ملف عدد مجلة ” ألف ياء ” في عددها الجديد لشهر أبريل
عقيل منقوش
قصيدة النثر وإلتباس المصطلح
تعد قصيدة النثر من أصعب الفنون الشعريّة الإبداعية لأسباب فنيّة جمالية ولغوية لها علاقة ليس فقط بالتوصيف حسب سوزان برنار الفرنسيّة التي وضعت لها مسمى بشروطه الغربية بل بما تفرضه على الشاعر من موهبة استثنائية لكتابتها بغض النظر عن جنسيته ، فهي قصيدة قد تخلت تماما عن بنية القصيدة التقليديّة المعروفة بعنصري الوزن والقافية ،كما هو معروف فهما عاملان مساعدان لخلق إيقاع تسير عليه القصيدة، سواء كان تطريبّا لحاسة الأذن أو الروح التي تصغي لموسيقى الكلمات،أما في قصيدة النثر فيسعى كاتبها لابتكار ايقاعُا داخليًا من تسلسل الفكرة/الثيمة وصولاً إلى النهاية التي يجب أن تكون رصينة وعميقة تشبة البرق الخاطف النازل بخفته وتأثيره المزلزل،
في مرحلة الحداثة وما بعدها لم يعد اسمها مهمًا بإعتبارها نوعًا من كتابة الشعر ، فلقد أخذت بالإنتشار الواسع خاصة بين الأجيال الشعريّة الجديدة التي وجدتها أكثر طواعية للتعبير عن أفكارهم وموقفهم من العالم، لكن الكثير منهم لا يدرك خطورتها حينما تتحول إلى كتابة همها العادي من تفاصيل حياتية صغيرة و ليس غير العادي من أسئلة كونيّة كبيرة اعتمدها الشعر طوال مسيرته الموازيّة لمسيرة الفلسفة التي توقفت بعد ظهور العلوم التجريبية في الغرب،
فالكثير مما يكتب اليوم لا يرتقي إلى خلاصة الشعر وعظمته التي كتب عنها الفيلسوف الاغريقي ارسطو مما جعل النقاد يبتعدون كثيرا عن مواكبة ما يصدر من كتب شعريّة تتكدس في مطابعها ويعلوها التراب،
هنا أضع اربع كتابات تعبر عن رؤى مختلفة لإلتباس مصطلح قصيدة النثر،
قصيدة النثر: صواب الشعر وخطأ الاسم
الشاعر باسم المرعبي
ما يسميه السؤال “الشرط العربي”، هو في الحقيقة مرادف لسوء فهم، وخطأ ثقافي تاريخي يتعلق بإطلاق تسمية قصيدة النثر على ما يجب أن يكون في حقيقته شعراً حرّاً، بالمعنى الويتماني، في الوقت الذي أُطلقت تسمية الشعر الحر ـ من باب الخطأ أيضاً ـ على قصيدة التفعيلة، وهي المقيّدة بالوزن. الخطأ مزدوج أو مضاعف إذن، ومتداخل، ما يشير إلى خلل في استخدام المصطلح أوفي فهم آليات اشتغال أو انطباق المصطلحات والأسماء على مسمّياتها. يُستثنى من ذلك ما أبداه جبرا إبراهيم جبرا من فهم ووعي مبكّرين برفضه تسمية “قصيدة النثر” لهذا النوع الشعري، منذ أوائل الستينات، مطلقاً عليه الاسم الصحيح، وهو “الشعر الحر”، مثلما يؤكد ذلك في مواضع مختلفة، بينها، مقدمة أعماله الشعرية. والشعر العربي حتى اليوم لا يعرف قصيدة النثر، بالمعنى الدقيق كما في نسختها الأوروبية، فهي لم تندرج في مشهديته، عدا مُحاولات تُعد على أصابع اليد الواحدة ومنذ سنوات قليلة، تمّت في ضوء الوعي بشروط هذه القصيدة، أما كلّ ما عُرف عربياً بقصيدة النثر فقد كان ترجمةً لسوء الفهم الآنف للمصطلح الأوروبي. وقد سبق أن نوّهتُ عن هذه الإشكالية في أكثر من مناسبة، ويبدو أنّ الأمر له علاقة بوعي الشاعر وثقافته. في “بياني الشعري” المنشور منذ فترة قصيرة، أشرت إلى أن الشاعر العربي يعيش أزمة وعي بما يكتبه، على الأقل، على صعيد الشكل، خلافاً للشاعر الغربي. على أن هذا القصور في الوعي بما هو فني بحت، لا يتعارض بطبيعة الحال، كما ورد في البيان أيضاً، مع المنجز الشعري المتقدم، فنياً وإنسانياً الذي أحرزته القصيدة العربية الحديثة المتحررة من الوزن، على يد شعراء متميزين، أياً كانت التسمية التي اتخذتها هذه القصيدة.
