حوار مع الفنان محسن فرحان
حاورته : خلود الحسناوي
تنويه : لمناسبة ذكرى ميلاد الاستاذ الموسيقار العراقي الكبير الراحل الملحن
محسن فرحان بعد رحيله الى جوار ربه رحمه الله ، أعيد نشر هذا الحوار الذي أجريته معه منذ زمن ليس بالبعيد .. في مجلة الف يــاء الموقرة
كم نفتقد وجوده بيننا في المحافل الثقافية والنشاطات الفنية ..
رحمك الله وأسكنك فردوسه الأعلى .
شكرا للأستاذ وديع شامخ رئيس التحرير ولكل الكادر المبدع
…….
محسـن فـرحـان
مدرسـةُ شجـنِ كربــلاء
اللحن حالة روحية من حالات التصوف الإبداع
عندما يستقر المجتمع .. يبدأ سماع الأغاني ويبدأ الاسترخاء
الانتشار يختلف عن نجاح الأغنية
ابقى مدينا لكل هذه الناس الذين رافقوني بفترة مرضي وفترة علاجي بأحاسيسهم ومشاعرهم وارواحهم الرائعة
…………….
شجن كربلاء الذي أخذ بأحاسيس الفتى الواسطي كطير الحمام يخاطب الهوى الهاب ليمحو سود الليالي ويخبره ُشاكول اعليك لاتصدك اليحجون عنك وعني البارحة و.. زمان مابية اعوفن هلي اه يزماني ويستمر الإحساس ليقول :انا المالوم ، كوم انثر الهيل يافيض .. وغريبة الروح وحتى تكون احسن .. يكولون غني ابفرح .. هل غنى للفرح ؟
ومازال فارسا لكل زمان، يـسطر أروع ملاحم الجمال الموسيقي ،متجدد الطاقة لم يزل على قيد العطاء والإبداع .. مستبشراً لم يُـثنه بتر ساقه عن مواصلة المسيرة بساق واحدة بطريق ملؤه الشوك والعثرات ، مدرسةٌ بذاته يعطي من روحه ومشاعره كي يشجي أسماعنا بجميل الطرب ، أيقونة الموسيقى الأصيلة ، ذاك الذي عاند الزمن وأثبت انه قوي حيث قاوم ألام البتر بإيمان كبير بالقدر، وابتسامته المعهودة وهو يستهزأ بالزمن الغادر ويقول له بمليء الفم : لن استسلم لك مادامت ابتسامتي مشرقة ،(وما ارضى دمعة وي الكحل )..
الفرحان محسن رغم أوجاعه يُطِلُ علينا من جديد مرحاً كعادته ، يملأ ذاتك الزهو وأنت تحادثه ،تشعر بأجواء المحبة القديمة والحميمية التي افتقدناها وأنت تسمعه يداعب سمعك بكلمته المعهودة عندما يخاطبك (يعيوني).. خصنا الموسيقار الكبير محسن فرحان بـ هذا الحديث الشيق .
*كم من الوقت تأخذ منك الأغنية لتلحينها ؟
**بالحقيقة لا يوجد زمن محدد لذلك ،نقول: مثلا ساعتين او يومين او شهر او اكثر .. حسب المزاج الذي أعيشه حينها أو حسب قناعتي بالأغنية او سرعة طلب الأغنية ، هناك اغانٍ مطلوب تلحينها بسرعة لمناسبة معينة او لحدث معين ، وهناك اغنية أخذُ وقتي الكافي بتلحينها .. وأغلب الأغاني التي لحنتها لم تأخذ مني وقتا طويلا ،فقط أغنية واحدة هي التي اخذت مني وقتا وهي( ناطرة عيوني بدربكم مرة لهفة ومرة شوك وتسهر الروح على حبكم ولترافتكم تلوك )كتب كلماتها الشاعر جبار الغزي وغناها الفنان الكبير سعدون جابر .. هذه اخذت مني وقت لآن فيها عمل كبير .
