حاوره
الأستاذ عبد العزيز عسير
مقدمة
* ولد الفنان الملحن و الأديب الشاعر الأستاذ طالب غالي عام ١٩٣٧ في البصرة / محلة مناوي باشا،
* درس الموسيقى على يد الفنان الراحل ياسين الراوي في دار المعلمين .
*درس اللغة والادب على يد اساتذة أجلاء منهم الاستاذ الشاعر رزوق فرج رزوق.
* شارك في النشاطات الفنية في البصرة مثل أوبريت (بيادر الخير) وكذلك (المطرقة) .
* لحن كثيرا من الأغاني العراقية السبعينية لعديد من المطربين والمطربات منهم : فؤاد سالم و مائدة نزهت و رياض احمد سعدون جابر وسيتا هكوبيان وغيرهم .
* يقيم حاليا في الدنمارك .
ما الذي جعل حقول الابداع تتنوع لديك بين تلحين الأغاني و كتابة النصوص الشعرية . ؟
– ليس هناك أيّ سًر … بل هناك موهبةٌ واستعداد لدى كلّ إنسان بنسبٍ مختلفة-
ويُشترطُ رفدها بما يجعلها تنمو وتتجدد و تترسخ في مختلف المجالات
الأدبية والفنية والعلمية، إلى جانب ذلك فالحياة مدرسةٌ مانحةٌ فيها التنوع الجمالي والتحريضي
لمن يحاولُ وبجدّ للوصول الى منابعها،
_ معلوم ان التجربة الحياتية تخلق التجربة الفنبة فما أثر تجاربك الحياتية وخاصة الغربة على عطائك الابداعي لحنا وشعرا ؟
_ التجربة الحياتية تبدأ منذ إئتلاق الوعي وفي مجالاتٍ شتى… تأثرتُ أو اخذتُ من العائلةِ بعض ما فيها من ممارسة للشعر وفرحة التعبير غناءً في حالة الفرح او الأس …. يليها التأثر بالمحيط الذي كان متنوع العطاء في مجال الغناء والشعر في مجال الأدب الحسيني .وما يتوفر من نتاج أدبيّ ضمن مناهج الدراسة من شعر وقصصٍ وروايات وقراءة واقتناء ما يصدر من روايات ودواوين شعر.
مفهوم الغربة والاحساس بها متنوع الوقع والتأثير … أحياناً انت في وطنك وتشعرُ بأنّك غريبٌ عن محيطك ،، وهنا أتذكّرُ بيت شعرٍ يقول :
ليس الغريبُ الذي تنأى الديارُ بهِ
إنّ الغريبَ قريبٌ غير مودودِ
الفربةُ خارج الوطن مكّنتني من الإطلاع على تجارب ونشاطات الآخرين وعطائهم
الفنيّ والأساليب الحديثة المتّبعة وكيفيةالتعامل معها وفقاً لمضمونها وزمنها
والظروف الاجتماعية الراهنة .وما يتطلبهُ الواقع الراهن وفق اشتراطاته…. علماً بأنّ لي تجارب َ في مجال الأدب والفنّ اكتسبتها في ربوع وطني قبل مفارقتي لَهُ قسراً .
فما اكتسبته في الغربة ولهُ خصائصُهُ عمّق لديّ هذه التجربة فانتجتُ خلال تغربي الحانًا لها قيمةفنية متقدمة ؛ منها حصراً .. غريب على الخليج للشاعر الكبير بدر شاكر السياب وقصيدة دجلة الخير ،،وسالم المرزوق .. للشاعر الراحل المبدع سعدي يوسف .. كانت الاغنية الأولى والثانية .. بصوت الفنان الكبير فؤاد سالم الذي غنّاها باحساس ومقدرة تفوق فيها على ماسبقها.
