حاوره أحمد طايل…مصر
كنت أتحدث مع صديقى المذيع السودانى(مجاهد العجب، تشعب بيننا الحديث حول الكتابات السودانية، حينها أخبرنى ان هناك شاعر سودانى، فائز بجائزة (الطيب صالح)بالشعر، عن ديوانه ( أناشيد الأسئلة)، وأضاف أيضا أنه فاز بجائزة الشعر الإفريقي، عن ديوانه (نداء الأجنحة)، فحرك بداخلى دافع الحوار، تواصلت معه، وكان هذا حوارى معه، مع الشاعر السودانى(محمد نجيب محمد على).
*افتح كراسة التعريف بك .انسانيا وابداعيا .واصدارات ؟
-أظن أن قلبي تعثر فى شاطيء الرؤيا ،فوقعت روحي على أمواج الكلام .فأصبحت شاعرا أو فلنقل نصف مجنون بعقل كامل ويجوز العكس أيضا ، إختلف أبي وجدي فى تسميتي ،أبي قال صابر وجدي قال محمد نجيب ..وفاز جدي يومها ولكن صابر لم يغادرني فى إجتمال هذه الحياة المتوحشة والاليفة والموحشة .عموما قالوا أن امي ولدتني بآلاف الصرخات فأورثتني صوتها ..أنا أحيا بصوت أمي .فى طفولتي الأولى جاءت غربتي بكل زينتها لتزفني لاعراس الكلام ،كنت مهووسا بما يتذوقه لساني واصابعي،كنت احاول ان افعل أشياء لا أعرفها ولا تعرفني ..متعة الحياة الغائبة ..الظل الثالث ..حاولت القصة والمسرحية ثم القصيدة ثم وثم ..وكنت أمارس مغازلة الألوان أيضا، واخذتنى الصحافة أسرار النميمة وخبايا الإسرار.. حين رأيت ارنبة انفي تمشي أمامي.. انا مغرم بالمغامرات،ومغامر بما أغرم به .كتبت فى كل شيء ..وكتبني كل شيء .لا أظنني استطيع الخروج من هذا الجنون العجيب فوضى الكتابة وترتيبها ..الشعراء يمارسون التخريب املأ فى إحياء ألعالم. صدرت لى مجموعات شعرية ،ضد الإحباط. نداء الاجنحة .دم العاصفة .الزا وذاكرة المدينة .أناشيد الأسئلة. تعاويذ على شرفات الليل ..قادتني بعض هذه الإصدارات إلى منصات الجوائز .جائزة الطيب صالح العالمية وجائزة الكتاب الافريقيين باوا فى مجال القصيدة العربية .ربما يوما انال جائزة لم يعلن عنها بعد .وصدرت لي أيضا حوارات فى تدابير الراهن الثقافى من جزئين وهما محاولة لرؤية العالم فى إطاره الداخلي ..بين جنون الكتابة وشوارعها ..اظننى فعلت شيئا ما ..ولن يقول لي أحد حتى انت يا بروتس ..احاول الآن ومنذ أعوام لا أعرف عددها ..كتابة روايتي الأولى..اعتقد انها ستكون مفاجأة ..هكذا قرأتها ولم أكمل كتابتها بعد.
* ما تأثير البيئة والزمان والمكان على كتاباتك
ليست البيئة وحدها بمكانها وزمانها هي التي تشكل تأثيرها على الكاتب ،العالم لا ينتهي فى الضفة الأخرى من النهر ،لابد أن هنالك عوالم وشوارع أخرى توجد فى جهة ما ..اعني ان هنالك أيضا مكانا آخر وزمانا آخر .لكن هذا لا ينفي أن خطواتنا ترسم ظلالها أينما تسير .الكاتب وحده من يدرك كيف هذه الظلال ،بألوانها وأبعادها. هي أسرار الروح التى تعربد فى حنايا الحروف وتشكل علامات نحوها وفق الرؤيا والحلم .نحن يا صديقي نبحث عن الجنة المفقودة فى أرض الله ،فى جهة ما ،وزمان ما ، ربما سيأتي او مضى .هذه الحياة سر كبير تحتاج لمعارك ضخمة ولا تحتاج لضحايا …تحتاج لازمنة وامكنة لبيئات تناطح فيها الجبال الاودية وتشعل الكواكب الأرضية اعراسها.. الكاتب يا سيدي لا يكتفي بذاكرة واحدة لابد من تعدد الذواكر والشرائح والعيون ..هكذا تعلمت من الفلسفة التى درستها فى الجامعة .