*ماذا يشكل لك اللحن ؟
**اللحن هي حالة روحية ،حالة من حالات التصوف ،وحالة من حالات الإبداع واعتبرها جزء من نعمة او رزق الباري عز وجل للشاعر او الملحن .. لأن الشعر كما هو التلحين حالة إبداعية كبيرة ولا يمكن لأي إنسان أن يكون شاعرا او يكون ملحنا اذا لم يكن يمتلك الموهبة والقدرة الكافية ومتمكنا من أدواته ،وأيضا حالة من حالات التجلي النفسي والروحي لدى الملحن او الشاعر كذلك .
*الأغنية ألان ، هل تلبي حاجة المجتمع ؟
** هذا موضوع شائك..المجتمع الان مجتمع منقسم هناك أناس تستمع للأغاني وهناك أناس تحرم الأغاني هناك أناس لا يؤهلهم جوهم الذي يعيشون فيه وبيئتهم لاستماع الأغاني ، المجتمع الان يعيش حالة فوضى او (خربطة) .عندما يستقر المجتمع يبدا بسماع الأغاني ويبدا الاسترخاء ، أنت عندما تستمع لأغنية تكون مسترخيا وتسمعها وتصغي لها بكل حواسك اما اذا تداخلت أحاسيسك، ومشاعرك كانت مشتتة فلا يمكنك أن تستمع الى الأغنية او تنسجم معها .. الأغنية الحالية اغنية يوم أي اغنية أنيّة ، وهي كالوجبة السريعة والوجبة السريعة لا تلبي حاجة الإنسان أبدًا فالأغنية السريعة لا تلبي حاجة لإشباع الذات البشرية من النغم والصوت الجميل والموسيقى الجميلة ..اذاً الاغنية الحالية لا تمثل روح المجتمع العراقي حاليا ، بل تمثل شريحة بسيطة من الشباب وليس كل الشباب .
*الأغنية العراقية جزء مهم من الموروث الشعبي كيف نهتم بملامحها أو كيف نحافظ على هذا الموروث للمستقبل ؟
**هذا واجب الدولة وخصوصا الجهات المعنية وهي الإذاعة والتلفزيون أي مؤسسات الدولة الفنية التي تعنى بهذا الموضوع وهذا بالضبط واجبها لان سابقا كانت الإذاعة والتلفزيون تحتفظ بالأشرطة وتحافظ على الاغنية العراقية .
الان وجود قنوات تلفزيونية كثيرة تبث الاغنية العراقية .. لكن الثقل يقع على دائرة الفنون الموسيقية هي التي يجب ان تحافظ على التراث الغنائي العراقي الجيد والذي لا يمس ولا يخدش سماع العائلة العراقية او الإنساني العراقي .
*طيب هذا هو دور الدولة .. اذا ما دور المواطن في ذلك او المجتمع عموما؟
**المجتمع ليس له دور بذلك .. المجتمع يسمع، ليس مطلوبا منه ان يحتفظ بمكتبه ببيته .. لأننا من خلال تطبيق اليوتيوب نستمع لـ الاف الأغاني ومن خلال الهاتف أيضا فأنت غير ملزم بالحفاظ عليها .
*ألايمكن من خلال هذا السماع ان نشجع الأغنية سواء كانت جيدة او غير جيدة ونكون قد ساهمنا بنشرها خصوصا ان هناك أغانِ هابطة وليست بمستوى الذوق العام ؟
**تقريبا كما قلت قبل قليل ان المجتمع منقسم على ذاته وبه عدة فئات عمرية منها الأطفال والشباب و.. و.. الخ مختلفة .
*لكن لابد من دور للمجتمع كي يحافظ على تراثه ؟
**فعلا لكن هذا ما يقوم به المجتمع المتكامل .. من أين لكِ هذا المجتمع المتكامل الان ؟لديك اشكال والوان من التناقضات والسلبيات .. الشوارع مليئة بالأطفال الذين يبيعون علب الماء وغيرها وتلك المزابل المليئة بالأف العوائل التي تعمل من الصباح حتى المساء حتى تعيش وتأكل .. شعب ممزق أطالبه بان يحافظ على اغنية ؟!! هذا دور الدولة ومؤسسات المجتمع المدني .
