الباحث والكاتب العراقي د.  خزعل الماجدي..  الإسلاميون، اليوم، أكثر توراتية من اليهود أنفسهم

شارك مع أصدقائك

Loading

 

*-على العرب أن يفتحوا ملفات الماضي القصي ويضعوه موضع نقاش

*- لا بد من الشك كطريقة للوصول إلى اليقين

……

د.خزعل الماجدي

 أكاديمي وباحث في علوم وتاريخ الأديان والحضارات والأساطير، كاتب مسرحي وشاعر. حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم من معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا عام 1996. عمل في الإذاعة والتلفزيون والمجلات والصحف العراقية واتحاد الأدباء والكتاب ودائرة السينما والمسرح بين الأعوام 1973 – 1998 ثم عمل أستاذا جامعياً في جامعة درنة في ليبيا (1998 – 2003).

وفي هولندا، حاضر في جامعة لايدن وعمل في عدد من الجامعات العربية المفتوحة في أوربا، أصدر 107 من الكتب. وترجمت له كتب ونصوصٌ باللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والرومانية والفارسية والكردية.

تناولت كتبه حقول الحضارات والأديان والميثولوجيا، وكان تركيزه منصبّا على التاريخ القديم وعلى العلوم التي تناولت هذه الحقول. وكتب في الاستشراق وتاريخ الفن والأدب.

وفي حقل التاريخ والميثولوجيا والأديان القديمة له 26 كتابا، أولها “سفر سومر” (1990)، وآخرها “الأنباط: التاريخ والميثولوجيا والفنون” (2012). أما في حقل النظرية الشعرية فله كتابان: الأول “العقل الشعري الخالص والمحيط الناطق”، والثاني “العقل الشعري العملي والظاهر والباطن”.

سبق لخزعل الماجدي أن أصدر نحو عشرين مسرحية، عُرض بعضها في العراق وعدد من الدول العربية وفرنسا، منها: عزلة في الكريستال، حفلة الماس، هـاملت بلا هاملت، قمر من دم، قيامة شهرزاد، نزول عشتار إلى ملجأ العامرية، سيدرا، موسيقى صفراء، حارسات الريحان، ونصب الحرية. وفي حقل الشعر له أكثر من عشرة دواوين صدرت ابتداء من عام 1980، وأعاد إصدارها في الأعمال الكاملة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في سبع مجلدات. وله كتاب نظري شامل عن الشعر بعنوان “العقل الشعريّ”.

له أكثر من ثمانين محاضرة فكرية وثقافية عامة في أوربا وكندا وميشيغان والعالم العربي في السنوات العشر الأخيرة، بعضها مسجّل ومتاح في قناته الخاصة في اليوتيوب.

شغل الباحث والكاتب العراقي خزعل الماجدي الساحة الثقافية العربية بما يقدمه من مقاربات وبحوث تاريخية خاصة فيما يتعلق بتاريخ الأديان والأنثروبولوجيا، التي أفاد منها في شعره ومسرحه الذي يطرح قضايا عميقة يقاربها بدقة منتصرا للحقيقة على حساب الزيف والوهم، متحدثا بلغة الباحث العارف والمشكك والطامح إلى الحقيقة التي يكرهها العامة. هذا التوجه جعل من الماجدي شخصية ثقافية جدلية، إذ ليس من السهل التشكيك في الأطروحات المغلوطة التي تقادمت وابتعد عنها الشك حتى فسدت وتغولت، وهذا ما يواجهه الماجدي بشجاعة. “العرب” كان لها هذا الحوار معه حول أهم القضايا التي يطرحها في كتاباته.

نال الأكاديمي والباحث في علوم وتاريخ الأديان والحضارات والأساطير العراقي خزعل الماجدي شهرة واسعة من خلال تصديه الجريء للكثير من الأطروحات الخاطئة أو الضعيفة أو المزيفة التي تغزو تاريخ الشعوب العربية، الذي فيه الكثير من الخلط والإضافات والحجب والتزييف، خاصة إذا تعلق الأمر بما هو ديني.

وقدم الماجدي أطروحاته لا في الكتب فحسب بل وفي محاضراته التي ينقلها على قناته على يوتيوب وفي مساهماته المنشورة في منابر مختلفة، ما جعل آراءه تصل إلى شريحة واسعة ترى فيها فرصة للشك ومواصلة البحث عن الحقائق دون مواربة أو خوف أو اجتزاء، وهو ما تحتاجه الشعوب العربية اليوم للخروج من دائرة التقديس والتعصب والانفتاح أكثر على العالم والتغيرات التي لا تتوقف..