* حدثنا عن خطواتك الأولى بعالم الشعر ؟
– أصابتني عين لا أدري أكانت عين ملاك أم شيطان ؟ أظنني لم أجد فى طفولتي ما يعجبني ،فاخترت عزلتي الأولى وانا لم أبلغ التاسعة من عمري ، كنت حينها شافعا يخترع( اللعبات ) لزملائه من الشفع، وكنت لصا ماهرا فى سرقة أقلام الألوان وكتب القصص المصورة . لا أدري لماذا كان يعجبني اللون الازرق دون كل الالوان ..لا أدري!! كنت حينها أحس بأنني طفل آخر ، لم أكن أليفا، كانت تنتابني رغبات جموحة، تنادي علي لاكتشاف مالم يكتشفه كولومبس، حاولت ذات مرة أن افعل ذلك بالهروب على ظهر دراجة بائسة لأدور بها حول العالم ولكن أبي إصطادني واعادني حسيرا للبيت . وحاولت مرة أخرى وثالثة ورابعة ولم يصيبني الإعياء ..ورغم ذلك لم أتمكن . تلك ملامح من خطواتي الأولى،علاقتي بالكلام والصمت ،لم أكن أعرف كيف تكتب القصيدة او ماهي القصيدة ..لكنني كنت اكتبها وكان أساتذتي بالمدرسة يقولون أنني اعرف ..وأنني شاعر وأنني وأنني… كنت اضحك حتى الآخر ..وأصرخ حتى وحتى … فى ظني دائما أن الشعراء يولدون شعراء …يولدون بجينات جنون وتمرد لا يدركها الآباء ولكن تدركها الأمهات.. امي عليها الرحمة والرضوان كانت تدرك كل شىء …كانت تحجيني بقصص وقصائد ..عرفت منها الغول وفاطمة السمحة ..ويا طالع الشجرة ..كم كانت أمى رائعة ورائعة ..اشك فى أنها كانت شاعرة ..كانت وحدها تصدق جنوني وتراني عاقلا جدا ..عكس ما كان يعتقد أبي. هكذا بدأت خطواتي الأولى وهكذا وجدت نفسي ..وهكذا أصدرت ديواني الأول(تعاويذ على شرفات الليل ) وانا طالب بالسنة الأولى بالثانوى.
* لماذا كان اختيارك الشعر ؟
– وهل كان إختبارا؟ لا يا صاحبي ،كان شيئا مني ، زملني ودثرني واصابني بكل ما اصابني،من الفقر والجوع والحب والغناء وجعلني شهيدا وشريدا ومواطنا صالحا …حين تحرك صوتي بالكلام لم أكن أعرف ماذا اقول ،وحين تحركت يدي بالكتابة كنت اسمع أصوات الحروف ،واراها تقاتل وتطارد، وتعزف الحانها …هل تعرف كم فتاة عشقها قلبي الوحيد ..؟وكم رسالة حب لونت بها سماء هذا العالم ؟ لقد كنت شقيا ولا أزال…ورغم كل جراح الفوضى التي احملها إلا أنني مرتب ومنظم جدا ..اخلق لحيتى يوميا وارتدي عمامتي كلما هممت بالذهاب إلى مناسبة زواج او تعزية وطنية … أقول لك الحق ..الشعر هو من إختارني ولم يترك لي سانحة للرد او الهروب ..هو من يكتبني ويفعل بي ما لا يصدقه أحد إلا أنا ..لقد كنت ذات يوم احد الاغنياء فى بلادي ..فأصبحت بالشعر أحد افقر الفقراء ..ولله الحمد لو لم أصبح أحد الفقراء لما كنت الشاعر الذى أصبحته الآن…ولو لم أكن أحد الأشقياء أيضا لما كنت من الشعراء الشعراء ..ولله الحمد بكرة واصيلا.
