الموسيقى السومرية وابتكار السلّم الموسيقي الأول  د. خزعل الماجدي 

شارك مع أصدقائك

Loading

الموسيقى السومرية وابتكار السلّم الموسيقي الأول

د. خزعل الماجدي

(حياة الإنسان هي مقطوعة موسيقية تعزفها الآلهة ) :
السومريون هم أول من دوّن النوتة الموسيقية ، عن طريق المقاطع الكتابية المسمارية ، وقد اعتمد السلّم الموسيقى السومري على أساس النظام الرياضي السومري الستيني الذي ربط بين النغمات ورموزها المسمارية بالآلهة وأعدادها الرمزية ، ووضعوا السلّم الموسيقي السباعي الذي يستوجب درجة إضافية ليكون ثمانياً من أجل إعادة التكرار وهذه الدرجة الثامنة هي الاوكتاف وتمثلها الإلهة إنانا بأشعتها الثمانية حيث تسلسلها السادس في السلّم الموسيقي.
وهذا يعني أن الموسيقى السومرية ذات مدى صوتي واسع مكوّن من اوكتافين وثلثي الاوكتاف.
كان السبب في أن يكون السلم الموسيقي السومري سباعياً هو في اعتقادهم بأن سلالم الموسيقى تناظر النظام الفلكي ، بكواكبه السبعة ، ويناظر أيام الاسبوع ( المكون من سبعة أيام ) ورغم أن الإله إنكي كان هو إله الموسيقى إلاّ أن إنانا إلهة الحب والجمال كانت هي المسيطرة على أداء الموسيقى ولها قصيدة شهيرة تقول فيها على لسان كاهنتها (أنا الوتر الأول.. أنا الوتر الأخير) وهذا يعكس اقترانها بالإله آن والإله الأخير الأرضي ديموزي معاً.
وترى (نارايا ناميثون) رئيسة المجلس الدولي للموسيقى أن النظام الموسيقي الأقدم الذي نعرفه هو النظام السومري. حيث كانت الموسيقى السومرية مرافقة للطقوس الدينية وقد ظهرت وثائق موسيقية كثيرة تدل على نظام موسيقي متقن.وكانت الموسيقى السومرية موسيقى طقوس دينية في الأساس. وكانت أيضاً وسيلة من وسائل الرعاة لجذب الإلهة إنانا ومناداة كوكب الحب (الزهرة) وهو كوكبها وإنزالها إلى الأرض وتخديرها واللعب معها. حتى إذا ما أفاقت فتكت ذئابها بقطعانهم.
كانت (نايات) الرعاة تغني قبيل الفجر والغروب لإنانا أو عشتار. ثم دخلت الموسيقى في بلاط القصور من خلال كهنة الكالا (الموسيقى الدينية) وكهنة النار (الموسيقى الدنيوية) وكان الملك السومري (شولجي) يتفاخر بأنه مغنٍ وعازف أما بنات وحفيدات الملوك السومريين والأكديين فكنّ يعزفن الموسيقى بانتظام.وكان الموسيقي يحضى باحترام الجميع لأنه التميز في المدارس السومرية وقد أصبح أحد كبار الموسيقيين المغني السومري (نام خاني) حاكم منطقة لجش خلفاً للحاكم الخالد الذكر (جودّيا) الذي ذاع صيته في التاريخ.
يرى السومريون أن الآلهة تضع أقدار الناس في الموسيقى كما لو أن لكل إنسان مخلوق شفرةً موسيقية تتحكم بحياته وهي من صنع الآلهة، حيث تقول هذه الأبيات السومرية ما يشير لذلك:
“إضربي في البوق
واعزفي على الوتر
سأرى في ذلك الطريق
وأشاهد المشيئة المطلقة
إن إرادة الآلهة كتبت قدري
وشاهدتُ في عزفها حياتي القادمة”
وإذا تأملنا هذه الأبيات وتأملنا الموت الجماعي في مقبرة أور مع القيثارات السومرية فستخطر في بالنا مباشرة بأن الحياة تبدأ بالموسيقى وتنتهي بها. بل أن حياة الإنسان هي مقطوعة موسيقية تعزفها الآلهة.
كان هذا الشعب السومري يفكر بهذه الطريقة الراقية قبل خمسة آلاف سنة، في حين أنها لم تخطر في بال أروع المبدعين في القرن الحادي والعشرين من جميع الأمم.
وهذا بالضبط ما نريد قوله. وهو أن الموسيقى السومرية، بلا أدنى شكل، كانت متطورة تماماً.. ولكن من أين نعثر على موسيقاها التي بددها الزمن في طياته.
نعم.. هناك سلّم موسيقي سومري وهناك أعمال موسيقية كبيرة مدونة، ربما كانت جملٌ من هنا وهناك لا تفي بالغرض الآن لمعرفة ماذا كانت عليه هذه الموسيقى أو لإعادة عزفها.
ارتبطت الموسيقى السومرية بالإله إنكي الذي هو إ له الإبداع والفنون مثلما هو إله الماء والحياة والأرض. وفي عصر فجر السلالات ظهرت في معبد ننجرسو فرق موسيقية وغنائية كبيرة .
ولعل أكمل وأنضج الآلات الموسيقية السومرية هي القيثارة (الكنّارة) فهناك أنواع كثرة لها تصنف حسب المعدن الذي يغلف خشبها مثل (القيثارة الذهبية المحفوظة في المتحف العراقي، القيثارة الفضية المحفوظة في المتحف البريطاني وغيرها) وتصنف أيضاً حسب أوتارها فهناك قيثارة الـ(الأحد عشر وتراً التي عثر عليها في مقبرة أور وأنواع أخرى) وهناك آلة (بالاك) وهي القيثارة (هارب) وهناك القيثارة المنحنية التي تشبه القوس والقيثارة المثلثة .وارتبطت القيثارة بالإله آبو الذي كان رمزه الثور والذي يظهر في أغلب القيثارات في مقدمة الصندوق الخشبي للقيثارة وله لحية من الذهب وعيناه مرصعتان باللؤلؤ أو اللازورد.وتسمى القيثارة باللغة السومرية ( زَامِن) أي (لكي أمدح) والقصد منها لكي أمدح الآلهة.
All reactions:

علي السوداني, Bashar Harbi and 460 others

 

شارك مع أصدقائك