*من هو المسؤول عن نجاح الأغنية او فشلها ؟**أولا نجاح الأغنية او فشلها يعتمد على الاغنية نفسها أي متى ما كانت الاغنية متكاملة كلاما ولحنا وصوتا ( كلام جيد لحن جيد أداء وصوت جيد ) متى ما توفرت هذه الشروط تعتبر هذه الاغنية ناجحة لكن لنقل مدى اتساع شهرتها بالوسط العراقي وما بين الناس تعتمد على تكرارها وإعادت بثها بالتلفزيون .
*شرط التكرار؟ بعد ان ذكرت شروط نجاحها الثلاث؟ ألا تكفي ؟
**هذه الاغنية الناجحة .. لكن الإنتشار يختلف عن نجاح الأغنية ،
*النجاح ألا يساهم بالإنتشار ؟
**لا هذا شكل وهذا شكل اخر.. لا نقل الاغنية الناجحة لنقل الاغنية الجيدة ليكون الوصف ادق .. الاغنية الجيدة هي التي يتكامل بها الكلام واللحن والأداء ،الانتشار هذا موضوع ثانٍ ، كم البث للأغنية هذا طبعا لو كانت الاغنية قوية من اول بث سوف تعلق بأذهان الناس لكن تكرارها يساهم بانتشارها لنقل حققت نجومية ..اي حققت شيء اكبر من النجاح الا وهو الانتشار .
*الاغنية العراقية موناليزا الطرب العربي ويقال ان هناك من شوهها ما دور الرواد بتصحيح ذلك التشويه ؟
**بصراحة نحن الان ليس لنا دور بالتصحيح .. لماذا؟ الاغنية الان تُنتج من قبل شركات وهذه الشركات لها مواصفات بالأغنية وهناك قنوات فضائية أيضا تبث الأغاني .. فنحن ليس لدينا سلطة على هذه الشركات والقنوات نحن اناس مجرد ملحنين .
*الرقابة .. الا توجد رقابة ؟
**الرقابة مهمة الدولة يجب ان تقوم بها ولا يمكن ان تقوم الدولة بالرقابة الان لأن القنوات الفضائية تبث من خارج البلد .
*وبالداخل .. كانت سابقا توجد لجان لفحص النصوص واجازتها ؟
**نعم سأخبرك لماذا.. لم تكن هناك قنوات بهذا الكم ،كانت توجد قناتين فقط قناة الأولى والثانية هذا بزمن السبعينيات ..فلا يوجد شخص يستطيع ان يقدم موهبته او اغانيه او أي نتاج فني الاَّ من خلال الاذاعة والتلفزيون .. وفيها عدة لجان ، لجان اختبار النصوص الشعرية ولجان لاختبار اللحن ولجان لاختبار الصوت الغنائي ،وهذا يعتبر فلتر حقيقي لظهور النتاج الجيد واللائق سواء كان شعرا او لحنا او صوتا ..ولما انتهت الإذاعة والتلفزيون بعد احداث 2003ظهرت القنوات الفضائية وظهور ما يسمى بالديمقراطية وانتشار الصحافة انتهى هنا دور الرقابة ولا توجد أي رقابة ، سابقا لا يمكن ان تقدم مسرحية مثلا اذا لم تجاز من الرقابة وحتى عندما تُقدم المسرحية لما يخرج الممثل عن النص كان يُحاسب لان هناك رقابة دائما على العمل الفني .
