ما هو النقد ؟

شارك مع أصدقائك

Loading

د.كاميليا عبد الفتاح

مصر

النقدُ ممارسة أشد عمقا وتعقيدًا وحساسية من أن ْ يتم اختزاله في شرح معاني النص ، أو تفسير القضية أو المضمون الذي يدور حوله النص- أو العمل الفني – بما ينتج عنه إعادة إنتاج المضمون .

النقد ممارسةٌ مهمومةٌ بالنص ، لا بصاحبه ، ومن ثم ، فهو ليس تمجيدا وتقديسًا للكاتب ، وليس مناسبة للاقتصاص منه ، ومؤاخذته بالانتقاص وكشف المثالب ، وليس تفتيشًا ساذجا في النص عن معالم الحياة الشخصية للكاتب ، والبحث عن الأدلة التي تؤكد أو تنفي ذلك .
كما أنَّ النقد ليس رصفًا لآراء النقاد الغربيين – أو العرب – ولا يرفعُ من شأنه أن يُجبر النص على الامتثال لنظرية نقدية بعينها ، أو يكون مضمارا لاستعراض القدرة على تطبيق إجراءٍ مدرسي حداثيٍ – أو بعد حداثيٍ – مع الارتكاز على مجموعة من المصطلحات التي وضعها أصحابها – في ثقافتهم المغايرة – ليتمّ تجاوزها يوما ما ، ولتكون ميدان اصطراعٍ ، وسببًا في مخاض الجديد ، ولتكون لبنةً في بناءٍ مغاير ، لا لتكون ملفوظًا مقدسا ، يُدار حوله في كل دراسة نقدية ، سواءً كان ملائما لها ، أو مقحما عليها .
النقدُ موهبةٌ شأنه شأن الإبداع ، موهبة تُسفر عن نفسها ، وتنتفض واثبةً من قشرتها حين تنضج – شأن كل الثمار – وقد أوجز ميخائيل نُعَيمة هذه المسألة بكلمة رائعة الدقة والإيجاز ، وذلك حين قال : النقد هو قوة التمييز الفطرية . اشتمل تعريفه على ثلاث كلمات غاية في الأهمية ، وهي : قوة ، التمييز ، الفطرية . أمّا القوة ، فقد وصف بها مقدار الموهبة وحجمها ، ووصولها إلى منتهاها . أما مفردة التمييز ، فقد وصف بها مسئولية النقد ، وميدانه ، وغايته ، وجوهره ، ومضماره ، فالنقد تمييزُ ما بالنص من نقاط تفرّدٍ ، وتمييزُ العلاقات داخل النص ، وتمييزُ طبيعة المفردات ، وأنماط الصورة ، وكيفية الاشتباك بين العناصر التي أُنيطَ بها تثوير النزعة الدرامية ، كما أن النقد تمييز بين الكُتاب – طبقة المبدعين منهم خاصة – وتمييز أثر النص – أو العمل – في بيئته ، وفي لغة قومه ، وفي اللغات المغايرة ، كما أنه تمييز لما تم التأثر به من الثقافات المختلفة .
هذا التمييز فطري ، لا يحدث عنوةً ، أي أنه موهبة ، لكنه يحتاج إلى عوامل بناء ، حتى لا يتوقف مستواه عند الحد الذي وُلد به ، وحتى لا يكون مجرد مشاعر غامضة عجماء ، لا تجد مفردات اصطلاحية تعبّرُ من خلالها عن رؤيتها . أمّا الاكتساب الثقافي – والخبرات – فهو لا يخلق موهبة النقد ، لا يُوجدها من عَدم ، لكنه يمنح القدرة على تدريسه وتدريب الموهوبين على أصوله العلمية ، وتكريس ضرورة دعمه بالمنهج العلمي ، وضرورة إمداد عاطفته بالرؤى الموضوعية .
شارك مع أصدقائك