(باربي) المرأة المناضلة… التي تريد إستعادة ذاتها الفاعلة.
(باربي) المرأة المناضلة… التي تريد إستعادة ذاتها الفاعلة.
صلاح مسعد مسرور .
إيديولوجية باربي (Barbi ) :-
يبداء الفيلم بمشهد ﻷشعة الشمس وهي تشرق رويدآ رويدا بالتدريج بحيث تبدد باشعتها ظلام الهيمنة و التسلط الذكوري القائم على تفرد النوع بكل إمتيازات حق التملك و الحرية و العمل وكل شئ في الكون وفق الرؤية الأيديولوجية الخاصة بالمخرج.
و يمضي المخرج في تثبيت تصوره الذهني في عقل المتلقي بإقتباس فكرة الأسطورة الاغريقية بروميثيوس ( العنقاء التي تنهض من وسط الرماد ) بحيث تأتي المشاهد اللاحقة للمشهد الاول بتحطيم الدمى من قبل الأمهات الصغيرات (بعدما كانت الدمى لعبتهن المفضلة) حال ظهور باربي العملاقة بثوب السباحة و كأنها هي العنقاء المشار إليها في الأسطورة الاغريقية وكأنها الكائن الخرافي الذي سيخلص النساء من بؤسهن بعدما كانت رفيقة لعبهن في صغرهن و بددت عنهن الملل و الهمتهن بتحطيم القديم للنهوض عليه من أجل بناء المرأة الحديثة المتطورة و تكسير نمطية ألام اللآتي كن الأمهات الصغيرات يلعبن دورها و تحويلهن لنساء لديهن أعمالهن و منازلهن الخاصة بهن بعيدآ عن تربية الأطفال و الاهتمام بمنزل الرجل .
و يستمر المخرج في أقناع المشاهدين بفضل باربي (العنقاء) على المرأة في عالم اليوم و كيف حلت مشاكل النسوية العالمية و أصبحت الكثير من النساء مابين رئيسة حكومة و رئيسة وزراء و قاضية و حائزة على جوائز نوبل و البعض الآخر من النساء نواب في مجالس الشعب و لديهن شهادات دكتوراة و برفسوارة و رائدات فضاء و طبيبات ألخ…
و يطلق المخرج على العالم الموازي الذي تعيش فيه باربي ب (ارض باربي) تاكيدآ على ترسيخ إيديولجيته الخاصة في العقل الباطن الجمعي الذي لربما سيطغى على تفكير الأذهان في المستقبل القريب وفي إشارة واضحة أن من حق النساء تسمية البلدان بأسماء شخصيات نسوية فاعلة مثلما يفعل الرجال و الأمثلة كثيرة على ذلك فهناك مدينة سان جيرمان و مدينة سانت آينيان و الكثير من المدن و البلدان في العالم تم تسميتها بأسماء رجال.
المرأة الفاعلة:-
وتظهر باربي في عالمها الموازي في الأرض المسماة باسمها ذات فاعلة مسيطرة على من حولها بعكس مايحدث في العالم الواقعي من تهميش للنساء و اقصائهن و هذا يخلق تضاد فكري يسهم في خلق شعرية الصورة السينمائية.
وللحديث بقية عن الذات الفاعلة المسيطرة لشخصية باربي نستعرض منها أبرز ماظهر في هذا الفيلم السينمائي ففي المشهد الأول بعد المقدمة عندما تستيقظ باربي وتنهض من سريرها تقوم كل جاراتها بتحيتها بالتحية التي يقوم بها الشعب عند وصول الروساء و القادة لأي محفل اسهامآ من جاراتها لتأكيد سطوة باربي وسيطرتها على الأرض و عرفانآ و تقديرآ منهن لها.
و يسعى المخرج لتكريس صورة باربي الأسطورية من خلال سيطرتها على الريح و كالمعروف عن الريح بأنها رمز للدمار و الخراب ويحمل اسمها أو صورتها دلالة العنف و الاضطراب ولكن باربي تسيطر عليها و تتجلى فاعليتها في التحكم بها عن طريق استخدام خيالها مثلما ظهر في الفيلم عندما نزلت باربي من سطح المنزل إلى السيارة وهي تطير واقفة و بانتصابة القامة و كأنها ريشة لا تتآثر بالجاذبية فتقود سيارتها الوردية ( اللون المحبب للنساء) إلى الشاطئ فتصل إليه بعد إن بادلها التحية كل من لاقاها على جانبي الطريق.