*اجد بهذه الإجابة نوع من التناقض في وقت اننا نذكر ان هناك ديمقراطية لكننا نجدها ساهمت بتشجيع الأشياء التي هي خارج ضوابط الأنظمة والقواعد والقوانين في وقت قبل دخول الديمقراطية كان يوجد لجان انضباط وفحص وتدقيق ؟
**هذا ما حصل في البلد .
*كلمات الاغنية هل لها دور في تحديد اللحن ؟
**اكيد فأنا لدي رأي دائما أذكره .. وهو ان الشعر الغنائي هو مفتاح الاغنية .. هو المفتاح للولوج الى العالم الجديد الذي سيفسر ماذا قال الشاعر .. أي هي عملية تفسير ،عندما يكتب لي أغنية حتى أوصلها لمشاعر الناس يجب عليَّ ان ألحنها بلحن يليق بالكلام اذا كان جميل ثم يأتي بالطبع دور المغني الذي سيوصلها بشكل أكثر من خلال صوته فالكلام هو مفتاح الاغنية ،هو باب النجاح الأول للأغنية .
*احيانا المطرب يغني كلمات لا يؤمن بها او لم تحرك مشاعره فلا يعطها من إحساسه كذلك الملحن وفق ما ذكرته ان للكلمات تأثير كبير على الملحن لدرجة الانسجام ويشعر انها جزء منه لذا نجده قد أعطاها أكثر وأكثر مما لديه من الطاقة والجمال .. هل ينطبق هذا الكلام على اغنية ( ناطرة عيوني بدربكم ) للشاعر جبار الغزي ؟
**كلامك صحيح .. لكن لم يصدف ان حدث ان لحنت اغنية لم أُؤمن بكلماتها لان اغلب الأغاني اما ان أطلب من الشاعر ان يكتب لي وفق السياقات التي اطلبها او شاعر يعرض عليّ اغنية لا أحس بها ولم تدغدغ مشاعري فلا الحنها، الاغنية التي لا تصل الى اعماقي لا استطيع ان اوصلها للناس .. لأنها عملية تصاعدية او لنقل متوالية عددية .. الشاعر، الملحن ،المطرب ،الجمهور.. كما قال الفنان الكبير محمد عبد الوهاب: أسباب نجاح الاغنية ليست ثلاثة انما هي أربع ،شاعر وملحن مؤدي والجمهور.. فالجمهور له دور كبير فاعل في نجاح الاغنية طبعا هذا اذا كانت الاغنية جيدة فدور الجمهور يكون بالاستماع والاستماع بحب وبشغف حتى يكررها مرات عدة ..لما تسمعي اغنية وتعجبك مؤكد سوف تسمعيها مرة وثانية وثالثة … الخ.
*وأحيانا تعجبك الاغنية وتكرر سماعها لكن لا تحفظ كلامها رغم حبك لها .
**هذه تبقى للمتلقي ومدى استجابته للأغنية في المكان والزمان المعين لان الاغنية أيضا يؤثر بوقت الاستماع لها ما تشعر به من حالة نفسية معينة خاصة اذا كنت تعيش حالة نفسية معينة خاصة بك وتسمع الاغنية فلو كانت تتطابق مع حالتك وما تشعر حينها ستتركز في داخلك ومخيلتك بمعنى انها ستضرب ضربة قوية بداخلك .. اما اذا لم تكن قريبة من معاناتك سوف لن تتقبلها وان كانت جميلة أي انها تتوافق مع ظرفك الذي تعيش حينها .. ولهذا السبب لما يقابلني الجمهور احيانا ويخبروني مثلا انهم قد سمعوا (غريبة الروح )مثلا لـ عشرين مرة او فلان اغنية كذا مرة .. وفي احد الأيام قال لي احدهم انه كان يستمع لأغنية ( لابيه اعوفن هلي ولابيه اعوف هواي) كنت اذهب للبياع افتح جهاز التسجيل تحت نافذة غرفة حبيبتي كي اسمعها إياها .. مايعني انه يعيش معاناة معينة يشعر انها تعبر عنه ،هذا جونا وما عبَّرت عنه الأغنية لذلك تجدها تبقى خالدة لسنين .
