حاوره
أحمد طايل
مصر
للعراق مكانة كبيرة فى عالم الثقافة عربيا ولن أبالغ إن قلت أنها تجاوزت الحدود الإقليمية ويوجد لها تواجد قوي في بلدان كثيرة، والثقافة العراقية تتميز بمصداقية كبيرة ومواجهة الواقع الراهن بكل تفاصيلة دون أى محاذير أو إضاءات حمراء، تجد الكثير يتلهف وينتظر بشغف الإصدارات العراقية فى شتى أنواع الكتابة، لقاء اليوم مع الكاتب العراقى القاص ووالروائى والناقد ( سعيد سعد).
===========
–
- نريد منك مصاحبتنا برحلة تجوالية حول حياتك الخاصّة والمهنية والإبداعية؟
لا شيء متميز في حياتي الخاصّة، مجرّد إنسان عادي، ولدت في مدينة خانقين الكائنة في محافظة ديالى عام 1957، وانتقلنا إلى بغداد في بداية السبعينات، حيث أنهيت دراستي المتوسطة والإعدادية، وأكملت دراستي الجامعية في الجامعة المستنصرية عام 1978، لألتحق بالجيش، حيث بقيت في حتى عام 1989 بسبب الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت عام 1980.
كانت الكتابة إحدى هواياتي منذ صغري، وكانت لي محاولات كتابية في شتى أنواع الكتابة، حتى استقرّيت على الرواية، لتصدر لي روايتي الأولى (الدومينو) عام 2007 في دمشق.
– ماذا عن الأسرة والبيئة التى نشأت وعشت بها لسنوات، ومدى تأثيرها على تكوينك الفكري؟
يتمثّل حظي السعيد في أنّني ولدت في أسرة تقرأ، إذ فتحت عيني على الدنيا في بيت مليء بالكتب والمجلّات، ولذلك أصبحت القراءة أهمّ هواياتي، بل لعلّها هوايتي الوحيدة، وهذا ما مهّد لي طريق الكتابة فيما بعد كما أعتقد.
– ما الكتاب الأوّل الذى قرأته وجعلك تحلم بأن تكون كاتبًا؟ ومازلت تتحفظ به وتعود إليه؟
من يستطيع أن يتذكّر أوّل كتاب قرأه، فقد مرّ على ذلك أكثر من نصف قرن، ولكنّني، وكما هي العادة، بدأت أوّلًا بقراءة مجلّات القصص المصوّرة، مثل سوبرمان وميكي والوطواط وسمير وبساط الريح وغيرهنّ الكثير، كما مررت بروايات الفتيان ومغامراتهم التي كانت تأتينا من مصر، ولا أتذكّر متى انتقلت إلى قراءة روايات أرسين لوبين وقصص هيتشكوك وشارلوك هولمز ومغامرات روبن هود قبل أن أنتقل إلى روايات الألكسندرين توماس، وممّا أتذكّره هو بدئي مع الروايات الأكثير جدّية حوالي الخامسة عشر من عمري، وكان من حظّي أن أجد روايات نجيب محفوظ أمامي، لأنطلق منها إلى الروايات العالمية، ولم أبلغ العشرين من عمري إلّا وكنت قد قرأت عددًا كبيرًا منها لكُتّاب كثيرين، منهم دوستويفسكي وتولستوي وهمنغواي ومارك توين وديكنز، وذاكرتي لا يمكنها الآن أن تستعيد أسماءهم كلّهم.
هل تتذكّر اللحظات الأولى التى أمسكت بالقلم وخطّطت ما يشبه الأقصوصة أو الخاطرة؟ وهل واتتك الجرأة لتقرأها على أحد؟ وما ردّ الفعل؟
أتذكر جيّدًا وأنا بعمر التاسعة، أيام كنت أنتظر بلهفة مجلة ميكي لتصل إلى مدينتنا الصغيرة لألتهمها قراءة بنظري من الغلاف إلى الغلاف، كانت تتضمّن قصة للعدد يكتبها الأطفال، فقرّرت حينها أن أكتب قصّة لأشارك بها، وحين حاول أخي الأكبر أن يساعدني بها، رفضت، لأنّني كنت أريدها بجهدي الخاصّ، وبالفعل أكملتها وأرسلتها، وقد مرت الشهور بعدها حتى كدت أنساها، فاذا برسالة تصلني من السيدة عفت ناصر رئيسة تحرير المجلة في حينها تشكرني فيها على محاولتي، وهذا يعني أنّها لن تنشر، ولكنّني لم أشعر بالإحباط، فقد بدا لي ذلك المظروف الأبيض، وعليه صورة ميكي بالأحمر، ومعه الورقة التي تحمل الصورة نفسها أفضل هدية يمكن أن أستلمها.