وقبل الوصول إلى الشاطئ ألقت دمية المرأة الحامل( ميدج ) التحية على باربي التي لم تعرها اهتمام فيتدخل الرأوي العليم بكل شئ ويبرر بإن هذه الدمية قد تم طردها لأنها لم تستطع التخلص من نمطية التفكير القديمة المتجسدة في الحمل و الولادة وبذلك أصبحت ذات خاملة، خاضعة للرجال لا تريد باربي رد تحيتها.
وفي الشاطئ تظهر فاعلية باربي عندما يتنافس الرجال على جذب انتباهها بينما هي لا تعرههن آي أهتمام فيستشيط الرجال غضب و غيرة وأكثر الرجال الذين تتملكهم الغيرة هو صديقها (كين الغربي) فيمضي متحديآ الأمواج ليريها بأنه جديرآ بصداقتها فتنكسر قدمه وينادي باربي لإنقاذه فتهرع النسوة و يقوموا بفعل المبادرة لإنقاذه بينما الرجال لم يحركوا ساكنآ وهذا المشهد يؤكد آقدام النساء و فاعليتهن مما يقوي إنتاج الذات الفاعلية للنساء وتقوية الايديولوجيا الخاصة بباربي في ذهن المتلقي بأنها أكثر شهامة من الرجال.
وبعدما تم إنقاذ (كين غ) يأتي منافسه (كين ش) فيفتعل شجار معه فتآمرهم باربي بالتوقف بقولها: توقفوا يا صبيان .
فيصمتوا احترامآ و مهأبة و خوف منها و كلمة (صبيان) أتت هنا على استحقار باربي للرجال الذين امامها وتدل على فوقية أنثوية ، مهيمنة، سلطوية على الذكور المتشاجرين.
وفي المشهدالتالي تأتي سيارة الاسعاف-الصيدلية الوردية ويتم إدخال (كين الغربي) فيها وباربي ماسكة على يده و يقول لها كين: ارجوك لا تفلتي يدي… ابقي معي .
كأن كين يستمد الصحة منها في إشارة إلى الذات المحفزة للنساء التي يستمد الرجال منها القوة و القدرة وفق التصور الذهني لمخرج الفيلم.
وفي ليل العالم الموازي يتم عمل حفلة مسائية هناك خاصة بالفتيات فتتم دعوة (كين غ) إلى منزل باربي فيخلو (كين غ )بها و يحاول أن يبيت عندها ولكنها ترفض ذلك بفوقية نوعية بحجة أن البيت بيت احلام باربي وليس بيت احلام كين فكيف لباربي المسيطرة صاحبة السلطة أن ترضى بشخصية هامشية
مثل كين بالنوم في منزل أحلامها.
ويستمر المخرج في إظهار الذات الفاعلة لباربي و النسوة اللآتي حواليها على الرجل فعندما صرخن النسوة لمرآهم القدم المسطحة لباربي قاموا بالتقيؤ فتقياء مثلهن( كين الأسود) كأنه صورة منعكسة عنهن، خاضعة لهن ومقلدة لسلوكياتهن وهذا مافرضته سلطتهن عليه فامروه بالتوقف عن ذلك فتوقف مدحورا.
المرأة المناضلة التي تريد إستعادة ذاتها الفاعلة :-
بعدما تدرك باربي حتمية رحيلها للعالم الحقيقي لكي تصلح مافسدته البنت التي تلعب معها و يكف عقلها عن توارد التفكير في خواطر الموت فتحزم أمرها و تذهب لمغامرتها الكبرى لردم الفجوة أو الشق بين العالمين برفقة ( كين الغربي ) الذي يتسلل خلسة لسيارتها وهناك في العالم الحقيقي تصبح ( باربي) عين فاضحة تصويرية ترصد الخروقات لحقوق النساء في العالم الحقيقي و ترى بعينها و رؤيتها الأيديولوجية البون الشاسع و الاختلاف الفضيع مابين النساء في العالمين ؛ فالنساء في العالم الحقيقي مضطهدات، مقموعات، مكبلات و مقهورات لايمثلن آي فاعلية تذكر في ذلك العالم سوا أنهن أمهات ، كائيبات، مترهلات و آلات عاملة تخضعن للسلطة الذكورية المهيمنة عليهن وعندما حاولت (باربي) تصحيح المفاهيم الخاطئة لابنة صديقتها المؤلفة بقدسية و سلطة الذات الانثوية اتهمتها ابنة المؤلفة :- بالفاشية.
