وديع شامخ
…………..
نحنُ في الصّالونِ الثّقافيِّ نؤسّسُ لسياقٍ حضاريٍّ ثقافيٍّ وجماليٍّ في الاحتفاء بثرواتِ الشّعرِ وجواهرِ الإبداعِ ، ولأنّ الجواهريًّ هو الثابتُ ، فنحنُ نبحثُ عنِ المبدعينَ من الشعراءِ العراقيّينَ ، كلّ دورةٍ نحتاجُ إلى قامةٍ تستحقُّ أن تقفَ أمامَ جلجامشَ العراقِ،
يرتبط ُاسمُ الجواهريّ بحركيّةٍ اجتماعيّةٍ وسياسيّةٍ وإعلاميّةٍ ،أكثرَ من مساهمتِه في حركةِ التّجديدِ الشعريّ وصراعاتِه الجيليّة ، فكانَ رمزاً وطنيّاً غنّى لعراقِ الدّجلتين ، فهو أولُ رئيسٍ لاتحادِ الأدباءِ والكتّابِ وهو الشّاعرُ الذي عاشَ الحياةَ العراقيّةَ ، وتخضرمَ وتعتّقَ عراقيّاً لا غشّ فيه .
، فشهدَ الملكيّةً بكاملِ وقائِعها ، والجمهوريّاتِ الأربع بتفاصيلِها ، فكان الشّاهدَ الأكبرَ وجلجامشَ العراقِ المعاصرً ….
وفي هذهِ الدورةِ العاشرةِ وبعرسِ الجواهريّ السنويّ نهرِالعراق ِالثالثِ ، وشاعرِ العربِ الأكبرِ ، وهو الشاعرُ العباسيُّ الذي أخطأهُ الزّمنُ فولدَ في القرن العشرينَِ بحسب أستاذِنا الكبيرِعلى جواد الطاهر.والشّاعرُ الشّاعر، كما قالَ عنه طه حسين، اخترنا أن يكونَ الشّاعرُ الرائدُ عبدُ الوهّاب البياتي / هو الصنوُ وحاملُ اسم دورةِ معلّمهِ وصاحبِه أبا فرات ..
البيّاتي والجواهريّ ، يتشابهان / مجازاً/ في التّحديثِ الشعريّ ، فالجواهريّ هو آخرُ الكلاسيكيّين العظماء ِ، والبيّاتي هو آخر روّادِ الحداثةِ الشعريّةِ الأولى وحاملُ لواءِ نضج ِ نصّ التفعليةِ حين رحلً السيّابُ مبكّراً وعزفتْ نازكُ الملائكةِ عن ركوبِ موجةِ الحداثةِ .
وهما يتشابهانِ في الواقع اليوميِّ ، بأنفةٍ وعزّةِ نفسٍ وكبرياءٍ ، ويتماثلانِ في الموقف الوطنيّ في رفضِهما لنظام الطاغيةِ المقبورِ صدّام حسين ، وإشهارِهما المعارضةً والخروجَ من العراق ، في وقتٍ كان الصوتُ الوطنيُّ المعارضُ بحاجةٍ إلى دعم ٍمن رمزينِ وقامتينِ شعريّتينِ مثلهما لتعزيز العمقِ النوعيّ والجماليّ إزاء الجورِ والقبحِ والدكتاتوري .
ربّما يحضرُ السّؤالُ هنا عن سببِ تأخّرنا عن تسميةِ البيّاتي ليكونَ صنوَ الجواهريّ قبلَ عشرِ سنواتٍ خلَت ، فالعزاءُ أنّنا كرّسنا الاحتفاءً بسيرة الأحياءِ من الشعراء لكي نسبقَ القدرَ في تكريمِهم ، وهي ثقافةٌ رسّخناها في الاحتفاءِ بالمبدعين الأحياءِ ، رغمَ خلودِ البيّاتي المعنويّ ، ولكنّنا اليومَ آخينا بين أحفادِ جلجامشً وانتصرْنا للخلودِ الرمزيّ الذي يتماثلُ معَ موروثِنا الرافدينيّ .
