الورقة الأخيرة

شارك مع أصدقائك

Loading

فوز حمزة

فتحت الباب وألقيت بنفسي داخل سيارة الأجرة. لم تصدر مني غير كلمة واحدة وجهتها للسائق: إلى البحر. الجو الخانق وضجيج السيارات ووجوه الناس القلقة المتعبة، كل ذلك دعوني لأبحث عن متنفس آخر. لم أجد أفضل منه وهاهو أمامي، كبيرًا عظيمًا. أيّة راحة تهبط عليَّ عندما أكون قربه، نسمات عذبة تداعب خصلات شعري وكأنها تهمس في أذني. بينما أنا هكذا فاذا بقدمي ترتطم بحزمة أوراق موضوعة داخل ملف أخضر. تلفت حولي لعليّ أجد أحدًا، لا أحد، الفضول دعاني لأفتح الحزمة وأبدأ بقراءة الأوراق. الورقة الأولى: اليوم قررت أخباره بأني راحلة، نعم اليوم، لم أعد أطيق صبرًا. مضت خمس سنوات، لا لم تمضِ، بل سُرقت مني، الوضع لم يعد يحتمل، لا يتطلب الأمر مني سوى كلمة واحدة وتنتهي عذاباتي، نعم اليوم سأخبره. الورقة الثانية: لم أستطع مصارحته، الكلمات ماتت على لساني قبل رؤيتها النور، بقربه أمسي كالعبد الأسير في حضرة سيده، الخوف يكبلني. اليوم قررت، كلمتان فقط: أنا راحلة، اليوم وليس غدًا. الورقة الثالثة: اليوم وصل متاخرًا. الساعة تجاوزت منتصف الليل. الوقت غير مناسب لهكذا حديث. سأخبره غدًا وليس اليوم. الورقة الرابعة: عندما أقدم له فنجان الشاي، سأخبره كل شيء، سأقول له: لم أعد أطيقك، لم أشعر بالسعادة يومًا معكَ، أنت رجل أناني، لا تحسن الاهتمام بغير نفسك، لا تعرف معنى الحب، إنسان متحجر القلب والمشاعر! سأخبره ذلك، أين هو؟ لا أجده في البيت. لا بأس، سأخبره غدًا وليس اليوم. الورقة الخامسة: أشعر بالمرض، لا قدرة ليّ على فعل أيُّ شي، لن أكلمه اليوم، بل غدًا. الورقة السادسة والستون: لدينا ضيوف اليوم، الوقت غير مناسب للحديث، ليس اليوم، غدًا ساكلمه. الورقة التاسعة بعد المائة: ذهب اليوم في رحلة صيد مع أصدقائه، حسنًا، ساكلمه غدًا ربما وليس اليوم. مضت ساعة ونصف وأنا أقرأ في الأوراق. بحثت عن الورقة الأخيرة .. لم أجدها!

شارك مع أصدقائك