قططُ اسطنبولَ المدلّلةُ  وكلابُها الآمنةُ

شارك مع أصدقائك

Loading

وديع شامخ

حين تحطُّ على أرض اسطنبولَ ، وتعصفُ بك جغرافيتُها المتنوعةُ ، وكانّك تسمعُ سمفونيّةً وجوديّةً

ولأنّي كنتُ  في صميم نبضِ المدنِ والحاراتِ ، اتنفّسُ مزاجَها ، والتقطُ نبضَ حياتِها .

اسطنبولُ ، مدينةُ المتناقضاتِ ، والنهاياتِ المفتوحةِ ، هي بانوراما وجوديّة ومصائرُ متقاطعةٌ ،

في ساحاتها العامّةِ كأنّها ” هايد بارك ” تجدُ الجدلَ على أعلى فعاليّةٍ بين قومِ ” أوردغانَ ”  الذي فازَ في الانتخابات بعسرٍ كبيرٍ ، وبين الصوتِ التركيّ القوميّ الجديدِ ، جدلٌ  يتانسبُ مع منسوبِ الديمقراطيّةِ الذي جاءَ رغماً عن ”  السلطانِ العصلميّ” .

ورغمَ كلّ هذه التاقضاتِ ، وهذا الجوعُ  الممنهجُ لشعبٍ ، فقدَ السيطرةَ على عملتِه الوطنّيةِ ، وصارتْ من المضحكاتِ في سوقِ تداولِ العملةِ ، ورغمَ الجوعِ المجتمعيّ وكثرةِ المتسولّينَ من جنسيّاتٍ غيرِ تركيّةٍ ، ينازعونَ الاتراكَ على وجودِهم ، لكنّ الحياةَ ماضيةٌ إلى فرضِ طقوسِها .

اسطنبولُ مدينةٌ جميلةٌ ، لا تنقصُها المدنيّةُ ولا الأثرُ التاريخيّ ، ولا الرغبةُ في العيشِ بشكلٍ هارمورنيٍّ يخفي ، لحدودٍ معيّنةٍ ، طبقةَ الفقراءِ  والمتسولينَ من اللاجئينَ  السوريينَ ، الذين قصموا ظهرَ الحياةِ بالبؤس والعوزِ الإنسانيّ ، إنهم ضحايا الحروبِ مزاجِ الطغاةِ .

هناك من الأتراك ، من  يتسوّلُ بصيغٍ أخرى ، ويتطفّلٌ على السائحين بحيلٍ وببضاعاتٍ مغشوشةٍ ، كلّها تصبُّ  في بازار التّيه والسؤالِ .

في كلّ هذه الأزقّة ، الحاراتِ ، الشوارعِ ، المطاعمِ ، الحاناتِ ،  الحدائقِ ، الزوايا ، الفنادقِ ، البازاراتِ ،  محلاتِ بيعِ الفواكهِ والخضرِ ، مرآبِ المدينةِ ، مخادعِها ، أسوارِها ، مقاهي ومطاعمَ ، متاجرَ ، ومساحاتٍ لونيّةٍ ، وخضرةِ باركاتٍ ، وفضاءاتٍ لا حصرَ لها ..

هناك تركْتُ فوبيا الخوفِ من الحيواناتِ الاليفةِ ، وأخصّها الكلابُ ، والقططُ.

على جسد اسطنبولَ  تنامُ الكلابُ آمنةً ، وعلى مزاج القططِ  تتنفّسُ صولجانُها ودلالُها .

في الحارات  والمقاهي وأفقِ  الأرضِ وحلمِ السماءِ … ، يشتبكُ المشهدُ بينَ مواطنٍ جائعٍ متسوّلٍ  وبين قطّةٍ باذخةِ الدّلالِ ..

والأقسى أنّ ماء تركيا ، غيرُ صالحٍ للشربِ ,, ريبةٌ جديدةٌ في التعامل مع الماءِ تضافُ إلى شكوكِكَ وهيامكَ في العوم بلا وصايا .

القططُ مدلّلة والكلابُ آمنةٌ..

