هل تحقق الحلم العظيم؟؟..نادية عوض

شارك مع أصدقائك

Loading

هل تحقق الحلم العظيم؟؟

قراءة في رواية ((الحلم العظيم)) للروائي أحمد خلف

 نادية عوض

كاتبة من فلسطين

يعتبر القاص والروائي أحمد خلف من الأسماء  المرموقة في الإبداع السردي  العراقي  ولا يمكن لأي ناقد ان يستوحي ملامح الرواية العراقية دون أن يعرج على الانجاز الإبداعي  لهذا الكاتب.وفي روايته ( الحلم العظيم) والتي كتبت بلغة فنية غاية في الصنعةِ والإتقان،  وأتسمت بأناقة الحرف وسحر المخيلة،عبرلغة غاصت في أعماق الذات  لشخصية البطل (عبد الله) الذي  سماه الكاتب بمؤلف القصص.

صدرت الرواية عام 2009 عن دار المدى  في 304 ص من القطع المتوسط..

تكشف الرواية ملامح هامة من  السيرة الذاتية والحياتية للبطل  والذي يشاطر بها الكثير من سيرة الكاتب المؤلف أحمد خلف. ولكن ببراعة  المتخيل  الذهني، والسردي، والفني  والذي اعتبر به الكاتب، ان الخيال هو في الحقيقة جزءا من الواقع. وبذلك نجح أحمد خلف  في ان يحلق بنا بعيدا  لنلمس حقيقة هذا الخيال  المستمد الى  حد كبير  من السيرة الذاتية للكاتب نفسه   . تبين الرواية لحظات ضعف البطل وتخبطه  كشاب  مراهق والذي ينساق الى علاقات حميمية مع عدة نساء جميلات  دخل على اثرها في ازمات نفسية خانقة .

وثقت الرواية عن تأثر العراق بحركات حزبية سياسية مشيرة الى ظهور الحزب الشيوعي  الذي قمعته السلطة الاستبدادية في انتفاضة الاهوار .تدخل الرواية  في هذا الإطار المتمدد في المتن الروائي  الى تسليط الضوء على مرحلة   من مراحل العراق السياسية والثقافية.

كان البطل نهماً  في قراءة الكتب والروايات   وتاثر بها ، في مقدمة الرواية كتب أحمد خلف ( ليس  صحيحا أن نقلد  ابطال الروايات كما لو كانوا أشخاصا حقيقين  وان كان تقليدهم يغرينا  خصوصا خلال تولعنا في سير  أحداث رواياتهم   فلا مناص  من تمردنا عليهم  بعد حين من الزمن) .ص5

تعتبر الرواية بولوفينية ،( متعددة الشخوص والاصوات) في جوهرها.  مع وجود المونولوجات الشيقة الميتاسردية التي ابدع فيها الكاتب أحمد خلف والتي شكلت سمة ًفي  رواياته. تعتبر ” الحلم العظيم” رواية  مثيرة  للتفكير الناقد لما تحتويه من سرديات  شيقة استخدم في سردها  الكاتب الإستباق والاسترجاع  بشكل توصيفي دقيق  يجذب اهتمام القاريء  الى حد كبير..

شخصيةالبطل( عبدالله) الاشكالية ،  سيكولوجية ما وراء السرد.

قدم لنا احمد خلف شخصية بطله بنظرة سيكولوجية احترافية مثيرة للتفكير والتأمل  وابدع في سرد وتخيل  هذه الشخصية  الاشكالية، نفسيا وسلوكيا .سخر له في روايته  بطلا مثقفا يحمل فكرا جدليا  ، يكتب القصص القصيرة ولا يجد لها سبيلا للنشر في الصحف والمجلات . ويعيش في عزلة اجتماعية ونفسية يرافقها شبق جنسي غير منضبط  يفسر طبيعة هذه الشخصية القلقة.حيث يعيش البطل صراعات نفسيه وفكرية .كان ممزق الخاطر  يكتب ساعة لينفجر بالضحك  ساعة اخرى ص43.يخاطب نفسه: عن أي شيء تريد ان تكتب ؟ ومن اجل من  سوف تسرد الصفحات الطوال ؟ عن الحبيبة المستحيلة  ام عن الزوجة الصديقة، وهل لك مقدرة ان تترك مئات  الناس الذين يتضورون جوعا ؟؟  ص 43

يجسد  الكاتب هذا الصراع ببراعة المبدع عبرحوارات ومونولوجات ومشاهد  داخلية صامتة.. يعيش البطل بمعزل عن  محيطه البيئي  في عملية بحث مضنية عن ذاته  وجدوى وجوده وماذا يريد؟؟. بدى البطل وكأنه نسخة عراقية من ( ميرسو) بطل رواية “الغريب ” ل (ألبيركامو) الشخص المنفصل عن الواقع والمجتمع، يتسائل عن ماهية الحياة التي يحكمها اللامعنى احيانا .

في المقابل ، حرص الكاتب أحمد خلف  على أن يمتلك بطله نضوجا فكريا وثقافيا الامر الذي مكنه ان يصبح مرشدا لنا  لتلك الفترة من تاريخ العراق المعاصر .  اي واقع عاشه البطل ؟ذلك الواقع المرير بالحرمان والالم الذي قرر ان يستبدله بعالم اخر الا  انه يلازمه الحلم بكابوس ليلي قاس  وهو رؤية شخص غامق البشرة  ينوي رميه الى قاع البئر …. حيث يصيح  ولا يسمعه احد ،يفيق والعرق يتصبب من جبينه، يشعر بعمق الضائقة النفسية التي تعتريه…،

في” الحلم العظيم ” كان توجه المؤلف  في تعزيز المضمون الإنساني  كرافد أساسي في الرواية .  وهو من الكتاب الذين  يقدمون لنا شخصيتهم في الرواية أولا  ثم يعرض لنا العالم من خلاله، أي أن الجوهر هو الإنسان  يناصره ويناصرحريته وحياته.

نلمس في الرواية وعي الكاتب للبعد النفسي لشخصية بطله عبد الله، حيث لا يمكن التغاضي  عن الدرس السيكولوجي  العميق  الذي يقدمه لنا بقلم المحلل النفسي الماهر  في علم نفس الشخصية الإنسانية من اجل الولوج الى أعماقها  تاركا المجال مفتوحا للتأويل والتحليل لإستنباط  قوانين الوعي واللاوعي  في النفس البشرية…

“الحلم العظيم “هي رواية تتميز بالسرد المتقن الذي ينبض بجمالية الروح المتفردة  من خلال غناها الداخلي، ويعمل الكاتب على تأكيد حضور الذات ونفيها في آن واحد  في سياق البنية الدرامية.

نهج أحمد خلف  أن  يبقي  النهايات خاضعة لأكثر من تفسير  حيث   يتركها لذكاء وتفسير القارىء….

شارك مع أصدقائك