* هل الطبيعة السودانية وعاداتها كان لها وجود قوى بكتاباتك ؟
– دون شك أخي ،الطبيعة مبعث الهام ،هى نافذة تنظر من خلالها الروح وتبحر فى سمائها وارضها ،القمر الذى يضيء فى السماء يرمي ضوءه وحسنه علينا ويمنحنا متعة ان نقول للحبيبة يا قمر ..وذاك النيل سلسبيل الحياة الذى يسقي الناس والزرع والضرع يمنحنا السكينة والأمان..منذ أمد بعيد .. يوما كنا نختار أجمل بناتنا لتكون عروسا له ..إيه يا زمان…اما تلك الجبال ..التى تعانق الخضرة والشلالات والقمح والسمسم ..وتلون قممها فى جبل مرة فهى الملهمة التي يبحث كل شعراء السودان عن أحضانها وعيونها ..وانا من أولئك الشعراء ..كم كم تغزلنا فى بهائها ونقائها وجمالها وروعتها …الطبيعة السودانية تحرسها سيرة التاريخ المضىء ..جبال كررى والطوابي وبوابة عبد القيوم وقبة المهدي وبيت الازهرى وسيرة على عبد اللطيف ..والاهرامات فى مروى ..ويعانخي وترهاقا ومهيرة بت عبود …و…و…الم يقول العلماء مؤخرا أن أصل السلالات الإنسانية كلها جاءت من السودان …السودان هو أم العالم …الا يستحق كل هذا الجمال ان يكون له وجود فى حبرنا ودمنا وحروفنا..اما عاداتنا وارثنا الشعبي والوطني والإنساني واحلامنا وتفاصيل ايامنا هى المنبع الذي ننهل منه ..احسبني شربت كثيرا وطويلا من الطبيعة والعادات النبيلة ولونت سماءها ونجومها باغنيات القلب واشواق الأمواج للسواحل ..ولاحلام حبيبتى فى يوم زفافها..السودان هو متعة الحياة وبهجتها..هو انهار القصائد التى لا تكف عن الجريان.
حدثنا عن لقائك الأول مع جمهور المتلقين ؟
تعيدنى بسؤالك هذا إلى زمان ولى وهرب ولن يعود ،حين كنت طفلا شرسا مشاغبا، تلميذا فى المدرسة الوسطى ما يسمونه الآن بالثانوية العامة . كانت حينها ليلات الجمعية الأدبية زاخرة تحت ضوء القمر ..لم نكن حينها نملك كهرباء او إنارة ..لكنا كنا نملك حماسا فاجرا واحلاما لا تحدها الشواطىء. كان جمهوري زملائي من تلاميذ المدرسة ..أولئك الذين يعرفون متى يضحكون عليك ومتى يبكون معك . نلت منهم الكثير من التصفيق والضحك وانا اعتلى إحدى الترابيز المدرسية لالقي عليهم ما ابدعته من حروف لم يقلها عنترة او النابغة الذبياني او أبى فراس ..كانوا يصدقون أنني شاعر لا يجارى أما انا فكنت لا أصدق .. ذلك كان اول لقاء لى مع جمهوري المدرسي والذى لو لاه لما عرفني أحد ولما أجريت معي هذا الحوار الآن.
