بشائر الشرّاد
الصورة لغة العين ، بغض النظر عن وصف الاثنوجرافيا وتصنيفها الجمال وفق مظاهر مادية للناس وثقافاتهم ومعتقداتهم .. لكل عين مشاهد ، ولكل أذن لغة وللأنف رائحة يسحر بها وتنقله بين الزمان والمكان، ولكل لسان ذوق يستلذ به، وحده العقل له غبار الذكريات.. على ما يبدو ان كل ما يسري فينا ويثير حب الحياة والتعلق بها جميلا فهو أما أن ندركه أو يفنى وينفي معه الجمال.. !! الكلاسيكيون اعتبروا الجمال جوهر الواقع بمعنى تطابق كامل للجوهر مع الشكل، ونظر الرومانتيكيون “الرومانسيون” إليه باعتباره تجلي الذي يمنحنا لذة ومتعة الشعور بالأشياء . أما الطبيعيون فاكتشفوه في التوافق البارع مع الطبيعة، واعتبره الواقعيون موجودا في الوعي الذي يدرك الجمال نفسه .. توما الأكويني يرى الجمال “على انه كل ما يسر الحواس ويمتع العقل” هكذا قال السفسطائيون (هم معلمو اليونان في القرنين الرابع والخامس ق.م الذين تولوا بث الحكمة والتعليم وممارسة الفنون وحلوا مكان الشعراء والحكاؤون الذين كانوا هم قبل ذلك معلمي الكون، وكان ذلك حين لم يكن الدين تعليمياً بعد، والتعليم لا يزال غائباً، بما في ذلك الاعتماد على الكهنة الذين يقدمون الأضاحي ويرددون نبوءات العرافين مؤولين ما يفتي به هؤلاء) إنه لا يوجد شيء جميل بطبعه ، بل يتوقف الأمر علي الظروف وعلى أهواء الناس، فالإنسان مقياس كل شيء .. أما فيثاغورس فحاول علي أساس النظام والتماثل والسيمترية والانسجام، وربط سقراط الجمال بالخبرة، واعتبر أفلاطون صور للحق والخير والوجود ووفق لمبدأ الفرعوني الهرمي الكل في واحد : الجمال أصداء للدين والفن والخير والأدب .. إن هذا العالم مليء بالحروب والمشانق كيف له أن ينظر الى الطبيعة بجمال وهي تمتلئ بالتلوث والأنقاض؟؟ أجيال عديدة نشأت على حس تقليدي غير مرن لم ينمى لديهم هاجس الفن والجمال بشكل متوارث الا القليل ووفق المنطق تكون محاكاة الجمال لجيل متعب لم تتوفر لديه أدنى سبل المعيشة فنجد ان أخلاق الناس تحاكي الأفعال فضيلة أم رذيلة لا احد يبحث عن أسباب المعاناة الكامنة ، شعراءنا يتغنون بالحزن كقيمة للجمال ويرتدون حلة الهجاء لوصف من هم أسوء خلقا من سياسيين وحكام وفاسدين ويطربون للأفضل وفق الضرورة .. وهنا تعرف الأنثروبولوجيا الثقافة هي ذلك المركب الذي يشتمل على المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات، وأي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان بصفته عضو في المجتمع وفهمه لتغير مجريات الاحداث والصراعات، أي أنها تتناول طريقة معيشة مجتمع ما، سواء أكان ذلك المجتمع بدائي أو متخلف أو نامي أو متقدم ثم يتصرف وفق عاداته وسلوكه .. بشكل عام الجمال كما أتصوره هو لغة الفهم للواقع ولغة فهم الانسان للإنسان الآخر كما هو بغض النظر عن جغرافيا الأمكنة، والفعل النبيل هو ما يحاكي الأصل الثابت، تحاكي الرحمة الخوف، واستجابة الفرد للجمال ضمنيا كإنسان مدرك للخبرات والذكريات والاتجاهات الشعورية والميول والاحتياجات البشرية، والرواسب الفكرية والإنسان النبيل العاقل يميز بين الجيد والسيء _ الصالح والطالح!! ويسمو بالجمال ( الشاعر ـ المصور- الفنان – الموسيقي – الرسام …) فيحول قبح وبشاعة الواقع أو حتمية الجمال الى صور وأناشيد ولحن وشكل أجمل وفق ما يرغب وما يتوقع.. القيمة الحقيقية للإنسان ليست تميمة تعلق في عنقه أو تراتيل تتلى عند الحرب الجمال في برد الوجوه معطفا ، ومن كان يعتقد انه لذو شأن من الجمال ومنزلة رفيعة فإنه يكرم لا يظلم ويرسخ حسن الخلق والخير ويتركه ينعكس على ظاهره .