يسري الفخراني
لن تعرف صلاح السعدني إلا إذا جلست بالقرب منه تشرب الشاي وتسمع حكاياته الجميلة بطريقة كلامه البسيطة التي يخلط فيها العامية المصرية بالفصحي ويأخذك إلي ألف ليلة وليلة من حواديت العظماء .
وسوف تتأكد حينها أن عظيما يتحدث عن عظماء بحب وغرام وفخر ، أولهم مؤكد أستاذه المغرد منفردا محمود السعدني ، الفيلسوف الساخر ، وليس أخرهم نجيب محفوظ ويوسف إدريس وزكي نجيب محمود وإبراهيم نافع وعادل إمام وسعيد صالح ، إلي أسماء لا يمكن حصرها في كتاب كبير عن رموز مصر التي عرفها وقابلها وأحبها وفُتن بها وفُتنت به .
صلاح السعدني سيرة حياة لا تُكرر ، هو خلاصة الخلاصة لمصر الجميلة التي تشم منها دكاكين العطارين في الجمالية ودقدقة النحاسين في حواريها القديمة ، هو قطعة الأرابيسك الأصلية التي صُنع منها مآذن ومشربيات ومرايات قهوة الفيشاوي .
عرفت الأستاذ صلاح السعدني في بداية التسعينيات ، وعرفته أهم مثقف حُر وحقيقي ، يجلس وينام ويصحو علي كنبته الاثيرة في بيته الصغير في وسط البلد ، محاطا بعشرات الكتب وعشرات الأصدقاء الذين يعرف قيمتهم ويعرفون قامته . لسانه السهل لا يدعي مالم يعرف ولا يحكي مالا يحب ، وقد تعلمت منه وعشت زمنا لم أعشه ، وهو مغرم بالتاريخ والناس والطعام والنوم والسهر والحب والحياة ، لم تكسره سنوات الفقر ولم تفقده الأمل سنوات الصعلكة والمعيشة بدون عمل ثمنا دفعه لاسم السعدني ، متزنا حكيما ، يقتحمك يفكر معك ويفكر لك ، غايته أن يعيش بسيطا دون صراعات نجومية زائفة وزائلة ، هو يمثل وفقط ، يمثل مايحب ، وهو أعجب ممثل يمكن أن تراه أمام الكاميرا أو فوق خشبة المسرح ، لا خائف ولا متوتر ولا حالم ، هو يمثل في اللحظة التي ينطق فيها المخرج أكشن أو يرفع فيها الستار عن الجمهور ، كأنه في حلم خاص به أو رحلة مبهجة مع أعز أصحابه .
دُرة أعماله مؤكد هو حسن أرابيسك ، وأشهرها العمدة سليمان غانم ، وأحبها إلي قلبه دوره مع المخرج عاطف الطيب في فيلم ملف في الآداب ، وحضوره الطاغي في فيلم الرصـ ـاصة لا تزال في جيبي .
مر وقت طويل دون أن أجلس إلي عم صلاح السعدني ، إنني أفتقد حكاياته وطيبة قلبه وجلساته التي لا تنسي ، فنان الشعب الذي ذاب حبا في بلده حتي رحيله دون مقابل .
أسعدت وعلمت وأمتعت أجيالا ياعم صلاح ..
رحمك الله تعالى