* النقد هل استقبلتك رياحه بترحاب أم عانيت بعض الشىء وكيف تجاوزت هذا ؟
– البدايات عادة لا تكون سهلة ،ربما كان النشر اول الأمر قاسيا إذ أن الجيل الذى سبقنا كان يسيطر على المنابر والملفات الثقافية الخ .. ونحن جئنا برؤى مغايرة كنا نأمل فى تجاوز ماهو كائن ..كنا نرى أن علينا أن لا نكتب إلا من واقع تجربة نعيشها فعلا ، انا من جيل السبعينات ..ذلك الجيل المتمرد والذى كان يحلم ويعمل لتغيير كل شيء ..كان يبحث عن بصمة خاصة ..لذا لم يجد هذا الجيل فى بداية الأمر الترحيب من الجيل السابق او من النقاد الذين كانوا بالساحة الثقافية . ولم يكن أمامنا سوى أن يخرج نقادنا من بيننا ..الشعراء منا يكتبون عن الشعراء والقصاصين عن القصاصين، الروائيين عن الروائيين وبهذا الشكل كنا تؤسس لرؤيتنا ولمشاريعنا الثقافية والإبداعية..واصبح من بعدها لجيل السبعينات بصمة واضحة فى الخارطة . بعد هذا لم يكن أمام النقاد والشعراء الذين سبقونا سوى الترحيب بنا والنظر إلى تجاربنا بجدية .. ربما اكون انا أحد الشعراء الذين وجدوا الكثير من المدح والكتابة عن نصوصى لذا اقيمت لتجربتى الأعراس..وهذا ما قادنى للفوز بجائزة الطيب صالح العالمية فى مجال الشعر والفوز أيضا بالجائزة الأولى لمسابقة الكتاب الافريقيين باوا ..واحمد الله على ذلك ..ولا أزال اعمل على ذات المشروع الذى بدأت به.
* الزمان والمكان مدى تأثرك بهما ؟
– فى اعتقادي دائما ان الحدث هو ما يكسب الزمان والمكان بعدا ومدى ،ويمنحهما أثرا فيما نكتب . لقاء الحبيبة مثلا .انفجار قنبلة او قبلة .لحظة هروب او خوف ومطاردة..اغنية فى المساء .وو… هنالك دوافع كثيرة تحفز الشاعر للكتابة ،من بينها الزمان والمكان .الكتابة تتشكل من بحور اسئلة واجوبة تبحر فيهما القصيدة . الشاعر بطبعه يحاول اكتشاف ما يراه وما لا يراه أيضا..ليس هنالك أجوبة نهائية ..القصيدة لا تفعل ذلك ..هنالك فقط اعتقاد ما ..تقف عليه الروح ..كل ذلك لا ينفصل عن المكان والزمان ..الذى يعيشهما الشاعر مثلا قصائدي التى كتبتها حين كنت اعيش فى الجزائر ليست هي قصائدي التي كتبتها حين كنت فى مصر ..وهي ليست القصائد التى كتبتها وانا فى الخرطوم …الشاعر لا يكتب قصيدة واحدة ليس هو مثل الروائي …ابدا ..الشاعر يعيش فى اكثر من زمان ومكان ..وهذا سر عذاباته ..وموته اليومي.
*من هم الشعراء الذين دفعوا بك إلى عشق الشعر ؟
– احسبني ولدت عاشقا ومعشوقا للقصيدة ، تغازلني واغازلها، نسهر معا ..نمشى معا نغني ونبكي،نراود انفسنا بحلم ان لا نفترق ابدا .ليس فى قاموسنا الهجر او الطلاق أو النشوز،شاء لى حظى الجميل ان يكون لي نصيب أكبر من الحب . حين وجدت أساتذتي فى المدرسة الثانوية العليا من الشعراء الكبار فى السودان . والكتاب ألكبار أيضا منهم محى الدين فارس .النور عثمان ابكر .ابراهيم إسحق. محمد سعد دياب .محمد محمد على .عبد الله الشيخ البشير .وآخرون .المبدعون الكبار فى بلادي اكثرهم يعملون بالتدريس بدءا من البروف العلامة عبد الله الطيب ..هم اقدر الأساتذة على توصيل المادة لتلاميذهم .لهم فى الشعر مآرب أخرى..حتى ليكاد الانسان ان يقول من ليس بشاعر لا يصلح فى التدريس .كنت أحبهم ويحبوني..يطربون لما اكتب واحفظ قصائدك وكانوا وكانوا ..والطيور مع أشكالها تحلق ..هؤلاء يا أخى دفعوا بي إلى عوالم كثيرة فى الحب والحياة ومغازلة البنات والشجر والنيل والثورة والجنون..لهم مني كل الحب.
