حماية الملكية الفكرية للأدباء والشعراء…د.عبد الكريم الحلو

شارك مع أصدقائك

Loading

حماية الملكية الفكرية للأدباءوالشعراء
في ظل التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي
الدكتور عبدالكريم الحلو

مقدمة
في عصرنا الراهن : لم يعد الإبداع محصورًا في الورق، ولم تعد الكلمة أمانًا لمبدعها بمجرد أن يخطّها قلمه، بل صارت عُرضة للسرقة والتزييف،
خصوصًا مع الانفتاح الرقمي السريع، وانتشار أدوات الذكاء الاصطناعي التي تُنتج نصوصًا وتُحاكي الأساليب.
وفي خضم هذا المشهد المرتبك :
تبرز قضية الملكية الفكرية بوصفها ركيزة مركزية لحماية الأدباء والشعراء، الذين أصبحوا فريسةً لمن ينتظرون لحظة النشر لينقضوا على النص كما تنقض الوحوش على فريستها ……

أولًا
النص في مهبّ النسخ والسرقة الرقمية:
مع التحوّل الرقمي، بات من السهل جدًا نسخ النصوص الشعرية أو السردية من صفحات التواصل الاجتماعي، أو من المواقع الأدبية، وإعادة نشرها في مواقع أخرى أو صحف ورقية، دون أي إشارة لصاحبها الأصلي.
لكن الأخطر من ذلك هو تحوّل هذه السرقات إلى عرف شائع في بعض البيئات الثقافية التي لا تُمارس الرقابة ولا تحترم حقوق الملكية، بل وقد تُكرّم النص المسروق دون التحقّق من مصدره.
لقد شهدنا حالات كثيرة سُرقت فيها قصائد أو خواطر من شاعرات وشعراء مبدعين، ونُشرت بأسماء أخرى في مجلات أو صحف عربية خارجية،
بل وصل الأمر إلى أن يسجّل السارق النص باسمه في مؤسسات ثقافية داخل أو خارج بلده، بينما يبقى صاحب النص الحقيقي مكلومًا، يتفرّج على تعبه يُقدَّم على موائد الغش والادّعاء.
ثانيًا
الذكاء الاصطناعي وطمس الحدود
بين الإبداع البشري والآلي

الذكاء الاصطناعي بات اليوم قادرًا على إنتاج نصوص شعرية وسردية تقليدية، تُحاكي أساليب البشر، بل تُقلّد حتى أصواتهم ولغتهم وأمزجتهم.
في ظل هذه الفوضى تُصبح الحاجة إلى ضبط المسألة القانونية والأخلاقية أمرًا ملحًا، كي لا يتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى أداة شرعية لنهب الإبداع.

ثالثًا
منظومة الحماية غائبة :
حين يتحوّل السارق إلى نجم

مع الأسف، لا تتوفر في أغلب الدول العربية أنظمة رقمية فعّالة لحماية النصوص أو تتبّع سرقتها. كما أن القوانين التقليدية لا تزال تعمل وفق تعريفات قديمة للمؤلف والناشر، لا تشمل النصوص الرقمية ولا تراعي طبيعة النشر الإلكتروني الفوري.
رابعًا
سرقة النص لحظة ولادته
الجريمة الأخطر

ما يُسمى بـ”السرقة اللحظية” هي كارثة العصر:
ينتظر السارق نشر الشاعر لنصه على فيسبوك أو إنستغرام، فينسخه فورًا، ويُرسله إلى صحيفة أو منتدى خارجي باسمه .
وقد يسبق الشاعر الحقيقي في نشره ورقيًا أو تسجيله رسميًا، ما يخلق ارتباكًا قانونيًا حادًا في تحديد المالك الأصلي.

خامسًا
الحلول المقترحة لتسجيل
وتوثيق النصوص

لحماية النصوص من السرقة والانتحال، لا بد من حلول تقنية وقانونية وأخلاقية،
يمكن تلخيصها في ما يلي::
التوثيق الزمني الرقمي
نشر النص في المواقع الرسمية كالاتحادات والاكاديميات التي تسجّل النص بتاريخ وساعة النشر،
وتمنح شهادة رقمية لا يمكن التلاعب بها.
النشر في الصحف والمجلات الرصينه
التسجيل القانوني المحلي:
تسجيل النصوص الجديدة في دوائر حقوق المؤلف التابعة لوزارة الثقافة أو الإعلام.
بعض الدول تتيح التسجيل الإلكتروني مقابل رسوم رمزية، ويُمنح الشاعر وثيقة تثبت ملكيته.
النشر في منصات موثوقة
الابتعاد عن نشر النصوص كاملة في وسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة دون توقيع أو حقوق محفوظة.
النشر في مواقع أدبية موثوقة تُظهر اسم الكاتب وتاريخ النشر بوضوح.

استخدام العلامة المائية أو البصمة النصية

وضع إشارات أسلوبية خاصة، أو رموز في النص لا يلاحظها سوى الكاتب، يمكنه من خلالها إثبات الملكية لاحقًا.

الملاحقة القانونية والفضح الثقافي:

• التبليغ عن أي حالة سرقة للمؤسسات والجهات المعنية.

• كشف السرقات في المنابر الأدبية والإعلامية بوثائق وتواريخ واضحة، دون خوف أو مجاملة.

خاتمة:
حماية النصوص ليست ترفًا ثقافيًا،
بل هي حماية لكرامة المبدع،
وصون للحق، وصوت يُعيد الأدب إلى أصالته.
وإذا لم نقل “هذا النص سُرق”، ونسكت بدافع العلاقات أو المجاملة، فنحن نشارك – بصمتنا – في اغتيال الإبداع، وتكريس الكذب كفضيلة.
الكلمة تستحق أن تُحمى،
لانها غالية وغالية جداً ..
و لأنها تعبّر عن جوهر الإنسان.
ومن لا يحمي جوهره،
لا يمكنه الدفاع عن وجوده.

شارك مع أصدقائك