– التعليم وصقله لثقافتك وأخذك لطريق الإبداع؟
جيلنا كان مسؤولًا عن ثقافته بسبب قراءاتنا المستمرّة منذ الطفولة، ولا أعتقد بأنّ للتعليم دورًا في تمكّني من الكتابة، حتى إنني خرّيج كلية الإدارة والاقتصاد البعيد جدًّا عن الأدب والكتابة، ولكن هذا لا يمنعني من توجيه أسمى آيات التقدير والاحترام للمعلمين الذين مرّوا بحياتي، ولا يمكنني أن أنكر فضلهم عليّ في أن أكون أنا الآن.
كيف كانت بدايتك مع الكتابة بشكل شبه احترافي؟ وهل كانت البدايات محفّزة ومشجّعة على الاستمرار؟
أنا لم أحترف لحدّ هذه اللحظة، ولا أعتقد بأنّني سأفعل، فما زلت أكتب بعيدًا عن دور النشر التي لا أحتاجها إلّا في لحظة النشر، أمّا عن البدايات، فبالطبع لم تكن هيّنة، ولكن ولعي الشديد بهذا العالم الرائع ساعدني بالاستمرار ومتابعة هذا الطريق المتعب.
– ما عملك الأوّل، ووقعه على الصحافة الأدبية والمثقّفين والنقّاد؟
عملي الأوّل كان رواية الدومينو التي نشرت في عام 2007 بدمشق، وحسب رأيي أنّها لم تتلقَّ الاهتمام الكافي من القرّاء، ولا تناولها النقّاد بشكل جدّي، ومع ذلك فقد كنت شخصيًا مؤمنًا بها، لأنّ رهاني مع نفسي كان قبل أن أبدأ بكتابتها هو: هل أستطيع أن أكتبها كما أتخيلها ووفق فكرتي الخاصّة عن الرواية، وهو ما نجحت به وفق تقديري، فكان هذا هو السبب في قراري بالاستمرار.
– ماذا عن طقوسك بالكتابة؟
لا طقوس محدّدة عندي، فأنا لا أمتلك ككاتب شرقي رفاهية الطقوس، ولا يهمّني هذا، أفليس أمرًا جيّدًا أن أستطيع الكتابة في الظروف الذي نعيشها بمجتمعاتنا؟!
س- حال الجلوس للكتابة، ما الأهداف والرسائل التى تصبو إليها من كتاباتك لتصل للقارئ والناقد والمثقّف؟
هذا سؤال يحتاج إلى صفحات عديدة، ووقت طويل، للإجابة عنه، ولكن باختصار، الذي يهمّني في الكتابة هو إثارة الأسئلة عن عيوب المجتمع وثغراته، وتكون أسطري مليئة بالرسائل المضمرة التي تحتاج إلى قارئ ذكي يعيها ليذهب ويبحث عن الأجوبة التي أثيرها بنصوصي.
– ماذا عن دور النقد بحياتك، هل وجدت من يؤمن بموهبتك وقدرتك الإبداعية؟
من المؤكّد أنّني قد امتلكت الكثيرين ممن يؤمنون بي، وليس من الضروري أن يكونوا من النقّاد، فأنا لا أكتب لهم، بل للقراء، والشباب منهم تحديدًا.
– كيف ترى المشهد النقدى بوقتنا الراهن؟
حال النقد عندنا كعرب لا يسرّ، بعض الأسماء الكبيرة فحسب، ولكن بلا نتاج فعلي أو أثر في الأدب العالمي، وهذا لا يتعلّق بالحاضر الراهن فحسب، بل أنا أعتقد بأنّ هذا هو الحال منذ البداية، والذي يقول بأنّ ظاهرة نجيب محفوظ مثلًا كانت نتاجًا لحركة نقدية عربية رصينة، لا يفهم بعالم الرواية شيئًا.
