رفقة إينوبلي
تونس
ومصر تُعتبر الأميرة نازلي فاضل واحدة من أبرز الشخصيات النسائية التي لعبت دورًا محوريًا في الحراك الفكري والثقافي في العالم العربي خلال القرن التاسع عشر. نشأت في بيئة قومية وعلمية متميزة، جمعت بين التعليم التقليدي والعصري، مما مكنها من أن تصبح حلقة وصل مهمة بين دوائر الفكر في تونس ومصر، وتساهم بشكل فعّال في تعزيز التواصل بين المفكرين والمصلحين في هذين البلدين. وقد تجسد هذا الدور في العديد من المبادرات الثقافية التي أطلقتها، من أبرزها تأسيس الصالونات الثقافية التي أصبحت مركزًا حيويًا للحوار الفكري والنقاش حول قضايا العصر. الصالونات الثقافية: جسور تواصل بين مصر وتونس منذ أن كانت في باريس برفقة زوجها خليل شريف باشا، تأثرت الأميرة نازلي فاضل بالصالونات الثقافية التي كانت شائعة في العاصمة الفرنسية، حيث كانت تجمع المثقفين والمفكرين لمناقشة موضوعات متنوعة تتعلق بالفكر والفن والسياسة. ولذا، حين عادت إلى القاهرة في أواخر القرن التاسع عشر، قررت تأسيس أول صالون ثقافي تديره امرأة في مصر. وكان مقره في قصر والدها بالقاهرة، ليصبح نقطة تلاقٍ هامة بين كبار المفكرين والمصلحين في العالم العربي. في هذا الصالون، التقى مجموعة من أبرز الشخصيات الفكرية والثقافية مثل محمد عبده، قاسم أمين، سعد زغلول، محمد المويلحي، والأديب السوري عبد الرحمن الكواكبي. كان صالونها بمثابة منبر حواري يناقش القضايا الاجتماعية والثقافية الهامة، مثل تحرير المرأة، التنوير، والإصلاح الاجتماعي. وقد أسهم هذا الصالون في تعزيز النقاش حول العديد من القضايا الحيوية التي كانت تمثل تحديات كبيرة للمجتمع العربي آنذاك. تأثير الأميرة نازلي في الحراك الفكري العربي تُعد الأميرة نازلي فاضل من أوائل الشخصيات التي أثرت بشكل كبير في حركة تحرير المرأة في العالم العربي. ففي صالونها، دارت أولى الحوارات بين قاسم أمين والأميرة حول وضع المرأة المصرية وسبل تحريرها من القيود الاجتماعية التي كانت تعيق تقدمها. كانت هذه الحوارات نواة لأفكار قاسم أمين التي تجسدت في كتابه الشهير “تحرير المرأة”، الذي يُعد من أولى الأعمال الفكرية التي تناولت قضايا حقوق المرأة في المجتمع العربي. كما كانت الأميرة نازلي على تواصل مستمر مع محمد عبده، حيث ناقشا سويا دور الفكر التنويري في حركة الإصلاح الاجتماعي والثقافي في مصر. ورغم غياب الكثير من الوثائق المكتوبة التي توثق لآراء الأميرة في هذه النقاشات، إلا أن العديد من الكتاب والمفكرين أشادوا بدورها البارز في تحفيز هذه الحركة الفكرية، مثلما أشار محمد كرو في كتابه الذي أكد أن “تاريخ مصر الحديث لا يمكن أن يكون كاملاً أو عادلاً إلا بالحديث عن دورها الفاعل في حياة العديد من الزعماء والمثقفين”. الصالون كمنصة للتواصل الاجتماعي والشخصي لم يكن الصالون الثقافي الذي أسسته الأميرة نازلي فاضل مجرد مركز للتبادل الفكري فحسب، بل كان أيضًا مكانًا للتواصل الاجتماعي، مما ساعد على تقوية الروابط بين الشخصيات الفكرية والسياسية. ومن بين هذه الروابط، تجدر الإشارة إلى العلاقة التي نشأت بين الفلاح سعد زغلول وصفية ابنة مصطفى باشا، رئيس الحكومة المصرية في أواخر القرن التاسع عشر. هذا الارتباط الاجتماعي يعكس بوضوح التأثير الكبير الذي كانت تمارسه الأميرة نازلي على رواد صالونها، حيث كان لها دور في تيسير الحوار وتوطيد العلاقات بين المفكرين والمصلحين في مصر. الخاتمة تعد الأميرة نازلي فاضل واحدة من الرائدات الثقافيات اللواتي أسهمن في بناء جسور الفكر بين مصر وتونس، وكان لها تأثير عميق في إثراء الحراك الثقافي والاجتماعي في المنطقة. من خلال صالونها الثقافي الذي جمع نخبة من المفكرين والمصلحين، ساهمت بشكل فعال في تعزيز الحوار الفكري حول قضايا مهمة، مثل تحرير المرأة والتنوير الاجتماعي. لقد كانت، من دون شك، واحدة من أبرز الشخصيات التي تركت بصمة واضحة في التاريخ الثقافي والاجتماعي للعالم
…..
كرو(أبو القاسم): الأميرة نازلي فاضل: رائدة النهضة في مصر وتونس ،ط1، تونس، دار المغرب العربي. القاسمي(فتحي):
روابط الفكر والروح بين المصلحين التونسيين ونظرائهم مشرقا ومغربا،ط1 سنة 2003. حجي(طارق):
الحوار المتمدن العدد 3633: محور اليسار والديمقراطية والعلمانية