رماح بوبو شاعرة من سورية حيث تقول
بالنسبة لمصطلح قصيدة النثر بالفعل هو مصطلح ملتبس خصوصَا عند سماعه أول مرّة
فمخزوننا المعرفي الكلاسيكي عرّف”القصيدة “بشروط موضوعية أهمها شكل البناء والوزن والايقاع
كما عرّف “النثر” على أنه الكلام الشاعري منثورا دون أن يطالب باي من شروط القصيدة
لكن طول العشرة مع قصيدة النثر اطلاعا و مزاولة يخلق ألفة مع المصطلح حتى تجد نفسك وقد تبنيته عن سابق محبة ومتأهبا للدفاع عنه عن كامل قناعة ، او على الأقل هذا ماحصل معي شخصياً
إذأجدني أخذت أختار من تعريف القصيدة ما تعنيه المفردة من كلام أدبي فوق اليومي المتداول و من مضامين ذات بعد إنساني مشترك ثم أختار من النثر شرطه الرحب في حرية التعبير بعيدا عن قيود الوزن و إطار الشكل المتعارف عليه ..وبمزج المعاني المختارة من المفردتين باتت الذائقة بل والوعي أيضا على استعداد لتقبل هذا المصطلح كمصطلح فرضته الضرورة كمواز لغوي لجنس أدبي جديد يحمل صفاتا هجينة من كلٍّ من صفات القصيدة والنثر
بل زد على ذلك أن هالته باتت تحمل بالنسبة لي جمالا أكمل كجمال خلاسية ولدت لوالدين من عرقي بياض وسواد .
الشاعر المترجم العراقي محمد تركي النصار فيعتقد كالآتي
قصيدة النثر بالمعنى المتداول لدينا تمتد جذورها عميقا في الارث العربي وهي موجودة بحرية التعدد وعدم الخضوع للأوزان التي اكتشفها الفراهيدي…
المسألة الجديرة بالاشارة هنا هي إن استخدام التسميةشابته الكثير مما انتقل للشعرية العربية من اللغات الاخرى وتحديدا الإنكليزية والفرنسية..
فما نسميه قصيدة حرّة بالعربية يعني قصيدة تفعيلة بينما يعني في اللغات الاخرى تحررا من النظام الوزني المنتظم بالمعنى الفراهيدي…
ان الحل الأمثل برأيي لفض اشتباك التسمية ودلالاتها لدينا هو قصر القصيدة الحرة على قصيدة السياب وسعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر كأمثلة على قصيدة التفعيلة وإبقاء كل ما يكتب خارج الوزن تحت تسمية قصيدة نثر بالمعنى العربي فالشعر ليس وزنا فقط بل هو ايقاعات داخلية ورؤية للعالم مختلفة وخيال يستخدم المجاز والاستعارة والكناية وغيرها من وسائل الانزياح التي تشتغل خارج اطار الدلالات النثرية النفعية المباشرة..
ونختم الملف برأي
الشاعر والمترجم العراقي سهيل نجم الذي يؤكد بما يلي
برأيي المتواضع أن قصيدة النثر حرّة بكلِّ ما في الكلمة من معنى،ولا تشترط غير الإبداع الذي حري به أن يكون حفرًا في عوالم تتعامل مع الواقع بروحية الخلاقة التي تستمد من الخيال والفكر مسارات جديدة بالضرورة فهي لا تتعامل من الكلام الزخرفي ذو البناء السطحي، وأداتها لغة (فنانة) يدوف عبرها الشاعر (الفنان)عجينة السحر والجمال والعمق المعرفي،
قصيدة النثر بالغة الحساسية ازاء الشائع والتقليدي ولا تقترف الوضوح الباهت والشعارات، مثلما في الوقت نفسه كثيرًا ما نرى أن دمها يسفك بعار الدهشة والتجريد والتوسّل إلى انحرافات اللغة من دون دلالية جمالية تحتضن فكرًا إنسانيًا مسؤولاً.
هموم شاعر قصيدة النثر حري بها أن تكون مصرّة على التحديث.
أقرأ لشعراء يستقرئون لغة الحياة اليومية لينتجوا نصًا حداثيًا يسبر أغوار داخلية الإنسان ويمنحه القوة والمتعة على تلقي الحياة حتى وإن كان في تجلياته يبدو حزينًا أو حتى يائسًا