وفي هذه الدورةِ الكرنفالِ المهرجانِ ، خطّطنا ليكونَ لنا مفهومٌ جديدٌ في إقامةِ المناسباتِ التقليديّةِ ، وما أكثرَها ، ولأنّنا نبحثُ عن كلّ جديدٍ وتأصيلِه ،
في هذا المهرجانِ الجماليّ ، كرّسْنا مفهومَ الظاهرةِ الثقافيّةِ الجماليّةِ وابتعدْنا كثيراً عن صنعةِ التنظيمِ ، هكذا نحرصُ على طبخٍ المهرجانِ بنار الرّوحِ العارمةِ بالهدوءِ والصبرِ وعزيمةِ الجمالِ وهمّةِ النفوسِ ، وبطريقةِ العملِ الجماعيّ الهارمورنيّ .
في هذه الدورةِ سنعرضُ نمطاً جديداُ في مستوياتِ وقائعِ المهرجانِ وكما يلي :
في دعوة الشعراءِ حرصْنا أن يكونَ الشّعرُ هو الفيصلٌ بين مختلفِ أنماطِ الأداءِ بين ” عمودِ الجواهريٍ / وتفعيلةِ البيّاتي ، ونثرِ الرّهانِ الجماليّ ” فكانً لنا حصاداً وفيراً سنعرضُه مكانيّاً ومتلفزاً عبرَ وجودِ المبدعينَ في سيدني وشاعرةٍ مبدعةٍ من مالبورن كذلك ابتكرْنا إضافةً نوعيةً تكحّلُ عيونً الشعراءِ ، وهي شهاداتٌ حيّة من لدنِ الفاعلين ومن لهم علاقاتٌ خاصّةٌ بالجواهريّ والبيّاتيّ ، وأرسلوا لنا شهاداتٍ متلفزةً سوف تنقلُكم إلى أجواء الشاعرينِ بصورةٍ حيّةٍ .
وفي إزاحة مفهومِ الهامشِ للمهرجان ، فقط أبطلنا مركزيّةَ المهرجانِ ، حين يكونُ عنوانُ الفعاليّاتِ المصاحبةِ للمهرجانِ ، بأنها على هامش المهرجانِ . أسقطنا مركزيّةَ الجسدِ ، وتماهينا معاً في وضع الجمالِ في سياقه ومركزِه ودورِه في اداء هارمونيّ للمهرجان بصورةٍ كليّةٍ .
فكانَ لنا الفخرُ في فعاليةٍ غيرِ مسبوقةٍ ، بدعوةِ قاماتٍ علميّةٍ جليلةٍ وفكريّةٍ سامقةٍ وشعريّةٍ وأدبيّةٍ زاهيةٍ عراقيّةٍ وعربيةٍ ، أن تمثّلَ الرغبةَ الجمعيةَ لحدود الاشتياقِ لرؤية منجزِ هؤلاءِ على طاولاتٍ متجاورةٍ ، تجسيراً للهوّة بين المبدعين أولا ، وتقديمِ طبقٍ شهيّ ومتنوعٍ للمتلقّين في خطوةٍ عابرةٍ للهويات الجزئيةِ انتصاراً للجمال أولاً .
وفي بحثِنا عن حركة جماليةٍ ثالثةٍ تشكّلُ ثالثةَ الأثافي في المهرجانِ،، احتفينا بقاماتٍ ملوّنةٍ من المشهد التشكيليٍ العراقيٍ والعربيّ لتكونَ بياناً للهويّة المتلاحقةٍ ، المتنوّعةِ الآسرةِ بكلّ الجمالِ . نعم في المعرض التشكيليّ المشتركِ أقمنا جناحاً للفرح الجمعيّ ، وبمشاركة فئاتٍ عمريّةٍ شبابيةٍ تظهرُ لأوّل مرةٍ على الساحة الفنيّةِ بمعية قاماتٍ تشكيليّلة راسخةٍ .