هناك تراجعُ نفسَك عن سرّ هذا التناقضِ بين الثراءِ المجنونِ لوجود القطّةِ ودلالِها وأمنِ الكلابِ  ، وبين المستوى المعاشيّ للإنسان ..\

أهو مرافعةٌ لإعادة الاعتبارِ  لحقوق الحيواناتِ ، ؟؟

أهي سرّ في دلال القططِ  وحمايتِها من الجوع والتسوّلِ ،  في كلّ ركنٍ وزايةٍ هناك طعامٌ وماءٌ وعافيةٌ للقططِ.

وسماءٌ زرقاءُ لأحلام الكلابِ

كلّ هذا يحصلُ وهناك في الساحاتِ  أناسٌ لا يجدونَ كسرةَ خبزٍ وسقفٍ آمنٍ!!

على الطرقات السريعةِ  الخطرةِ ، يتسوّل الوافدُ غيرُ الشرعيّ لقمةَ عيشِه   تحتَ مزاجِ الموتِ .

لكنّها القططُ  تحظى بدعمٍ من بلديّة المدينةِ معَ فرمانٍ توافقيّ ، بأن تضعَ الغذاءَ والماءَ وعلى مزاجها  / أينما حلّتْ نوماً ويقظةً ..

الهزّات الأرضيّة  ودلالُ  القططِ والكلابِ

حينً تعرفُ فهلولةَ المدنِ ، وسببً مكياجِها ، ستعرفُ أنّها زائلةٌ ،  ولعلّ اكبرَ تحدٍّ يواجهُ مدنَ تركيا هو الزلزالُ…

وبما أنّ الزلزلَ درسٌ  لا يستوعبُهُ الإنسانُ كمقدمةٍ ونتيجةٍ ..ولكنّه يتحمّلُ آثارَه المدمرةً .

لذا جاؤوا بالقططِ و الكلابِ لتكونَ جرسَ إنذارٍ لوقوع الكارثةِ ..\

هنا أنابَ الإنسانُ ، وسلّم رايةَ الصراعِ بين الموتِ والحياةِ   إلى مؤشّراتِ وحدوسِ  القططِ والكلابِ ، لقدرتها العاليةِ على استشعار خطرِ الموتِ ..

هكذا يبتكرُ الإنسان مكرا، ويدلّلُ الحيواناتِ الداجنةَ في البرّ والبحرِ  أيضا. …..

كم هو عظيمٌ أن تكونَ الحيواناتُ الداجنةُ والاسماكُ في  البحر تستشعرُ خطرَ الزلازلِ والهزّاتِ الارضيٍةِ ، وتدقّ جرسَ الخطرِ للبشر النائمين في خانةِ الصفرِ من الوعي والقلقِ ،  إلى هزّةِ إنذارٍ مبكّرٍ ..

أليستْ هذه الحالةُ  تدلّ على إعجازٍ ما ، عجز َالإنسانُ عن التوصّلِ إليه ..

حيواناتٌ أليفةٌ وأسماكٌ داجنةٌ ، تشيرُ بكامل العقيرةِ والإشارةِ  إلى خطرٍ قادمٍ ..

لكنّ الإنسانَ  النائمَ لم يرتقِ  إلى سؤال وجودِه

لذا كانَ من وراء دلالِ القططِ وترويضِ الكلابِ

عقلٌ مجتمعيٌّ ،  عجزَ عن إيجاد الحلولِ  الواقعيّةِ ، ولجأ  الى الحضن الآمن

حضن الكلاب بوفائها والقطط بهمسها.

الجوع كافر حقا ، ولكن الحياة تستحق أن تعاش.

القبح لا يروض   ولكن الجمال  مظلة لشمس ، وراية للمحبة ، ومعطف للدفء..

هكذا يبدو السؤال أصفر النوايا وهو يحتمل كل الرياء عن سبب دلال الداجن من الحيوانات ..

وتفضيلها عن الكائن المسكون ببطنه والنظر دون ارنبة انفه، الكائن الفاقد لاستشعار الخطر والقبح عموما على حياته  !!!

لابد من كائنات تنوب عنه وله ، دلالاً  ومحبة وأمناً..

شارك مع أصدقائك