العرب: كيف يمكن الفصل بين التاريخي والمقدس في النصوص وهل يمكن ذلك فعلا؟

الماجدي: نعم يمكننا ذلك، عن طريق اعتمادنا على الآثار والتحقق من المرويات سواء كانت مقدسة أو تاريخية أو ملفقة، المهم أن نتحاشى المبالغات المقدسة لأنها تبالغ وتروي الحوادث بطريقة خاصة بها، ونتحاشى المرويات التاريخية بطريقة غير دقيقة والتي تميل إلى المبالغة والفخر. أصبح الفصل بين التاريخي/الآثاري والمقدس بديهية من بديهيات البحث العلمي ومن لا يتبعه فهو واقع لا محالة في خطأ أكاديمي قاتل سيقلل من الثقة بطروحاته وأفكاره.

المختبر العلمي ليس في مجاملة أو مخالطة مع أمور حوله، وكلما ازداد التضبيط العلمي وجدنا أنفسنا في مأمن من الأخطاء الشائعة.

العرب: الاجتهاد في التعامل مع النص الديني (المقدس) هل هو من حق فئة بعينها أو حق متاح للجميع؟

الماجدي: لا شك أنه من حق العلماء الأكاديميين الذين يعتمدون على الحقائق الآثارية بدقة علمية صحيحة. ولكن إذا أراد شخص من خارج الأكاديميين التعامل معه فله الحق في ذلك بشرط أن يطبق معايير البحث العلمي الأكاديمية المعتمدة.

العرب: اتباع منهج معين لنقد الفكر السائد هل هو معيب أو ينقص من قدرة الباحث؟

الماجدي: ليست كلّ المناهج صالحة للتقصي العلمي، والمهم هو التخلص من تلك التي تتحيز بالمشاعر والعواطف الشخصية والأيديولوجية، واللجوء إلى تلك التي تضع الحقائق بطريقة علمية صحيحة. يجب كبح المشاعر والأفكار المؤدلجة والانفتاح على الطرق المعتدلة المتوازنة من المناهج والأفكار التي تجعل من الطريق معبّداً لكشف الحقائق.

العرب: كيف ترى إعادة إنتاج فكر بعينه أو مرحلة تاريخية؟

الماجدي: عن طريق الوسائل العلمية، ويمكن اعتماد التمحيص العقلي في مناقشة الأمور وفق طريقة الباحث الصحيحة ولامجال لغير ذلك، بدأ عصر العلوم الإنسانية المنضبطة وفق مناهج علمية رصينة ولا مجال للتراجع عنها لأنها تزداد دقة كلما مرّ الزمن، ومن العبث العودة إلى الوراء، لقد سبقتنا الشعوب المتحضرة في هذا المجال ويجب اللحاق بها قبل أن يفوتنا الزمن.

العرب: ما هي الملفات التي يجب علينا فتحها فيما يخص الأديان والبحث في أصلها؟

الماجدي: جميع الأديان يمكن معالجتها عن طريق مناهج علم الأديان وتاريخ الأديان، والمهم هو تحييد المقدّس وعدم جعله متحكماً في المعالجة، آن الأوان لوضع سرديات علمية في هذا المجال وانتهى زمن السرديات المؤدلجة والمتحيزة.

العرب: هل حدث وأن سيطرت عليك فكرة ما أو نص تأثرت به مما يدخل بشكل لاواع في عملك البحثي؟

الماجدي: هذا وارد، لكن مراجعته مطلوبة، ولا بد من تنظيف بحوثنا من أخطاء كهذه، لكنني لا بد من أن أنوه عن عدم وقوعي في شراك كهذه لأنني، منذ زمن بعيد، حرصت أن تكون طريقتي في المسار العلمي الصحيح.

العرب: أين يكمن الخلل فيما وصلنا إليه عربيا. ما هي الأسباب في رأيك؟

الماجدي: الخلل كبير جداً، ويكمن في استسلامنا للمرويات التاريخية والمقدسة والتي يجب أن يعاد النظر فيها. والأسباب واضحة وتكمن في تأخرنا في هذا المجال بسبب هيمنة الخطاب الديني على العلوم الإنسانية التي كان من المفترض أن تكون نوعية متخلصة من أخطاء كهذه.