– ما رؤيتك للمشهد الثقافى العراقى والعربى والعالمي؟ وما سبب اتّساع الفجوة بين ثقافتنا العربية والغربية؟
أرى بأنّ هذا أمر طبيعي جدًّا، فقدر التابع ألا يساوي المتبوع، ولا أمل له بأن يلحق به يومًا، الثقافة الغربية ثقافة منتجة، والثقافة العربية ثقافة مستهلكة، تنتظر الترجمات لتضيف إلى نفسها، قد لا تفيدها، لأنّها إنتاج مجتمع مغاير، والأسوأ أنّها قد لا تفهمها أساسًا بفعل سوء الترجمة في أحيان كثيرة.
باختصار، لن تكون لنا ثقاقة خاصّة بنا، حتى نفكّر لأنفسنا.
– ما تأثيرات النشر الالكتروني على الواقع الثقافى؟
سؤال آخر يحتاج إلى استفاضة، مع ذلك، الأكيد هو أنّ له تأثيره، ولكن تفصيل ذلك هنا غير ممكن، وبكلّ الأحوال فالسنوات المقبلة حبلى بظواهر جديدة، لننتظرها ونرى.
– لمن تكتب؟ لك؟ ام عنك؟ أم عن الآخر؟
لا أفكر بالكتابة عنّي، ولا أحتاج، ولا عن الآخر، بل له، فالذي يهمّني هو أن يكون الآخرون بخير، وهذا يعني سعادة المجتمع الذي هم همّي الأكبر.
– ما مدى الحلم عندك إنسانيًا وابداعيًا؟
أحلامي كبيرة، ووسعها وسع الحياة نفسها، أو ما تبقّى منها، ولكن ليس كلّ ما يتمنّى المرء يدركه، وأنا مقتنع بهذا من أجل سلامي النفسي.
– لمن تقرأ وتبحث عن كتاباته؟
أنا قاريء روايات، ولا أهتم للأسماء، ولكن هذا لا يعني أنّني أريد أن أنكر فضل أيّ روائي سبق أن قرأت له وأعجبني، وهؤلاء كثيرون، ومن ضمنهم دوستويفسكي ومحفوظ همنغواي وتوين ومورافيا وغيرهم، أما الآن فكلّ رواية واعدة بمتعة هي هدفي، ولذلك أنا مولع بالفترة الأخيرة بالرواية في أمريكا اللاتينية، فهي رواية مذهلة بحقّ، وهي ما أبحث عنه مؤخّرًا.
– من يخدم الآخر، السياسة أم الثقافة؟ وهل تسييس الثقافة أمر إيجابي أم سلبى؟
المفروض هو أن تخدم السياسةُ الثقافةَ، إن كانت سياسة واعية وتهدف إلى غايات نبيلة، ولكن على أرض الواقع نرى العكس تمامًا، مع أنّ الثقافة حين تخدم السياسة فإنّها تفقد شرعيتها ونبلها وطبعًا هذا أمر سلبي.
– ما رأيكم بالجوائز الأدبية، هل هى عادلة ومستحقة؟
للجوائز الأدبية أهداف آيديولوجية حتمًا، تبعًا لأغراض موجديها، ولذلك لا يمكنها أبدًا أن تكون عادلة، وليس شرطًا أن تذهب إلى مستحقيها.
– متى تتوقّف عن الكتابة؟
حين أموت، أو أفقد القدرة على الإمساك بالقلم.
– مشروع كتابى تتمنّى أن تنجزة؟
لا مشروع عندي غير أن أكتب الرواية التي أحلم بها، وهو ما لم أستطع أن أحقّقه لحدّ الآن.
كلمة منك إلى:
سعيد سعد: لا تتقاعس.
المؤسسات الثقافية: لا تكوني في خدمة السياسة.
الإعلام الثقافي: ما زلت بعيدًا عن المطلوب منك.
دور النشر: اتّقوا الله.
النقّاد: صباح الخير!