الناقد عبد الحسين الشيخ علي
من خلال قراءتي لديوان الشاعر المصري ( روماني ) والذي عنوانه ( التقينا في شتاء ) وجدت ان الشاعر يوغل في الرومانسية التي تُظهر الى حد بعيد شفافية الشاعر وابتعاده عن الديناميكية في وصف مشاعره . بمعنى انه اتبع اسلوب شعبوي عام حتى يتمكن من ايصال الفكرة بكل سهولة ويسر مبتعدا عن الانزياحات والمجازات التي تحتاج الى فهم نخبوي ومجالها اوسع في قصيدة النثر لانها تقيد التدافع السلس للجمل الشعرية الموزونة ، وهو الاسلوب المتبع في المدرسة الرومانسية عموما التي تميل الى توكيد الصفات الطبيعية والتلقائية والنظرة الخارجية لحركة الطبيعة والافراد فيها دون الولوج في مقررات العقل التي تفضل التعقيد اي بمعنى البساطة في التعبير مضاف له التخيل بحيث كان همه استهداف المتلقي البسيط الذي يتحبب لهكذا قصائد وتعابير مباشرة ومفهومة دون اللجوء الى معاجم اللغة . كذلك وجدت ان في اغلب قصائده الايقاع الغنائي من خلال استعماله لحروف الروي المختلفة في كل قصيدة . لذلك نجد ان النضج الشعري مكثف لدى الشاعر من خلال فهمه للواقع المعقد الذي تعيشه البشرية الان ، وهنا نجد الشاعر يحاول ممارسة التضاد معه من خلال التبسيط في تعابيره الشعرية في اللغة بصورة عامة ، وبالتاكيد هنالك من النقاد من الذين يفضلون الادب الغامض والفلسفي الديناميكي كما هو متعارف عليه في القصيدة النثرية الحداثوية . نجد ان عنوان الديوان له دلالة مفتوحة في كل زمان ومكان لعدم وجود الف لام التعريف في كلمة الشتاء ، وفي العنوان ايضا دلالة على لقاء قد تحقق في شتاء ما ثم اتبعه فراق لسبب ما ادى الى حالة من الشوق والبحث بلوعة عن لقاء اخر يستمر ، وما بين اللقاء والفراق قصائد من وجد واحتراق ومشاعر وشجون . لمحَت بعض الحزن بعيني ما الأسبابُ؟ وما المفقودْ؟ ولماذا جرحك لا يبرأُ؟ ودموعك تغدو وتعودْ؟ ان حركة المشاعر لدى الشاعر روماني ليست معقدة كذلك الامل نجده ياخذ مساحة واسعة في قصائده الذي يدفعه حبه للحياة الطبيعية الغير مأزومة متجاوزا تلك الحدود والموانع المختلقة حيث نجد ذلك جليا في اغلب قصائده ، ونجد الشاعر مفعما بالحيوية وبالتفاؤل والخصب الحيوي الشعوري لانه يرى في حبيبته حياة متدفقة وينبوع يستمد منه اسباب البقاء كحقيقة عاطفية تزرع في قلبه ونفسه بذرة الاستمرار في العيش بهدوء . انها امله المنشود وغايته التي يحقق من خلالها رغبة الانعتاق من الوحدة والعيش ضمن دائرة المشاعر الحقيقية الغير معقدة ، وبذلك عبّر الشاعر عن حاجة اغلب الناس الى هكذا طبيعة فطرية دون تدخل خارجي سلبي كانه يريد العودة الى الماضي البعيد حيث الطبيعة العاطفية والمشاعر الغير زائفة والوقتية . وجدنا ايضا ان هنالك حبيبة مفقودة في قصائده نعم انه واقع تحت وطأة هذا الافتقاد والامل المنشود في لقائها حيث تدور معظم قصائده حول هذا اللقاء الذي اوقعه تحت تاثير الحزن فكان اللقاء في فصل الشتاء بعد عناء لربما كان طويلا حيث ارسى في قلبه حياة جديدة وراحة بال كان يفتقدها وتؤرقه لكنه وفي غفلة من الزمن افتقدها وغابت عنه وظل يكابد الحنين واللوعة بالبحث عنها حتى بدا في اخر المشوار امام حقيقة مؤكدة وهي حقيقة الفراق اذ عليه ان يسدل ستار الذكريات والامل في لقاء جديد لانه عانى كثيرا ووجد ان لا مناص من غلق باب الامل في اللقاء والعيش على الذكريات وتقبل الحقيقة المرة . أصبح طرف الستارة مسدلًا من فوق جرحي فوق دمعي لن يعودْ الدلالات الشعورية في عتبات الديوان . اما العنوان وقد شرحناه ، واما الاهداءات فكان لها عمق شعوري يظهر لنا مدى تعلق الشاعر بابويه لما رسخاه فيه من ادب وعلم وتربية حسنة اتت ثمارها فكان لهما الاثر الطيب في نفسه ، وهو وفاء منه لهما ، وهنا تبرز القيمة الجمالية في معرفة الذات وخصوبة المشاعر وبرها لمن انجباه وربياه على قيم ومباديء متزنة وغير معقدة . اما غلاف الديوان ففيه صورة تعبيرية عن لقاء بين عاشقين تحوطهما اغصان لاشجار بيضاء دلالة على صدق المشاعر الغير مشوبة بشائبة كذلك السماء وزرقتها الصافية ووجودهما في كبد السماء محاطين بتلك الاغصان كلها تدل على الصفاء والنقاء في المشاعر والامل . خاتمة // في اغلب قصائد الشاعر نجد صراع ما بين لقاء تحقق في شتاء وفقد حل محله انه لقاء بين عاشق ومعشوقة ، ومن ثم غياب وفقد لها حيث تشكلت تلك القصائد ليعبر فيها الشاعر عن هذا الصراع واللوعة في البحث عنها لما تركته من اثر وجداني في قلبه . واعتمد الشاعر في قصائده على اوزان شعرية بسيطة لا مجال لذكرها اتبع فيها اسلوب الايقاعية النفسية وما يشعر به بدافع الاحداث للتعبير بطريقة شعرية سلسة يفهمها المتلقي البسيط بعيدا عن تعقيدات اللغة والكلمات التي تحتاج الى تركيز عميق ودراية .