*اذا الاغنية الجميلة هي التي تعبر عن معاناة حقيقية للناس لذلك بقيت اغاني محسن فرحان خالدة وملائمة لكل زمن ولكل جيل وكأنها وليدة الساعة ؟
**ان اغلب الأغاني التي قمت بتلحينها لا تعتمد على الحب والغرام الشخصي وانما تعتمد على لغة إنسانية ليست مثل الكلمات المتداولة …احبك وتحبني وشوكت اشوفك …. لا لا ولو اخذت اغنية ( غريبة الروح) فيها لغة إنسانية لغة عمومية لكل المشاعر ولو اخذت ( ناطرة عيوني ، البارحة التي كتبها زهير الدجيلي ، البارحة هاجت اشواك العمر كلها البارحة حنيت الك بأكبر همومي البارحة ، نجمة تعاشرني غصب نجمة تكولي رايحة ..)هذه اغنية إنسانية ليست اغنية عواطف سطحية وهزيلة اغنية تدخل في عمق الذات البشرية في عمق الانسان واغنية ( يكولون غني بفرح واني الهموم اغناي )هذه اغنية إنسانية (دولاب فرني الوكت خميت الولايات )كلام ليس به لغة التخاطب الفردي بين شخص واخر وانما قضية عامة .. لهذا الحمد لله والشكر بقيت خالدة منذ 35 سنة واعتقد ولست جازما تبقى عند رب العالمين وتحولات الزمن في هذا البلد …ان الأغاني التي قمت بتلحينها ستبقى واغاني زملائي الملحنين كمال السيد وكوكب حمزة ومحمد جواد اموري وياسين الراوي ومحمد عبد المحسن وكثير من الملحنين الذين كانوا بالستينات ومن ثم اعتبروا من جيل السبعينيات تبقى اغانيهم خالدة ولا تذهب بسرعة .
*هل كان ذلك بسبب ان البلد انتشل نفسه من معاناة سنين وعقود سابقة وانتعاشه وازدهاره بالسبعينيات ؟
**لا .. فترة السبعينات هي فترة ازدهار في كل العالم عموما ليس في العراق فقط ،لو اخذت مصر تجدين أروع الأغاني التي قُدمت في السبعينات ولبنان أروع الأغاني قُدمت في السبعينات والكويت فوي أي دولة من دول العلم تجدين رموز للغناء وللشعر وللتمثيل والسينما ،فترة السبعينات فترة مزدهرة جدا لان الفترة التي سبقتها فترة دسمة فترة الستينيات والخمسينيات مزدهرة بالفنون والادب.
ولا ننسى ان فترة السبعينيات كانت الصناعة والفن والادب تسيران جنبا الى جنب اما في الثمانينيات والتسعينيات بدأت الصناعة تقفز قفزات كبيرة اما الادب والفن والموسيقى بقي مراوحا في مكانه وللتوضيح اكثر ان في فترة الثمانينيات ظهر جهاز عرض الفيديو والسيدي وظهرت الشريحة والرام (الذاكرة) والحاسوب وغيرها من هذه التقنيات وهنا تأخر الفن والغناء عن الصناعة فصارت هناك هوّة كبيرة بينهما وظهر جيل جديد يعتمد على هذه الأشياء بدليل اننا بهذه الاعمار لا نتمكن من اتقان استخدام هذه التقنية في حين أرى احفادي يستخدموها بحرفية عالية لذا تخلف الذوق والاحساس عن الصناعة فهي ازدهرت ونجحت مع ظهور تطوراتها كالإنسان الالي والروبوت وغيرها .. وانعدمت الاحاسيس واضمحلت .
*ما ذكرته هذا واقع ،مع ازدهار الصناعة الا انها اساءت الى الذائقة واصبحت سلاح ذو حدين .. الا نستطيع مع نهوض الصناعة ان نعمل على تطوير الذائقة ؟