فتبداء المشاعر الإنسانية بالتدفق في جسد باربي و تبداء تذرف اول دموعها المتألمة لما وصل إليه حال المرأة في العالم الحقيقي.
بينما رفيقها ( كين غ) أصبح عين تصويرية تسجيلية و تآويلية للصور و الرموز في العالم الحقيقي ومن خلال تحليله البسيط للمشاهد التي رآها أمامه و مالاقاه من احترام وحفاوة من قبل بعض النساء مما لم يعتد عليه في أرض باربي أدرك حينها إن العالم يحكمه الرجال و لا سلطة تعلو على سلطة الذكور وهذا تضاد ايديولوجي في الرؤى يخلق شعرية الصراع و يمهد للتجاذب بين ثنائية القطبان اللذان يريدا إن يخضع كل منهما الاخر.
فيهرب مستبقآ باربي إلى أرضها ليبشر الرجال هناك بفكر جديد و إيديولوجية جديدة غريبة عليهم بإن العالم لا يحكمه إلا الرجال فينجح في ثورته بإقناع النساء بسحر الكلمات وينجح في جعلهن هامشيات ، مطيعات، خادمات للرجل.
أما ( باربي) فتبداء في نضالها النسوي ابتدآ من العالم الحقيقي إلى العالم الموازي عندما تقابل مؤلفتها التي تصرخ لمرآها : باربي الان… الان… الان (Barbi Now …Now…Now)
في إشارة إلى منظمة (Now ) العالمية لحقوق النساء و تاكيدآ لبدء النضال ضد كل شي يعيق تقدم المرآة و تحررها
منذ إشهار تلك المنظمة إلى الان ومالانهائية الكون.
وتنجح باربي و مؤلفتها للهروب الى العالم الموازي الذي قد سيطر عليه ( كين غ) فغير كل شئ فيه و جعل الرجال يملكوا السلطة و النساء خاضعات ، مطيعات لديهم.
فيغمى على باربي و تعاني من أزمة وجودية فتشعر بالإحباط و العجز و الخذلان فتآفل ذاتها الفاعلة و تصبح امرأة غير مسيطرة لاتملك اية سلطة فيتم حمل ( باربي) إلى منزل غريبة الأطوار وهناك يتم إيجاد حل لمشكلة التبعية لنساء باربي وكان الحل الوحيد في نظرهن ( التعبير عن السخط في ظل سلطة ذكورية فإنهن بذلك السخط يقللن من سلطتها عليهن.) وبهذا الحل نجى النساء في تلك الأرض من غسيل الدماغ الذي عمله لهن (كين غ) بفعل مدلول كلماته السحرية عليهن.
و تتوافق النساء على أثارة النزاع بين الفتية حتى لا يتمكنوا من السيطرة على بعضهم البعض وإذا تم ذلك ستشتعل الحروب بين الرجال ولن يستطيعوا السيطرة على النساء فاستطاعت ( باربي) من استرجاع ذاتها الفاعلة من خلال رفضها ل (كين غ) و ذهابها ل ( كين ش) لتشتعل الغيرة و الأنانية الذكورية في نفس ( كين غ) و لتشتعل بعدها الحرب و تنجح النساء باستخدام فتنتهن و اغوائهن للرجال من السيطرة على أرض باربي مثلما فعلت ذلك الملكة كليوباترا في العصور السحيقة ايام عصور الرومان ومثلما فعلت ايضآ دليلة عندما انتصرت بفتنتها على شمشون الجبار في الأساطير القديمة .
و تسترجع النساء ذاتهن الفاعلة و يهيمن على أرض باربي بسلطة ، أنثوية، خالصة، غير خاضعة للرجال .
لقد استثمر مخرج الفيلم الكثير من الرموز و الأساطير و الخطط المحرضة للنساء للثورة على تبعيتهن للرجال و محاولة منه لإطلاق العنان لروح الأنثى من إخراج مكنوناتها المكبوتة التواقة للانعتاق و الخلاص من هذا الواقع الذي يجعل المرأة تقف خلف الرجل وليست بجانبه و هي الأجدر بالوقوف أمامه وحاكمة له فالرجل ليس إلا ابن لهن و رفضهن لفكرة الفرع وإنما هن الأصل و المنبع و المصدر وفق التصور الذهني للمخرج.