* إلى أي سيكلوجيا كتابية شعرية تنتمي ؟
– أنا يا صاحبي خارج على كل مدارس الشعر وداخل فيها ..الدخول إلى الخارج ..القصيدة تختارني لوحدها ،كما تأتي ،حالما او مقاتلا او متوحشا او شريرا . ربما احب وألعن حبيبتى صباح مساء .ربما أغضب من ضفائرها..ربما ..او أصابعها..او او ..اظنني جربت كل شىء فى الشعر اعني شكل كتابة القصيدة . الناطق منها والصامت ..لقد كتبت القصيدة الصامته واعتليت المنبر لأجلها وصمت طويلا فنالت من التصفيق أمواجا..الجماهير تسمع حتى القصائد الصامته …وكتبت العمودي والتفعيلة والتدوير والنص المفتوح وال وال …لا أزال للان غارق فى التجريب بحثا عن القصيدة التى لم يكتبها شاعر قبلى ولن يكتبها شاعر بعدى ..القصيدة التى تسكن الحلم وتراني ولا أراها…انا لا اكتب قصيدة واحدة ..لا لا ..لست مثل الروائيين او الذين يسهرون الليل ولا ترى عيونهم النوم ابدا ..انا والقصيدة فى حلم لا يهدأ ولا ينتهى ابدا.
* العواصف السياسية مدى تأثيرها على الزائقة الشعرية لديك ؟
– لا أحب السياسة ..عناوينها ودعاياتها واكاذيبها وشرورها وغرورها. وخرابها للعالم..للاسف السياسة هي لعبة الفراغ …تفقتد إلى أصول التربية والحكمة والفلسفة..الساسة هم لاعبوا الجولف الذين يضيعون كل الوقت بين المضرب والكرة الصفراء والحفرة التى تنظر بنصف عين ..الحق ليس هناك علاقة بين الشعر وبين هذا الفراغ الداوي. السياسة بطبعها تحاول السيطرة على كل شىء اللسان والسمع والعين والاحساس ..المثقف والشاعر والكاتب .يوما قال نابليون كلما سمعت كلمة مسدس تحسست مسدسي ..الساسة يخافون من الحروف والكلمات والقصائد والقصص والروايات الخ …نحن نكتب لنقاوم الأمية والجهل والظلم نكتب املأ فى الحرية والعدالة والإنسان..يا صاحبي لقد خسر أفلاطون كل شىء حين لم يحكم العالم شاعر واحد منذ بدء الحياة.
* من مثلك الأعلى اقليميا عربيا عالميا ؟
– فى الحياة سيدى رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام … فى الشعر ..احب المتنبي..امل دنقل ..الخنساء ..ابوفراس..محمد الصغير أولاد احمد وسونيا الفرجاني.
* كيف تشاهد مسار المشهد الثقافى رؤية عامة ؟
– فى ظني أن المشهد الثقافي أصبح أسيرا لتداعيات المشهد السياسي ،واصابته الكثير من الويلات والتوهان . لقد انتهى الزمن الذي كانت فيه راية الثقافي تعلوا على ما دونها ،وأصبح ما هو دونها يعلو عليها .الثقافة لم تعد لها أبعاد اقتصادية تحميها ،المبدع صار امير الفقراء .ما عاد للكتاب سوق .غابت رغبة القراءة ما عادت المعرفة راس المال الذي نستثمر فيه .مثل ما كانت يوما ..كل امرىء يحتل غير مكانه ، الشاعر عاطل ، والروائي سائق عربة أجرة..والناقد عامل فى ورشة …لقد تدنى التعليم والمناهج وأصبحت المدارس بقالات للعرض هدفها الربح وليس العلم ..باختصار يا صاحبي لقد افلس المشهد الثقافى لم يعد يلعب الدور المناط به فى تربية المجتمع وفى حضارته وإشعال نار المعرفة والابداع …لم يعد بيننا الكاتب الرمز ولا المغني الأسطورة ولا ولا ..رحلت أم كلثوم ولم تولد أخرى ورحل نجيب محفوظ والطيب صالح ولم يولد آخر …لم يعد هناك الشاعر الذى تصفق له المدينة …لقد رحل احمد شوقى والجواهرى ونازك وامل ومحمد المهدى المجذوب.
