الفزع مُتنازَعاً عليه!

شارك مع أصدقائك

Loading

هاشم تايه

يُعَدُّ هذا العمل – الذي يجمع على سطحٍ تصويريّ واحد ثلاث صياغات فنيّة متضاربة- تمثيلاً لنزوع الفنّان جاسم الفضل إلى التّعبير المتفاوت، الطّليق خارج صياغة محدّدة متبنّاة، تستند إلى رؤية موحّدة يُؤطّرها وعيٌ فنيّ ملتمّ على بعضه، ومحترس.
إنّنا، هنا، بمواجهة سطح تصويريّ مُحيّر استقوى بثلاث طاقات تشتغل بها ثلاثة منظورات فنيّة متباينة، وبِسماتها الشكليّة الخاصّة تحقّقتْ مفرداتُ هذا العمل:
فمن منظور أكاديمي مُتخفّف، مُكرَّس للوصف، والتّعريف، والاحتفاء، ارتسم الشكل الخاص للمرأة- الأمّ، رمز الحماية، والحراسة- المُطابق لشكلها الواقعي المتجسّد في هيأتها العامّة، وثوبها، وملامح وجهها، ويدها ذات الأهميّة القصوى في دعم التّعبير العام لهذا العمل.
ومن منظور تعبيريّ منشقّ على المطابقة الواقعيّة الباردة، استقرّ الإنسان الطّائر، بشكله التّخطيطيّ، على ظاهر كفّ المرأة لائذاً، متمتّعاً بالحماية، ومكفولاً. إنّ السّمات التّعبيريّة- المتوحّشة- في شكل هذه المفردة تُطلقها الخطوطُ السّميكة، الخشنة التي تُحيط بهذه المفردة، وتُعيّن شكلَها اللّاذع، وتشتدّ تعبيريّة هذه السّمات بتسطيح وجه هذا الكائن الهجين، وباختزال شكل عينيْه، وفمه بمجرّد ثلاث نقاط. كما تدخل البلاغة، هنا، لتأمين الشّكل التّعبيريّ لهذه المفردة، باستخدام التشبيه الذي يجعلنا مذبذبين بين رؤية إنسان يُشبه طائراً، ورؤية طائرٍ يُشبه إنساناً.
ثمّ يستكمل هذا العمل أداءه المتنوّع بمنظور تجريديّ نُطالع آثاره في تسطيح المفردات، والعبث بالمنظور، وإعدام العُمق، والاستغناء عن الخلفيّة التمثيليّة الواقعيّة، وتحويلها إلى مجرد سطحيْن لونيّيْن، أحدهما- الأعلى- قاتم، وظيفتُهُ إبراز شكلي المرأة ووديعها بقوّة، وتغذية تعاطفنا بإشارات خطّيّة مجرّدة تُلمّح إلى مأوى قديم. أمّا السّطح- التحتيّ- فمجرّد تلوينة متناغمة تمّت تسويتُها فارغة من أيّ أثر شكليّ للتّخفيف من وقع الإثارة في مظهرَي المرأة، ومَنْ تحرسُه.
بعيداً عن سطحه المتنازَع عليه بين ثلاث صياغات متعارضة يستند هذا العمل إلى ظهير أكاديميّ مكين فتح الباب مشرعاً أمام المهارة الأدائيّة- الأكاديميّة- لتُنجز وظيفتها بكفاءة في الإنشاء، والتّصميم، وتمثيل الأشكال، واستثمار طاقات الألوان على نحوٍ مؤثّر. هذا العمل مشبع بشحنة عاطفيّة عاصفة لا سبيل إلى الاستقلال عنها. إنّه يعرض علينا فزعَنا، وعجزَنا أمامه، وذهولنا حتّى عن أجنحتنا في حياةٍ عشناها بلا سماء.
شارك مع أصدقائك