قراءة في مجموعة صلاح فائق “مقاطع يوميّة” عماد الدين موسى

شارك مع أصدقائك

Loading

عماد الدين موسى

تجوال في حَدِيْقَة مِنَ الكَلمات
ـــــــــــــــ
في مجموعته الشِعريّة الجديدة “مقاطع يوميّة”، (منشورات “أنا/ الآخر”، ومؤسسة أروقة، القاهرة، 2015)، يواصلُ الشاعر العراقي صلاح فائق مشروعه الشِعريّ في كتابةِ نصٍّ إشكاليٍّ، مُختلفٍ ومُغايرٍ؛ فيه من المفارقةِ والغرابة والتضاد، بقدر ما فيه من الألفة والحميميّة. ولعلّ النحت في شِعريّة التفاصيل اليوميّة العابرة، وتدوير كل ما هو مهمّش في حياتنا، هو ما نجده في جلّ قصائد المجموعة، التي طالما ذخرت الحياة بها، وما على الشاعر سوى الكشف عنها، بإخراجها من الحيّز المخفي إلى العلن.
لغة المجموعة تنتمي إلى البساطة المُدهشة من حيثُ التعابير والقدرة على الإلمام بكل ما هو عاديّ من الكلام والمشاهد، إلى جانب العناية الفائقة بالجملة من جهة السبك والمهارة في تطويع المفردة في سياقها المرجوّ. لتسير اللغة- بدورها- وفق مسارين أساسيين: الأول عباراته تجريدية وتغرف من منبع السورياليّة مع الحفاظ على روح الخصوصيّة لدى الشاعر فائق، فيما، في المسار الثاني، تدنو اللغة من الأجواء الرومانسيّة بكل ما فيها من رؤى وأفكار ومفرداتٍ حميمةٍ، تأخذ نداوتها من حيثيّات الطبيعة وموسيقاها.
ولعلّ ما يجري اليوم من ويلات الحرب وأهوالها في العراق/ بلد الشاعر، نجده في عددٍ من قصائد المجموعة، سواءً من جهة الوقوف على الأخطاء المرتكبة وكانت السبب فيما حلّ بتلك البلاد، أو من حيثُ تناولها الدراماتيكي لمشاهد العنف، وذلك من خلال وصف الشاعر لألم شعبه، باعتباره ألمه نفسه؛ كما في قصيدة “كلكامش يتطلع إلى شعبه في التلفزيون”.
وإنْ كانت تتصدّر المجموعة مقولة إيمي سيزير: “الرقم الوحيد الذي حطّمناهُ، كان في المعاناة”، إلا أنّ قراءة قصائد هذه المجموعة تجعلنا ننسى كلّ وجع أو معاناةٍ، ما يؤكّد أنّ الشِعر- بوصفه أرقّ الفنون وأكثرها نقاوةً- لا يزال ذات تأثيرٍ جليّاً في وجداننا، وأنّه البوصلة الوحيدة لتستعيد أرواحنا لذّتها وألقها المنشودين، حيثُ نجدهُ يقول: “في يدي التي تكتبُ مجاهلُ عظيمة،/ سأكرسُ بقية حياتي لزيارةِ أدغالها وكهوفها/ وقواعدِ مركباتها الفضائية./ لم يعدْ هذا العالم يغريني: صيادلةٌ في كلّ مكان/ أعملُ في ممراتٍ مظلمة/ لتهريبِ غزلانٍ إلى مروجٍ آمنة./ إنني أجولُ في حديقةٍ من كلماتٍ/ أخرجُ من نفسي وأدخلها، كأنها غرفة”.
جديرٌ بالذكر أن الشاعر صلاح فائق، من مواليد محافظة كركوك (العام 1945)، من أب تركمانيّ وأمّ كرديّة، ويُعتبر من أبرز أعضاء “جماعة كركوك” إلى جانب سركون بولص وجان دمو وفاضل العزاوي ومؤيد الراوي وآخرين، وكان لهذه الجماعةِ المساهمةَ الأبرز في حركة الحداثة الشِعرية بالعراق، وفي تطوير آفاق القصيدة العربية.
أصدر على مدار أربعة عقود من الزمن، عدداً من المجاميع الشِعريّة، نذكر منها: “رهائن، تلك البلاد، طريق إلى البحر، مقاطعات وأحلام، رحيل، أعوام، دببة في مأتم، ومضات، آكل قصائدي في زقاق ضيّق، شاعر نائم يكتب قصائد، نملة تمشي في جنازة، ضبع يبحث عني، أخفي نقودي في مقبرة، أكتب لأتسلّى، رباعياتي، وشرفة دادا”

،**نشرت  في عدد حزيران/ يونيو من مجلة الدوحة

شارك مع أصدقائك