القاهرة – الزمان
يستغرب كثيرون،وبينهم عدد من اساتذة اقسام علم النفس، ان يصدر كتاب يدعو الى (علم نفس عربي جديد) ..ولهم نقول: اجرى معظم علماء النفس الكبار تجاربهم على الحيوانات والطيور وخرجوا بنتائج عمموها على البشر، يتصدرهم بافلوف الذي اجراها على الكلاب وخرج باكثر من قانون بينها..حين يتم اشتراط الاستجابة لمثير معين فان المثيرات الاخرى المشابهة للمثير الاصلي تصبح قادرة على استدعاء نفس الاستجابة وصارت تعرف بنظرية الاشتراط الكلاسيكي. ظهر بعده في اميركا مؤسس المدرسة السلوكية عالم النفس سكينر مستخدما الحمام والفئران لاظهار مدى سهولة تشكيل البيئة لمخ الحيوانات الثدية، ورفض تفسير التعلم بالربط المكيانيكي البسيط بين الاستجابة والمثير وقدم مصطلح الاشتراط الاجرائي. واجرى هاري هارلو تجاربه على القرود معتقدا انها ستمنحه افكارا اكثر دقة عن السلوك الانساني، تبعهم صاحب نظرية العجز المتعلم مارتن سليجمان الذي اجرى تجاربه على الكلاب.. وكان فرويد قد وضع نظرياته من خلال تحليل اشخاص معدودين معظمهم نساء برجوازيات وخلص الى ان سلوكيات الفرد لا يحددها عامل واحد بل ثلاثة ( الانا، والهو، والانا الاعلى). وقل الكثير عن كثيرين. وليس النقد هنا على ما توصلت تجارب علماء النفس على الحيوانات والطيور من نظريات اصبحت كلاسيكية..ولكن الفرق يكون كبيرا فيما يخص سلوك الأنسان بين ان يكون البشر هم موضوع الدراسة وبين ان تكون الحيوانات والطيور موضوعها.وما حصل ،ان العراق صار مختبرا حقيقيا لعلم النفس تعرض ملايينه عبر اربعين سنة (1980- 2020) الى حروب كارثية،بدءا من الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثمان سنوات، الى حرب العراق على الكويت، الى ثلاث عشرة سنة من حصار اكل فيها العراقيون خبز النخالة المعجون بفضلات الصراصر، فالحرب الأمريكية على العراق (2003) ، فالحرب الطائفية (2006- 2008) الذي بلغ عدد القتلى فيها في احد ايام شهر تموز..مائة قتيلا، لسبب في منتهى السخافة( ما اذا كان الآخر اسمه عمر او حيدر او رزكار!)..الى حرب داعش وسقوط الموصل..ووصولهم الى مشارف بغداد..الى تناقضات ومفارقات في علاقات السلطة بالناس بعد 2003 ما حدثت في تاريخ العراق السياسي وما احدثته من تغييرات في الشخصية العراقية. هذه الاحداث شغلت عددا من علماء النفس العراقيين وحظيت بدراسات علمية في اطاريح دكتوراه ،يفترض ان يصار الى توحيد مفاهيمها في تنظير جديد خاص بعلم نفس عراقي يقدم اضافات معرفية لعلم النفس على الصعيدين العربي والعالمي وتكون له هوية مميزة على الصعيد الأنساني. ان ما تقدم من انجازات علمية لعلماء النفس العراقيين وطلبة دكتوراه ، الذين درسوا فيها عينات بشرية ،وليس حيوانات او طيور ، تعرضت لكوارث وفواجع واحزان وفقدان احبة..وما انجزناه نحن خلال اربعين سنة من دراسات ميدانية ، في بلد صار مختبرا حقيقيا لعلم النفس..يقدم اضافات معرفية عراقية خالصة لعلم النفس العالمي صيغت بتنظير وقوانين اجتماعية..نأمل ان يشكل هذا الكتاب باكورة لعلم نفس عربي بجهود علماء نفس عراقيين وعرب قادرين على ان يخرجوا من جلباب فرويد وسكنر..وآخرين يعدّون افكارهم حقائق ابدية.
31 تموز 2024 * لكتاب..اصدار دار عين حورس المعروفة في القاهرة ،وسيعرض في معرض بغداد الدولي للكتاب..ايلول القادم.