**غير ممكن لا، الذائقة قضية مشاعر واحاسيس فهي لا تتطور .. لأنها أشياء وجدانية خلقت مع الانسان منذ بدء الخليقة .
*هل اثرت التقنية الجديدة التي يستخدمها الشباب الان على الأغاني ، أي ان جهاز واحد يحتوي على كل الأصوات ويعطي كم هائل من النغمات في حين كنتم تستخدمون الآلات الحقيقية ؟
**نعم كثيرا كثيرا .. موجود هذا الجهاز لكن لا يعطي تلك الروحية وذاك الحس الفني ،مثلا لو طلبت منه اقصد من يَعزِف على هذا الجهاز واطلب منه ان يُسمِعَني كمانات .. تَسمَعي الكمان لكن ليست فيه روحية الكمان الحقيقي لان العازف لما يستخدم اصبعه تجد هناك مشاعر واحاسيس والـ آلات لا تعطي تلك المشاعر .. ولو قلت له اعزف لي الناي ،ليس كما يعزف عازف الناي يضع من روحه في الناي فيخرج الصوت والنغم والة الساكسفون كذلك وبالمناسبة يكون الاختلاف جدا واضح لمن يركز في ذلك .
* سؤال تقليدي لكننا نريد المعرفة بشغف ذلك بعد فترة انقطاعك بسبب صحتك .. ماهي اخر اعمالك ؟
**اكيد لابد ان يتعرف الناس على اخر نتاجاتي بعد ظرفي الصحي الأخير وبعد ان تجاوزت ازمتي بفضل الله سبحانه ودعاء جمهوري الحبيب الذي تابع حالتي طيلة فترة مرضي كثيرا ولم يبخل بالدعاء لله تعالى بان يشفيني وان استعيد صحتي مرة أخرى والحمد لله لذا اقدم لهم كل تحياتي وشكري الكبيرين لكل هذا الحب والاهتمام الذي احاطوني به ، واما اخر نتاج لي كان تلحــين اغنية وطنية من انتاج شبكة الاعلام العراقي وهي اغنية ( كول الله )من كلمات الشاعر د.علي عبد الحمزة وأداء المجاميع .. بثت عبر الفضائية العراقية بالفترة الأخيرة .. وان شاء الله لن انقطع عن الإنتاج ومتواصل كما كنت سابقا والحمد لله .
*كما نعلم ان حضرتك خريج معهد الموسيقى العربية في القاهرة ويقال انك خريج اللغة الإنكليزية
ما مدى صحة هذه المعلومة ؟
**نعم انا خريج معهد الموسيقى العربية في القاهرة ،وجيد انكِ طرحتِ هذا السؤال لأني اود ان أوضح للقارئ الكريم ولجمهوري الحبيب اني لست خريج اللغة الإنكليزية ولكن .. لفترة من الفترات كنا انا والمطرب سعدون جابر لا نفترق بحكم العمل اصبح هناك خلط في هذا الموضوع لان سعدون هو خريج اللغة الانكليزية ولست انا ،وارجو ان تكون هذه المعلومة قد اتضحت لأنها كثيرا ما ترد في المواقع ويتداولها الاحبة والأصدقاء وهذه فرصة طيبة لذكرها .. هذه كل القصة لا اكثر .
*ما دور شبكة الاعلام العراقي في المرحلة التي يمر بها محسن فرحان الان ؟
**ان دور شبكة الاعلام مهم وكبير جدا وانا أتقدم بالشكر الجزيل لصديقي الأستاذ رئيس شبكة الاعلام مجاهد أبو الهيل هذا الرجل الذي جعلني اغير كثيرا من مسارات وضعي لأنني قررت مؤخرا ان اجلس في البيت ولا اخرج …لكنه اتصل بي وزارني لبيتي وعرض عليَّ مشاريع في الاذاعة والتلفزيون ونحن الان بصدد تغيير في تشكيلات قسم الموسيقى في شبكة الاعلام العراقية وسأكون مسؤولا عن هذا الموضوع وهناك استوديو كبير وهو الوحيد منه في الشرق الأوسط اهلته الشبكة فهو من الاستوديوهات التي تعرضت للتخريب والتدمير ولكن الشبكة اعادت تأهيله مرة أخرى وبشكل متطور اذ سنعمل على تطوير الغناء العراقي وتقديمه بشكله الجيد الذي تعودت عليه الناس وسيكون فيه عدة اقسام قسم المقام وقسم للغناء الريفي والحديث وسنبدأ به على بركة الله في اقرب وقت .. فالشبكة لها دور كبير في التغيير الذي سيطرأ على وضعي الجديد ان شاء الله .
