سيد مكاوي رسام اللحن ونحات النغمات
محمد الحديني قاص وشاعر ومترجم مصري مقيم بالكويت
مثلما هناك طه حسين في دنيا الأدب والفكر والثقافة هناك سيد مكاوي في دنيا الفن والموسيقى والغناء. ومثلما فقد طه حسين بصره بسبب تعامل الأهل غير المسؤول والخاطىء مع طفل وُلد بمشاكل خِلقية في حاسة البصر حدث نفس الأمر مع سيد مكاوي. ولكن ومن زاوية أخرى وحسب تصاريف الأقدار، كان فقدانهما لحاسة البصر نعمة على الدنيا التي عاشاها والتي مثلا فيها قيمتين وقامتين عظيمتين ومتفردتين من الصعب جدا على الأم الأرض أنها تجود بمثلهما. ولأن مصر معدة طاحنة لكل الأصول وتربة خصبة لكل الثقافات فقد استقبلت مصر أجداد سيد مكاوي كمهاجرين من أراضي الحجاز ولذلك جاء لقب العائلة هكذا. في منطقة وسط البلد، استقر آل مكاوي في حي الناصرية الذي يتميز بالروح المصرية والشعبية الأصيلة ولذلك كانت أصوات سكانه ونداءات باعته الجائلين وتراتيل مُقرئيه وغناء المتصوفين وابتهالاتهم في مواكبهم الطوافة السبب في ترسيخ وتشكيل الذاكرة الصوتية والوجدان الموسيقي لسيد مكاوي. مشوار طويل وغريب بدأه سيد مكاوي كطفل قارىء للقرءان المجيد ثم مطرب في الإذاعة ثم ملحن من ألمع وأعظم الملحنين والمؤلفين الموسيقيين وأكثرهم إنتاجا وتنوعا حيث قارب رصيده الفني 2000 لحنا. وقد غنى لسيد مكاوي معظم مطربي ومطربات زمانه في مصر باستثناء عبد الحليم حافظ، كما غنى له بعض المطربين والمطربات العرب. وعندما سألوه ذات مرة عن هذا التنوع اللافت، رد قائلا: ” النغمات مثل الألوان التي لا أراها، قد تليق بمطرب أو مطربة وقد لا تليق بغيرهما ولذلك فأنا أستحضر وأتجسد ملامح المطرب أو المطربة في ذهني قبل الشروع في التلحين.” ويعد سيد مكاوي هو الملحن الوحيد الذي قدم كل ألوان الموسيقى: الأغنية الخفيفة والأغنية الشعبية والمسرحية والطرب الأصيل والمونولوج وأغنية الأطفال ومسرح العرائس والأوبريت والأغنية الوطنية وأغاني الأفراح والتترات والتمثيليات الإذاعية وفوق كل هذا قدم لنا شخصية المسحراتي الشهيرة ورباعيات صلاح چاهين الخالدة. وربما لا يعلم البعض أن اللحن أوالرِتم الصوتي الأشهر ل( أسماء الله الحسنى ) الذي يُفتتح به حفلات الزفاف هو من إبداع الموسيقار سيد مكاوي. أما على المستوى الإنساني، كان سيد مكاوي إماما للظرفاء ومن ألطف خلق الله وأخفهم دما وأسرعهم بديهة وأكثرهم حضورا وجاذبية وتلقائية.
Enter