_ من هو الأستاذ الأول الذي كان له الاثر في خطواتك الأولى بالموسيقى ؟
_ هي الحياة والطبيعة وما فيها من ابداع وروائع وجمال وفن وايقاعات
متنوعة الوقع وغيرها الكثير أنبتت في وجداني وعقلي ألأثر الأول في مشوار العمر
وبعدها تكوّن التأمل والفعل والرغبة والحاجة للتعبير عمّا يختلجُ في الحنايا من حلم ونجاح وإخفاق وعشق ورؤى وتأزم.
فللطبيعة فعلها واثرها فيَّ جوانب متعددة.
على أنني احببتُ آلة العود حين كان يعزف عليه الأستاذ الفنان الراحل ياسين الراوي أثناء تدريسنا الموسيقى في دار المعلمين ،، ومنهُ كانت بدايات الخطوات الأولى ،وكان ولعي بالغناء يتصاعد منذ الصغر .
– في ستينيات القرن الماضي قرأنا لك قصيدة في مجلة الآداب اللبنانية … وهي مجلة تنشر لكبار الادباء العرب ؛ وتشجع الأدباء المبتدئين ممن تتميز نصوصهم بقدرات فنية .. فماذا كان شعورك وانت تنشر في الآداب لأول مرة ؟
_ حقّاً هي فرحةٌ لم أستطع الإحاطة بمدى بهجتها و أثرها على نفسي ؛ هي الفرحةُ والنشوةُ والزهوّ الانساني والمفتاح السحري لأدخل مع من سبقوني عالم الأدب وروضة الشعر،،حيثُ كان لمجلة الآداب اللبنانية القيمة الادبية العليا وسمعة متميزة بين مختلف المجلات والصحف لما تنشرهُ لكبار الشعراء والأدباء والمفكرين.
لقد منحتني الثقة والدافع الكبير للمتابعة والقراءات المتنوعة
_ نصوصك الشعرية تنوعت بين شعر التفعيلة وقصيدة النثر وكذاك الشعر العمودي … فما هو ميدانك الأول الذي تشعر بأنك تنتمي اليه ؟
_ إنني أرى أنّ الشكل لا يمنحك إحساساً بالانحياز اليهِ او تفضيله بقدر ما يتضمن هذا الشكل من محتوىً ذي قيمةٍ شعريةٍ ولغةٍ نقيّةٍ معبّرةٍ عن فيوضات وانعكاسات التفاعل
مع الاحداث اليومية العامة وما يجيش في دواخل الانسان من شجون وانفعالات
وكما هو معروف ،، أنّ القصيدة حين تكتمل وتحين لحظات انبثاقها هي التي تُحددّ الشكل والايقاع الخاص بها.
أجدني منتمياً وبمحبةٍ مع كلّ الأشكال .
– ما هي أول أغنية لحنتها لأحد المطربين ؟ ومن هم المطربون الذين تعاونت معهم بالحانك الجميلة ؟ ومن هو المطرب الأقرب الى قلبك ؟
_ في مجال الابداع الموسيقي والتلحين بشكل خاص ،، فقد لحنّتُ أغنياتٍ كثيرة و كُنتُ أول من غناها الى مسارح البصرة في بداية مشواري الفني الموسيقي .
وبعدها بدأت باختيار بعض الاصوات التي احسُها تمسُّ وجداني وأشعرُ بحلاوة شجوها ودفء احساسها .. فكان أقربهم للقلب وأروعهم إحساساً بما يغنّيهِ هو الفنان الرائع الراحل فؤاد سالم.
وكانت أغنية .. عمّي.. عمّي يبو مركب يبو شراع العالي للمطرب فراد سالم هي الاغنية الاولى . وما زال صوتُ فؤاد يشجيني. ويطربني عند سماعهِ.
– من هو الشاعر الذي لحنت له أكثر من غيره ؟
_ ليس هناك شاعرٌ بعينهِ لحنتُ لَهُ أكثر من غيرهِ،، بل هناك قصائد لشعراء رائعين اختارها لما تحمل من قيمة شعرية
وموضوع مثير ومتميز وهذا ينطبق على الشعر الفصيح
وتختلف الحالة من حيث الاختيار مع النصوص الغنائية التي تُكتب باللغة المحكيّة.