*اذا ستعود لجان الفحص والتدقيق؟
**لا لا لكن نحن سندعو فلان من المطربين او فلان لتسجيل اغنية ممكن تتوفر فيهم الشروط اقصد شروط الاغنية الصالحة للتسجيل ، وهكذا سيكون العمل وفق هذا الأسلوب .
*تحت اشرافكم اكيد كـ كلمات ولحن .. الخ ؟
** طبعا ..اكيد لا يمكن ذلك ، لكن لدينا هيئة مصغرة من أربعة اشخاص تظم ملحن وشاعر ومخرج تلفزيوني ومخرج إذاعي يساهمون في تقديم الألوان الغنائية ولكن تحت اشرافنا .. من خلال تجربتنا مع المستمع العراقي نعرف ماذا يريد كل حسب عمره وجيله سواء كان شيخا ام شابا وغير ذلك ولو هناك شباب بعمر سبعة عشر عاما او اكثر ويستمع للأغاني السبعينية وما قبلها ، هذا ذائقته توب ونسميه السوبر .
*محسن فرحان بعد فترة مرضك الأخيرة هل تشعر بان محسن فرحان ولد من جديد ؟
**لم اولد من جديد هو نفسه محسن فرحان ،لكن تغيرت كثيرا لدي من مشاعري واحاسيسي وتصرفاتي بحسب وضعي الجديد اكيد لما أي شخص يمر بما مررت به لابد وان تتغير به كثيرا من المسائل لكني بقيت كما انا محسن فرحان نفس الابتسامة ونفس الاشراق والتفاؤل بالحياة وحب الحياة وحب الناس ، مسالة بسيطة جائز وممكن لكن لم يتغير كل شيء لدي .
*ماهي معاناتك بهذه المرحلة أي الفترة ما بعد الازمة الصحية التي المت بك ؟
**طبعا معاناة كبيرة الحركة أصبحت اقل وصعوبة التنقل ولقضاء مشاويري واشغالي انتظر أحدا من اهلي واصدقائي يأتوني كي يعينوني على ذلك .. اما قبل كان وضعي شكل اخر يعني باي لحظة اقود سيارتي وانهي كل اعمالي .. الان لا .. أصبحت ابسط الأشياء لا استطيع إنجازها ولو احتجت الى الدواء مثلا حين نفاده مني لابد من ان اكلف أحدا من الأصدقاء والاهل او اتصل بهم .. اكيد المور تغيرت كثيرا .
*من ناحية العلاج والحصول عليه والاستطباب الصحي ؟
**لا لا ليس لدي مشكلة من هذه الناحية الكل متعاونين معي من كل الجهات يعني المستشفيات الحكومية واصدقائي الأطباء يعينوني .. ثم اني ليس لدي مشكلة بالعلاج (أجريت عملية لبتر ساقي وخلص وانتهى كل شيء) ..اما الأمور الأخرى الحمد لله كالعلاج موجود .. الاّ اذا احتجته باللحظة لا يمكنني ذلك .. اكيد الأحوال اصبحت ليست كالسابق .
*لمــن تَــديـن ؟
**اديــن أولا لعائلتي التي رافقتني بفترة العلاج ولبعض الأصدقاء الأعزاء على قلبي الذين وقفوا الى جانبي ،وادين لحب الناس الكبير الذي غمروني به والذي حقيقة لا اعرف كيف اعبر عنه لأني تفاجأت بهذه الناس والاعداد الغفيرة التي كانت تأتي للمستشفى وبوقت كانت إدارة المستشفى قد منعت الزيارة لسوء وحساسية وضعي الصحي لكن بعد ذلك اخبروني ان عشرات الناس كانت تأتي ومنهم عوائل لزيارتي ولا يتمكنوا من الدخول .. انا بهذا ابقى مدينا لكل هذه الناس الذين رافقوني بفترة مرضي وفترة علاجي بأحاسيسهم ومشاعرهم وارواحهم الرائعة .