زها حديد .. ملكة المنحنيات
المهندسة المعمارية والأديبة
فاتن الصراف
العمارة مهنةٌ شاقّة لا تعتمد على العمل الفردي على عكس الكثير من المهن الأخرى، إنها تعتمد بشكل كبير على العمل الجماعي وما يمكن أن يقدمه كل شخص في فريق العمل من أفكار وحلول لإغناء المشروع وتطويره، وهذا ما يجعل منها مهنة أكثر متعة وتشويقاً للوصول الى نتاجٍ مُميَّز. تُعلِّمنا العمارة ان نكون اقوياء وأن نتحايل على الظروف الخارجية لننجح ونتطور في المهنة، وهذا ما يجعل منها مهنة تخلو من الرتابة. تذكر زهاء حديد في أحد لقائاتها أنّ ممارسة هذه المهنة بشكل صحيح أمرٌ صعبٌ للغاية ولا يخلو من الألم، وعندما يخرج عملاً معمارياً بشكلٍ سهل ودون ألم فلن يكون عملاً جيّداً. تُضيف حديد أنّ التحدي الكبير الذي يواجه المعمار هو أن يحاول تحقيق حلمه على أرض الواقع وهو أمرٌ يغدو صعباً حينما تمرُّ البلدان بأزمات اقتصادية أو سياسية، أو حين لا يجد المعمار مَن يمنحه فرصة لتصميم مشروعه أو ربما يُلغى المشروع على نحوٍ غير مُتوقَّع. كنتُ أتابع اللِّقاءات التي تتحدث فيها زهاء عن عملها شأني شأن غيري من المهتمّين بالعمارة، وكانت في أكثر من مناسبة تشير إلى أنّ ما حقّقتْهُ من نجاحات لم يأتِ بسهولة. هذا الأمر كان يمنحنا دافعاً للإستمرار والمضيّ قُدماً في طريقنا رغم كلّ ما يواجهنا من متاعب وتحدّيات.علَّمتنا زهاء أن نفكِّر خارج الصندوق وأن نؤمن بإمكاناتنا ونجتهد لإثبات أنفسنا، فهي تردّد دائماً أنّ كلَّ شيءٍ ممكن ولا حدود للإبداع والفكر الحُرّ. حين سُئِلتْ زهاء عمّا تطمح لأن تراه في بغداد، أجابت أنّ المدينة كغيرها من المدن تحتاج إلى مسارحَ ومراكز ثقافيّة ومدارسَ ومشاريع سكنية، لكنّ البداية يجب أن تكون من دراسة تخطيط المدينة بشكلٍ عام ووضع خطّة مدروسة للتعامل مع نسيجها الحضري ومعالجة شوارعها وأحيائها وطُرق توسعتها. وبعد أن يتمّ وضع تصوّرٍ كامل لما يمكن أن تُصبح عليه المدينة، يمكن التوجُّه بعد ذلك إلى إعداد التصاميم المعمارية لأبنيتها، وهذا بالتأكيد يمكن تطبيقه على باقي المدن. كانت زهاء تطمح للمشاركة في هذه المهمّة، لكنّها لم تُمنح الفرصة قبل أن ترحل عن عالمنا، ولعلّ ذلك يمنح الجهات المسؤولة عن صنع القرار في العراق فرصةً للتفكير بشكلٍ جادٍّ وفق هذه الرؤية والسعي لتحقيقها من خلال الإستعانة بالمتخصّصين في التخطيط الحضري والعمارة. رحلتْ زهاء وهي في قمّة نجاحها وتألُّقها، ولم تترك في بلدها الأُم سوى عملاً واحداً مازال قيد التنفيذ. هكذا يرحلُ المبدعون، لكنَّ أعمالهم وإنجازاتهم تبقى خالدة وتغدو سِيَرهم مصدر إلهامٍ كبير لأجيالٍ قادمة.