– هل أصدرت مجموعات شعرية ؟
وما هي مؤلفاتك التي ما زالت مخطوطة ؟ _
أصدرتُ ديوانيْ شعرٍ ..الأول )حكايةٌ لطائر النورس) عام 1974…مطبعة الأديب في بغداد …. و الثاني..( تقاسيم على الوتر السادس) عام1910.. دار المدى للثقافة والنشر. ؛ وهناك مخطوطة شعريّة فقدتها جراء ملاحقتي واختفائي خوفاً من بطش النظام السابق عام 1978 .
ولديَّ الآن مجموعة مُعدّةٌ وفي طريقها للطباعة ،في دار المدى للثقافة والنشر أيضاً
تحت عنوان .. (مدائن الوجد) .
– ما دورك في اوبريت (بيادر الخير ) … ثم (المطرقة ) ؟
_ في اوبريت بيادر خير.. أُسند لي دور فلاحٍ هجر أرضه التي كان سيّداً فيها
ونزح الى معترك المدينة بضجيجها و قوانينها وشروطها وعمل بُستانيّاً في حديقةٍ يتعامل مع أعشابها واورادها سقياً ورعايةً.
فتحول هذا الاختلاف إلى صراع داخلي وارتباكٍ في العلاقات الإنسانية
والوجدانية
فمن بعض ما كان يرددهُ،،
( موش آنا الجنت أ زرع حنطة أزرع وردات..
شمال الدنيا..؟ غبرة الدنيا..
في اوبريت المطرقة الذي قمتُ انا بتلحين فصوله الثلاثة بنصوصها الغنائية
وحواراته النثرية الموقعة،، وعلى صعيد التمثيل كُنتُ عاملاً أمثّلُ الطبقة العاملة العراقيةالتي ناضلت وضحّت في سبيل إستقلال وطنها والدفاع عن قضاياها العادلة في الحقوق. والمساواة وحق الشعب العراقي في العيش في ظل حياة كريمةهانئة
ووطن حُرٍّ سعيد ومستقل.
– برأيك ما السر في تراجع الأغنية العراقية والعربية في القرن الحادي والعشرين ،؟
_ الأغنية ابنة زمنها ومحيطها و تستقي مفرداتها وموضوعاتها من تفاعل ونشاط
مبدعيها والمجتمع الذي تنشأ فِيهِ،،.
وهي بطبيعتها كعمل فني ابداعي تنحاز للجمال والتطلع لما هو متقدم ومثير في الحياة .. و تحتاج لتوهجها وتطورها الى رعاية واهتمام من قبل الجهات العليا في البلد والوسط الفني العامل من فنانين وشعراء والعمل على تهيئة كل مستلزمات نهوضهاوتصاعدها من حوافز ماديّة ومعنوية الى تهيئة معاهد واماكن وندوات ومسابقات فنية….فالأغنية اليوم ليس هناك من يحتضنها لا مؤسسات حكومية ولا أهلية
وليس هناك جهات رقابية مختصة بتقييم النصوص الشعرية ولا لجنة مختصة لتقييم الألحان الغنائية …يضاف الى كل هذا ايقاع الزمن المتوتر. والتواتر السريع في مجال التقنية وانحدار الذائقة الفنية والانفلات الحاصل في النزوع الفردي للنشر والتسجيل لأي فرد متمكن مادياً من اخراج وإنتاج أغنية.،، لذا لم تجد نصًّا جيداً أو لحنًا مميزاً
إلّا قليلاً ،، مع أنّ هناك أصواتًا بخامات رائعة وكثيرة. .. فأيّّ مفردةٍ من التي تدعم الأغنية تجدها الآن؟