قرى محطّمة

شارك مع أصدقائك

Loading

  عبد الحميد الصائح

الى سعدي يوسف

كَما الأملْ،

هوَ التنازلُ عنِ الأمل.

كما افتراس الزمان،

تهبُّ القصائدُ النازحةُ منْ فحيحِ العمرِكالرياحِ الى المنافي.

الى مدنٍ صاخِبةٍ

وشعوبٍ هائجةٍ

كدمٍ يتنقّلُ من جنوبٍ لجنوبْ

وعذابٍ يمتَصّهُ النحلُ منْ مواطنَ شتّى،

وسنواتٍ كالنملِ على جسَدٍ يتكوّنُ يتناسخ في  بلادٍ أخرى. .

…..

في وطنٍ راحلٍ كهذا،

محمولاً على قواربَ مثقوبةٍ بين الأعاصير،

كانَ لِزاماً على القصيدةِ أن تفتحَ الطرقَ للهاربين،

تاركةً آباءَنا الخطّائين

يخطّطونَ   قِلاعاً من الوهمِ على جباهِنا

فنحملها  راياتٍ مبهمة ً

تَحرسُها ثعابينُ الأساطيرِ وأجنّةُ الفراعنةْ.

( راياتٍ خافقةً

خافقة، تحت سماءٍ لم تتكوَّنْ بَعد …

أمّا نحن المنذورونَ لنحملَها

تحتَ الريحِ

وتحتَ المطرِ

فعلينا أن نتكوَّن أيضا)* …

***

كما الأملْ

هو الولي،

ذلكَ الطريقُ الذي أغويتَنا الى ظلامِهْ،

لنتركَ  الصرائفَ غافيةً على شواطيءِ الفقرْ

ونَلتحفَ  شِباكَ الصيدِ حفاةً عراةً

تَجلدُنا القصائدُ في الطريقِ معكْ

تطاردُنا الطبولُ الى منفىً من نعاسٍ طويلْ.

نحنُ الذئابَ الفتيّةَ ،

تأكلُ بعضَها قبلَ أنْ تصلَ الحانةَ الإلهية،

تَراكَ هناكَ  ليس كما تَراك ،

تُلقي على روّادِها رَمادَ العراق،

وتوهِمُهم ، بأنّ  أنيابَ العقائدِ مثمرةٌ  .

فيما ولائمُ الدمِ عامرةٌ على طول البلاد.

وأنّ وليّ الشِعرٍ، الذي حَفرَ أنفاقاً من الشمسٍ تحت الزنازين.

وأقامَ حدائقَ ومدناً ملوّنة على طريقِ الهروب،

عاطلٌ  بلا نهار.

***

المنائرُ مهجورةٌ .. ليسَ سوى جثثٍ وأذانْ ،

وأنتَ..

حيثُ يتفرّقُ الملائكةُ عائدينَ من الحانةِ الإلهية،

وأنت تقصّ على ظلالِهم حكايةَ الطائرِ الحر.

حكايةَ الذئابِ الفتية التي انتظرتْ دونَ جَدوى عند بابِ كتابك.

لتعودَ من حيثُ أتتْ بلا أمل.

***

الوليَّ في الحالتين

عائداً  الى المبعدينَ خارجَ السفينةِ بحصادِ المغفرة.

وعابراً بمشاحيفَ تُبحِرُ  في الدموعِ الى شواطيء النطق.

على أسنّة حِرابِ المتصوفةِ  الناعمة ،

وفناراتِ المُلحدينَ التي تُضيءُ في العاصفة،

الذين أخرجَهم نداؤكُ من ديارِهم

أبناءِ السعاداتِ الصغيرةِ،

يفتّشونَ عن فُتاتِ الرحمةِ في المزابلْ.

من ذا الذي يشفَعُ عنده؟

الأعلى الذي يَقيهِم الشرورْ..

والأدنى : قوارضُ تتناسلُ، تتحدّثُ باسمِه، وترفعُ السلاحَ عليهْ.

…..

سلامٌ على سيدِ العائدينَ من الحصاد

سَلامٌ على النُطق.

سلامٌ على الحزنْ.

على قلبٍ تَطهّر الآنَ في الحانةِ الإلهية.

على وليّ الأجراسِ التي توقِظُ المدنَ النائمةْ.

عائداً بمشاحيفَ شائخةٍ الى حاناتِ بغداد.

لم يبقَ أحدٌ خارجَ السفينةِ سواه ..

ملدوغاً بأفعى الشِعر

بعد أنْ أكلَتْ عشبتَهُ عندَ شواطيءِ الغَضَبْ،

وتَركتْهُ سؤالاً مترنِحاً  في الحانةِ الإلهية..

***

محطّمةٌ هي القُرى

ممَزّقةٌ هي الخَرائطُ التي تُدلّ اليها،

فتاهَ العائدونَ ، بعدَ أن فشِلَت الحريّة

واتّقى  الالهةُ شرها   .

أقسَموا كذِباً  أمامَ مفارزِ الخوفْ.

تقيّأوا وطناً أتخَمَهم عذابُه.

حملوا هوياتٍ مزورةً ليخفوا الحلمَ في الحقائب.

واعترَفوا تحتَ التعذيبِ بثقبِ سفينةِ الولي، وافشالِ الطوفان.

 

   ***

ليتَ الطائرَ الحرَ يعودْ

لنُكملَ الحكايةْ .

 

 

انتهى 19/10/ 2021

 

 

* الاقتباس : قصيدة للشاعر الراحل سعدي يوسف ( الرايات).

الذئاب الفتية : تعبير يرد في احدى قصائد الشاعر. للمراجعة.    

شارك مع أصدقائك