أبحث عن معنى المعنى
عن شيء بتأطر فى صدف اللغة وصوت الكلمات
عن زوبعة صافية كالماء
الليلة لم تغمض عيناي
كنت غريبا عنها وقريبا مني
كنت أرى شكل ضباب الصمت
أفتعل مشاجرة ضدي
كي أشكو لي .
اللون الأسود يغريني بالنزهة فى مدن الأحلام
اللون الأبيض لايقربني
لست أنا إلا طفلا فى الستين
طفلا يعشق خربشة القطط
ويرقص بين فراشات العتمة
يتلصص فى أجراس الأوهام
هل كنت أنا ملكا يوما …
هل كنت أنا شعبا ينتفض علي
ماذا يا هذا يزحف فى قلبي ويزاحمني
فى غربة روحي
يجعلني وحدي اهرب مني
أقفز من نافذة الأيام المغلقة الأسوار
هل من أحد ينظرني غيري
لا شيء يراني !
لا شيء سواي .
ظلي يختبيء بأضلاعي
يتسكع فى اوردتي ويصافحني
يبحث عن زاوية خالية فى قلبي لينام
يا ظلي
كن أنثى …وأحمل عني وزرك إني مفتون
وأخرج وأبحث عن من يحتاج لظل
فأنا إبن سواد الليل الأسود
إمرأتي لا تعرفني
إمرأتي لم تخلق من ضلعي الأيسر
خلقت من فوضى الفوضى
من آخر نبض فى ذاكرتي
لا أدري حقا ماذا أفعل !
لا أعرف شيئا ..لا…
لكني أهرب مني
أفلت من كفي وأفر بعيدا
أتلصص فى غابات الليل
بحثا عني !!
محمد نجيب محمد على
من ديوان أناشيد الأسئلة المجموعة الفائزة بجائزة الطيب صالح العالمية
٢٠٢٠-٢٠٢١
السيرة الذاتية
محمد نجيب محمد على حسنين السودان
مواليد ١٩٥٣
حاصل على ليسانس كلية الدراسات الفلسفية جامعة القاهرة
عمل مراسلا لعدد من المواقع الصحفية ورئيس تحرير لعدد من الإصدارات.
اعمل الآن رئيس تحرير موقع كليك تو برس ومتعاونا مع عدد من الإصدارات بالوطن العربى
حائز على جائزة الطيب صالح العالمية فى الشعر دورة ٢٠٢١
حائز على الجائزة الأولى فى مسابقة الكتاب الافريقيين باوا عن ديوان الشعر العربى بديوان نداء الاجنحة
إصدارات
تعاويذ على شرفات الليل
ضد الإحباط
عن الزا وذاكرة المدينة
دم العاصفة
نداء الاجنحة الديوان الفائز بجائزة باوا
أناشيد الأسئلة الديوان الفائز بجائزة الطيب صالح العالمية
حوارات فى تدابير الراهن الثقافى الكتاب الأول
حوارات فى تدابير الراهن الثقافى الكتاب الثانى
ترجمت العديد من النصوص للغة الانجليزية والفرنسية والإسبانية
نشرت العديد من أعماله بالوطن العربى
شارك فى العديد من المهرجانات بالجزائر العراق مصر عمان
له العديد من الأعمال المتنوعة لدى عدد كبير من كبار الفنانين السودانيين
كتب للاطفال
كتب العديد من شعارات المسلسلات التلفزيونية السودانية