الشاعرة صليحة نعيجة – ألف ياء
لقاء مع الشاعرة الجزائرية
حاورها : محمد زتيلي
عندما بدأت في كتابة تقديم لشاعرة ومترجمة من قسنطينة من جيل الثمانينيات‘ ؤاذا بي أجد نفسي أحرر مقالة في التاريخ الثقافي للجزائر المستقلة‘ وكلما ظننت بأن ما كتبته أستطيع أن أكتفي به و” أخش” في الموضوع‘ أجد نفسي مسكونا بتفاصيل تهاجمتني وتصنع في نفسي غواية سردها، خاصة وأن في نبضها ضمير المتكلم يفرض علي بطولته، سواء كانت نوعا من النرجسية، أو هي الحقيقة التي لا يجب قمع الأنا عن سردها.
اليوم أقول أنه بين جيل السبعينيات وجيل الثمانينيات تقاطعات‘ وكما هو جيل السبعينيات ليس صوتا واحدا، كذلك جيل الثمانينات ‘ غير ان هذا الجيل الأخير عاش الهزات السياسية الأعنف، نظرا لمضامينها المتعددة وتضاربها الوعرة، عكس الخطاب السياسي الذي عاشه جيل السبعينيات الذي هو في معظمه متجانس‘ لكن جيل الثمانينيات عرف تعدد الخطابات وقوة صراعها أو عنفها. وكما كان جيل السبعينيات شعاراتيا في معظم مضامين كتاباته كما يتهمه الجيل اللاحق‘ فان هذا الجيل الثمانيني وقع فيما اتهم به سابقيه! وذلك بالدفاع كتابة وسياسة عن توجه وخطاب جديد انخرط فيه.
إن استعمالي لمصطلح المجايلة فقط من اجل تحديد شكلي‘ فانا كتبت قبل أكثر من ثلاثين سنة بأني ضد القياس الكيلومتري في الحديث عن الإبداع من حيث مضمونه او إبداعيته.
لكني ذكرت ذلك لأبين حجم الغموض الذي ظهر على السطح ‘ وحجم الصراعات وكثرة التكتلات والإنقسامات والصراعات ذات المضامين الإيديولوجية والتي استغلها بعضهم لتوظيفها في خدمة مساره وأهدافه‘ وطبعا كما قلت من قبل، فإن السلطة كانت تريد ضرب المرحلة السبعينية بكل رمزيتها‘ والدليل أن من تزعم وركب موجة الأدب الإسلامي، وضعت تحت تصرفه جريدة المساء العمومية الحديثة الإنشاء، ومن منبرها كان يوجه بياناته العسكرية‘ يا أدباءنا المهمشين المقموعين في الجزائر العميقة‘ الخ.
لهذا وجدت كاتبة اليوم الشاعرة والمترجمة صليحة نعيجة نفسها وسط تجاذبات وتكتلات وميليشيات! وكلما كانت تجد راحتها واطمئنانها الروحي الفكري الجمالي, كلما وقعت عليها ضغوط الجيل بتكتلاته. لهذا كثيرا ما شعرت بالحصار أو بالدعم ولكنها في نهاية المطاف لم تنخرط ايديولوجيا ولم تستعمل من اي جهة, وواصلت الكتابة وتواصل بروحها الجميلة المثقفة المبدعة المطلعة علي الآداب العربية والأجنية من خلال اللغة الأنجليزية كاستاذة للمادة، ومن خلال اللغة الإسبانية التي تترجم إليها ومنها. ومن أهم ترجماتها انطولوجيا الشعر الحديث الجزائري الي اللغة الأنجليزية.
نشرت صليحة نعيجة دواوين وترجمات في الداخل قبل الخارج، وبحوزتها مشاريع ومخطوطات، لهذا طرحت علي شاعرة قسنطينة سؤالين، حالها مع الكتابة ورأيها في دور السلطات في دعم الكاتب والكتاب‘ وكذلك دور الإعلام؟ وهذه إجاباتها لمجلة “ألف ياء” الصادرة في سيدني :
الشاعرة الأستاذة صليحة نعيجة:
أولا انا بخير ..طالما لا يزال قلبى نابضا بالفكرة و طرح الأسئلة المحمومة و المهمومة بواقعى و مدينتى و عالمى الفسيح بالخيال تارة و الاحلام تارة أخرى .
