ترجمة سهيل نجم
برأيي أن من الجميل إعادة ترجمة بعض الأعمال الأدبية المهمة وخصوصاً الشعرية التي يرى المترجم أنه سيضيف لها شيئاً جديداً ويجلو جمالها ودلالاتها أكثر وهذه محاولتي مع قصيدة (أغنية لليأس) للشاعر المتفرد بابلو نيرودا ا
من الليل الذي يطوقني تنبثق ذكرياتكِ
والنهر يمزج رثاءه العنيد بالبحر.
مقفر مثل الأرصفة عند الفجر.
إنها ساعة الرحيل أيها المهجور!
رؤوس الزهور الباردة تمطر فوق قلبي.
يا حفرة الحطام، ايها الكهف المتفسخ للسفينة الغارقة
تتراكم فيك الحروب والرحلات
وتشرئب منك أجنحة طيور الأغنية.
ابتلعت كل شيء ، كالمسافة
كالبحر كالزمن. كل شيء غرق فيك!
تلك كانت الساعة السعيدة للانقضاض والقُبلة.
ساعة السِّحر التي توهجت مثل فنار.
كل شيء غرق فيك، رهبة القبطان وفزع الغواص الأعمى،
ونشوة الحب المضطرب!
روحي مجنحة وجريحة في طفولة الضباب.
أيها المكتشف الضائع، كل شيء غرق فيك!
تشبثت بالأسى والرغبة،
وصعقك الحزن، إذ كل شيء غرق فيك!
جعلتُ جدار الظل يتقهقر،
وسرتُ إلى ما وراء الرغبة والفعل.
يا لحمُ، يا جسدي، ثمة امرأة أحببتها وضاعت،
أناديك في ساعة الندى، رافعاُ إليك أغنيتي.
مثل جرة احتضنت رقة لا حد لها.
لكن النسيان اللامتناهي حطمك مثل جرة.
ثمة عزلة سوداء للجزر البعيدة،
وإلى هناك، يا امرأة الحب، حملتني ذراعاك.
ثمة عطش وجوع وأنتِ الثمر.
ثمة حزن وخراب وأنتِ المعجزة.
آه يا امرأة ، لا أدرك كيف احتويتني
في أرض روحك وعلى صليب ذراعيك!
كم كانت شهوتي فيكِ شديدة ووجيزة!
كم هي صعبة وثملة، وكم هي متوترة وعطشى!
يا مقبرة القبلات لا تزال النار متوقدة في أضرحتك.
ولا تزال الأغصان المثمرة تحترق، بينما تنقر فيها الطيور.
آه يا أيها الفم المقضوم، ويا أيتها الأذرع الملثومة،
آه يا أيتها الأسنان الساغبة ويا أيتها الأجساد المتعانقة.
آه يا جنون اقتران الأمل بالقوة
فيه اندمجنا ويئِسنا.
الرقة مرهفة كالماء والدقيق،
والكلمة نادرا ما تفيض على الشفاه.
قدري ورحلة شوقي،
وانثيال لهفتي، كل شيء غرق فيك!
يا حفرة الحطام، كل شيء هوى فيك،
أي أسى لم تعبّري عنه، وأي حزن لم تغرقي فيه!
من موجة هادرة لأخرى ما زلت تنادين وتغنين.
واقفة مثل بحار في مقدمة سفينة.
ما زلتِ مزدهرة بالأغاني، وما زلت تكسّرين التيار.
يا حفرة من حطام، فاغرة وشديدة المرارة.
يا غواصاً شاحباً وأعمى ، يا سهماً طائشاً،
يا جوالاً تائهاً، كل شيء غرق فيك!
إنها ساعة الرحيل، وساعة البرد القارس
التي يُمسمرها الليل على جداول الزمن.
حفيف حزام البحر يحيط بالشاطئ
والنجوم الباردة ترتقي، والطيور السود تهاجر.
مهجور مثل الأرصفة عند الفجر.
الظل المرتعش وحده يلتف على يديّ.
آه أبعد من كل شيء. آه أبعد من كل شيء.
أيها المهجور، إنها ساعة الرحيل!
*- عن صفحة الطريق الثقافي يوم الخميس 10-8-23.