العرب: “العصر الهلنستي من وجهة نظري هو أهم عصور التاريخ الجديرة بالبحث، ففرط ما أهمل وما جرت عليه من تشويهات”، هذا ما قلته في كتابك “الحلقة المفقودة بين أديان التعدد والتوحيد“. نحتاج إلى توضيح أكبر منك؟

الماجدي: هو عصر في غاية الأهمية لأنه كان حاضنة لظهور الأديان التوحيدية الظاهرية، وكذلك الأديان التوحيدية الباطنية، ولذلك لا بد من ربط الأحداث والمعتقدات التي ظهرت فيه بدقة علمية صحيحة. موضع الخطأ في هذا المجال هو أننا اعتبرنا العصر الهلنستي مدغما ومنسجما مع العصر الهليني الإغريقي، لكن الحقيقة تقول إنه عصر آخر يختلف في تكوينه وآلياته لأنه حاصل جمع الثقافتين الهلينية والشرقية، بينما العصر الإغريقي هو عصر غربي قديم حصل في بلاد اليونان فقط.

العرب: “المرويات الدينية تتحدث عن أحداث تاريخية دون أي دليل آثاري واحد تم العثور عليه واكتشافه”، هل يعني هذا أن الكثير مما ورد في الكتب الدينية أو ما يعرض على أنه مقدس قد يكون مجرد خرافة أو وهم وهذا يفتح باب التشكيك لدى الكثيرين؟

الماجدي: لا بد من الشك كطريقة للوصول إلى اليقين، ودون هذا سنقبع داخل دائرة اقترحها لنا المتحيزون عقائديا في ترسيخ سرديات وهمية خاطئة.

لو أننا وضعنا المرويات المقدسة في مكانها الديني الصحيح كنصوص للاعتبار والعظة وليس كحقائق مطلقة لوصلنا إلى نتائج صحيحة، لكن المشكلة تكمن دائماً في نظرتنا للنصوص المقدسة على أنها نصوص في العلوم الطبيعية والإنسانية، وهو ما فتح علينا فكرة الإعجاز العلمي فيها وهي ليست كذلك.

العرب: ماذا عن الوضع المزري لفروع علم الأديان في جامعاتنا العربية وهل تعتقد أن هناك قرارا ما بمنع تدريس أبحاثه فيها؟ وما هي طبيعة هذا القرار أو التعتيم على دراسات علم تاريخ الأديان؟ هل هو قرار ديني أم قرار سياسي؟ وهل هو قرار حكومة أم قرار مجتمع؟

الماجدي: هو قرار صنعه دهاقنة الأديان وصدّروه لنا من الماضي، وقد رسّخته النُخب الخانعة والمجتمعات الراضية به، حصل هذا قبل ظهور المناهج العلمية في حقلي التاريخ والأديان، وقد آن الأوان لإعادة النظر فيه وعرض النتائج المترتبة على ذلك.

هو قرار مسكوت عنه لأنه نابع من الخوف المقدّس وتدعمه حجج الحفاظ على الدين والعقيدة والأمة وغيرها، بينما العكس هو الصحيح والذي يكمن في أن الإيمان سيكون أفضل وأقوى لو أنه بُني على أساس العلم والمعرفة الصحيحة.

العرب: أريد أن أسألك حول الملوك العشرة السومريين الذين قارنت بينهم وبين الآباء البطاركة التوراتيين، قبل الطوفان، ما دلالات ذلك فيما يتعلق بطبيعة الميثولوجيا التوراتية كسردية قومية للعبرانيين؟

الماجدي: التوراة تعج بالأساطير التاريخية، وقد كشفها وأزاح الستار عنها علماء غربيون أفذاذ، وما قمت به هو تطبيق لمنهج علمي، وقد ساهمت هذه الفرضية في خلخلة العقول السلفية وإعادة فتح ملفات الماضي القصي ووضعه موضع النقاش.

الإسلاميون، اليوم، أكثر توراتية من اليهود أنفسهم، فقد تخلت المجتمعات اليهودية الحديثة عن هذه السرديات وساهم بعض علمائها في وضع سردية آثارية واقعية، لكن كهنة الأديان لا يقبلون بذلك لأن الأمر سيضع الأديان الإبراهيمية كلّها في حرج كبير.

وأنا أرى العكس في ذلك حين أسلط الضوء على المصادر الأقدم لمقولات وسرديات توراتية، وهو ما سيجعلنا في موضع فك الاشتباك والتداخل، ويضعنا في طريق الفهم العلمي السليم، وهو ما أشرت إليه في جوابي السابق حول وضع الإيمان على أسس سليمة وليس على أسس أخرى.

الحوار منقول بموافقة الدكتور  خزعل الماجدي عن   موقع العرب *-

شارك مع أصدقائك