*- اكتب لاتنفس و افر من ضيق مساحات التواصل، اكتب واترجم و انشر ايضا بفضاءات بعيدة بعدما اكتشفت ظاهرة انتشار دور النشر بسرعة بالغة فى لمح البصر كالفطريات ..لم اقو على اختيار دار نشر عن اخرى لاسباب تعود الى كما اننى الوم الوزارة التى توقفت عن دعم وتمويل المؤسسات و دور النشر و الجمعيات لطبع الجيد من الكتاب فى مضمونه .
*- دور النشر تطلب اسعارا ميالغا فيها احيانا و لا ترى ان الشاعر ليس ثريا ليطبع على حسابه الخاص ثم يرى اعماله تباع على قارعة الطريق او مكدسة بالرفوف او تباع بالجملة كقراطيس للفول السودانى” باعتراف احد الناشرين و العهدة على الراوى ”
*- فى ظل تدنى المستوى العام للكتاب الأدبى وحال الكاتب فى الجزائر وانصراف الوزارة لمشاريع وهمية تواكب فيها العصر ..ارى ان جيل المبدعين الجدد يصارع طواحين الهواء ويحرث الماء ويناضل لتضخيم جيبه فى ظل عزوف الجميع عن القراءة للجميع وان فعلوا فمجاملة لبعضهم البعض واكبر دليل تلك الصفحات الثقافية التى تنشر لنفس الاسماء والقراءات الانطباعية للاصدقاء، والحوارات للاحبة و ابناء الدشرة الواحدة فيما ينصرف مبدعونا للتباهى بالنشر خارج الجزائر و تصدير صورته بدول الشرق والغرب بحثا عن جمهور اخر قد يتقبل المختلف وحتما سيجده فيخضع لمعايير اخرى بكتاباته وحواراته لارضاء جهات معينة
*- لم اختلف عنهم وتركت السرب يحلق و انصرفت لفضاءات اخرى متناسية المؤسسات الثقافية والوزارة لاننى لست ممن يشحذ على الابواب بحثا عن اعتراف و افتكاك الحقوق .انا موجودة منذ اكثر من عشرين سنة ولكني ارى ان كل المؤسسات جاحدة لتاريخنا . تلجا لصناعة نجوم جدد “مؤقتا” و تلك فرصتهم ..قد يكون لهم الحضور و الغياب مستقبلا ان نحن راهنا على نوعية ما يطيع ويسوق و يقرأ.
*- شخصيا اشكك فى عدد النسخ التى تطبع واشكك فى الرقابة على دور النشر ولهذا ارى من الصعب ان اصدق عملية توزيع الكتب الادبية الجزائرية لاننى تعبت فى البحث عن عناوين جمة لدور شر جزائرية وخضت رحلات لاجل عناوين يكذب اليائع خبر وصولها لقسنطينة في حين يصر الناشر على انها موجودة بالمكتبة الفلانية …
يعيدا عن كل هذا احاول الا ابقى مكتوفة اليد والقلب والارادة ..اكتب وانشر خارج حدود البلد .لى اعمال قيد الطبع ستنشر خارج الجزائر و اخرى ترجمت للغات اخرى ستصدر ، هكذا كان اتفاقى لاننى لا اعلم ما الذى يخفيه لى القدر ..
*-ما اعيه هو ان الكتابة معى لن تتوقف لكن الحالة النفسية للكاتبة المقيمة وسط هذا الركود الثقافى المؤسساتى تقاوم الاحباط كى لا تتنازل على سنوات نضالها الثقافى ..لست ممن يترك مكانى لاحد لكننى اختفى لاعود اقوى مما يتصورون دون تزلف او تملق او محاباة مع الحفاظ على سمعة النص و
الارتقاء يه بفعل المطالعة والاحتكاك بثقافات اخرى.