع أحد. حتى الأصدقاء يلتقون معهم أون لاين. ماذا يعني تأسيس العائلة بالنسبة لهم؟ ليس شيئاً مهماً. التواصل مع الشريك، والحياة المشتركة؟ بل حتى فهمهم لأنفسهم. والموضوع لا ينجح بالكلام والمواعظ. هي أمور نعيشها ويعيشونها معنا. لا بد لنا من البدء بنقطة ما. والأجدى أن نبدأ بأنفسنا، من مواجهة مخاوفنا وعاداتنا وتقاليدنا. لست أطالب بإلغاء العادات والتقاليد، بل بالعكس أطالب بإحيائها، ولكن بوعي. عندما نفهم ونبحث عن أصل كل مقولة وقناعة وعادة، وننتبه إن كانت فعلاً تتماشي مع معطيات عصرنا الحالي أم لا. أو إن كانت حقاً تعزز قيماً أصيلة نرغب في زرعها في أولادنا. هناك أمر لطالما حيّرني، وهو إصرار الآباء والأمهات على أن يكون الأولاد نسخة محدّثة منهم. متناسين سنّة الحياة التي تبقى عجلتها تدور للأمام. وهذا الأمر شديد الأهمية خاصةً في زمننا هذا. يغزوا التطور التقني حياتنا بسرعة كبيرة، ولا بد لنا من متابعته ليبقى لنا نوع من المصداقية في حياة هذا الجيل. كم منا استعان بمعرفة الأولاد لمعالجة مشاكل في البرامج التنكولوجية.
لذا يستحسن أن نعمل على تثقيف أنفسنا لنكون نحن من نستخدم الذكاء الصناعي ونوظفه لخدمتنا وتسهيل بعض الأمور في حياتنا لا أن نكون نحن عبيداً له. تكاثرت الدعوات في الآونة الأخيرة لحد استخدام الأطفال للإنترنت. وهناك أبحاث كثيرة ومتضاربة عن عدد الساعات التي يسمح فيها للأطفال باستخدام الشاشات. لم يتفق العلماء على وقت محدد. لكن الذي اتفق عليه الأغلبية هو عدم جدوى المنع الكامل لأنه لا يستحسن الحد من التطور، بل تقنينه بشكل غير مباشر. كيف؟ لنبدأ باتباع الخطوات التالية:
– البحث عن نشاط يحبه الأولاد ويمكن للأبوين التعرف عليه والقيام به مع الأولاد بشكل جماعي وليكن لفترة محددة كساعتين أسبوعياً مثلاً.
– إيجاد طريقة ممتعة ومبتكرة لقضاء أوقات الانتظار قبل العشاء مثلاً مع الأولاد وإشراكهم بالأعمال اليومية بشكل لعبة.
– البحث عن وتحديد مادة معينة نطلب فيها من الأولاد تدريبنا عليها، شرط أن نكون مستعدين للعب دور الطالب بمنتهى الاحترام والتقدير لهم. هذا يعزز لغة الحوار والنقاش والقيادة لدى الأبناء، ويقوي الرابط بينهم وبين الأهل ويعزز ثقتهم بأنفسهم وبقدراتهم.
– تحديد مدة معينة لنشاط جسدي بعيداً ن الشاشات لنا، ولنلتزم به، ونطلب منهم أن بشاركونا لو أحبوا. سيحبون الموضوع إن ابتعدنا عن تقديم النصح والمحاضرات لهم خلالها دون أن يطلبوا النصح وبوضوح.
– هناك حيلة استخدمها معنا والدي رحمه الله وهي كرسي الاعتراف. كان يحب الذهاب في نزهة طويلة سيراً على الأقدام من بيتنا إلى بيت جدتي. وفي كل أسبوع يأخذ معه أحد الأولاد. خلال السير لتلك المسافة نبدأ بالحديث. ويستمع بإصغاء وهو يبتسم. كان يشعرنا دائماً بالأمان، وبأننا من الممكن أن نلجأ إليه مهما كانت المشكلة. والذي ما سمح لهذه النزهة بالاستمرار هو أنه لم يترتب على حديثنا أي عقاب مهما كان الذي اعترفنا به. هكذا طوّر علاقته بنا، وعرف كل ما يخص كل واحد من أبنائه دون أي خوف أو تحايل.
– اختيار كتاب أو موضوع محدد لنبحث فيه معهم ونتناقش فيه مرة كل شهر.
هي بعض الاقتراحات التي رأيت نجاحها مع جيل جديد لم يعش طفولة تشبهنا. البعض قد يأخذ كلامي على أنّه ذم، ولكن العكس هو الصحيح. فهم جيل له حياته وما نحن إلا مركبة عبوره إلى الحياة التي تشبهه.
وعلى بركة الله فلنبدأ.
دمتم بحب. ولنا في الحياة لقاء