ولعلّ من تجليات الوقارِ لروح الجواهريّ والبياتيّ أن يكونَ في ضيافتهم موسيقى عذبةٌ ورصينةٌ بمعيّة أصواتٍ طربيّةٍ واعدةٍ ، لذا استحضرْنا الروحَ لفريق موسيقى و غناء سوف يقلبُ معادلةَ الغناءِ في السحر والطربِ ، مختلفٍ تماماً عن السهولة التداوليّةِ الدارجةِ .
ولعلّ من ثمار الدورةِ الخامسةِ لمسابقة الجواهريّ هو وصول نصوصٍ تجاوزتِ المئةَ التي توافرتْ على شروط المسابقةِ ورُدّ أكثرُ من 30 نصّاُ لمخالفتها الشروطَ ،وكان من القيمة العاليةِ للنّصوص فنيّاً وجماليّاً ـ أن كان التنافسُ وصلَ لحدود النصفِ درجةٍ بينَ صاحبِ القلادةِ وغرمائِه في التنافس وعلى كلّ المستوياتِ ” عموديّ ، نثر ، تفعلية “
الثراءُ الحقيقيّ لنصوصٍ تسعى بكامل البهاءِ للحصول على قلادة الجواهريّ ، كانَت مبعثُ فخرِنا الأكيد ، في ترسيخ مفهومِ المباراةِ الجماليّةِ دونَ أيّ قصديّة أو غرضيّةٍ ، لقد دوّن أعضاءُ لجنةِ التّحكيمِ و بشكلٍ سرّيٍّ تامٍّ درجاتِ الاستحقاقِ للمشتركين ، وبعد الفرزِ كانَ الاستحقاقُ للفائزين ، الذين سوف نذيعُ أسماءًهم في الفقرة المخصّصةِ لبيان النتائجِ .. فشكراً ومحبّةً إلى أعضاء وعضواتِ لجنتي التّحكيم ِ، ونحن عقدْنا العزم ًعلى إصدار كتابٍ ورقيّ يتضمّنُ نصوصً الفائزين بقلادة ِالجواهريّ ، مع النصوصِ التي حصلت عل مراكز متقدّمةٍ في التقييم وسوف نتفاوضُ مع دارِ نشرٍ لتبنّي هذا المشروعِ الرائدِ في تاريخ المسابقاتِ الشعريّةِ لنكونَ قد أرّخنا ووثّقنا منجزَ المبدعين في كلٍ دورةٍ .
ولعلّ من اللّافت أنّنا في هذه الدورةِ لم نخصّصْ فقرةً لتكريم المشاركين ، وهذا ليس جحوداً منّا ، ولكنّنا عملْنا على رفع قيمةِ المهرجانِ النوعيّةِ والجماليّةِ لتكونَ المشاركةُ امتيازاً لنا وللمشاركين ، ولكي نتجنبَ الميوعةَ والسهولةَ لمفهوم التّكريمِ الذي يسودُ وبشكل مثيرٍ للشفقةِ بين الجهةِ المُكرّمةِ والمكرّمينً ، لعدم توافرهما معاً على شروط النقاءِ الأكاديميّ والفنيّ والاستحقاقِ الحقيقيّ لمنجز معلومٍ . ولعلّنا نختطّ نهجاً خاصاً في التكريم نأملُ منه مستقبلاً أن يكونَ نموذجاً وبصمةً خاصّةً للصالون الثقافيّ في نشاطاتهِ ، القيّمة الجديدةِ للتكرّم هي حاصلُ تفاعلِنا وحصادِنا المشتركِ، نحن معاً طرفان لمعادلة موزونةٍ بكلّ تكافؤٍ ..
شكرا لجميع الذين حضروا وشاركوا والذين نظموا معنا هذا الكرنفال الساحر .