قراءة فى رواية
“أورورا الحب نجاح حرب”
للروائية الجزائرية
سهام بن لمدق
….
المهندس صابر الجنزوري
****
ليست هذه هى المرة الأولى التى أقرأ فيها للأستاذة سهام بن لمدق ، فقد صدر لها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب منذ عامين مجموعة قصصية بعنوان
” شيزوفرنيا ” وسعدت جدا بقراءتها حيث تأخذك المجموعة فى جو نفسي لقصص قصيرة كما يتضح
من العنوان وتحليل نفسي رائع للشخصيات وتدخل إلى أعماق النفس البشرية ببراعة.
وهى هنا تفعل ذلك فى رواية
” أورورا”
وكما يبدو من العنوان تضع المتلقى منذ البداية للتساؤل فماذا تقصد الكاتبة من العنوان الذى أتى غير معرفا واختارت اسما كما يبدو من قراءته أنه ينتمى لأسماء الأساطير القديمة والميثولوجيا الإغريقية ؟
وفى البحث عن أورورا تخبرنا الموسوعة الجوجلية عن ماهية ” أورورا ” فتقول:
أورورا فى اللغة الإنجليزية
(Aurora)
هى التشخيص الرومانى للفجر.
وهي المقابلة الرومانية للربة
” إيوس “
تظهر أورورا على شكل إمرأة
جميلة تطير عبر السماء معلنة وصول الشمس.
ولأورورا أخ هو “سول” (شمس) وأخت هي “لونا” (قمر) ولها عددا من الأزواج والأبناء.
أربعة أبناء هم الرياح الأربع (الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية).
كلمة «أورورا» تعني في اللاتينية الشفق أو الفجر .
فعندما يتوهج نور الشفق قرب الأفق، يخيل للرائي أن الشمس تستعد للبزوغ.
وقد استخدمت هذه اللفظة (أورورا) لأول مرة عام ١٦٢١، للدلالة على الأضواء الشمالية.
وتقول رواية
من الروايات، إن دموع
أورورا هي التي تسبب الندى حالما حيث تطير في السماء باكية أحد أبنائها الذي كان قد قتل ولا شك أن أورورا لم تكن نافذة الذكاء عندما طلبت من. “ زيوس ” الذى هو كبير الآلهة
أن يوافق على أن يكون واحدا من أزواجها من الخالدين، لأنها نسيت أن تطلب منه أن يدع له الشباب الدائم ونتيجة لذلك، صار زوجها طاعناً جداً في السن يزحف زحفاً وأصيب بالخرف ولم تكن أورورا مشهورة على نطاق واسع ..
أورورا إذا هى “إلهة الفجر“
أحبت بشرياً شاباً اسمه “تيتونس” وقد عرض زيوس
كبير الآلهة على أورورا أن تطلب ما تشاء لحبيبها الشاب، فطلبت أورورا أن يعطيه كبير الآلهة امتياز الحياة إلى الأبد، لكنها نسيت أن تطلب له الشباب الدائم فأصبح تيتونس، يكبر ويكبر في العمر ولم يدركه الموت، فصارت حياته لعنة بدلاً من أن تكون بركة وسعادة كما قصدت أورورا.
هذا هو معنى ” أورورا ” فى الميثولوجيا ودلالته من خلال العنوان الذى اختارته أستاذة سهام لروايتها ..
والمثل الذى يقول أن الجواب يظهر من خلال عنوانه فإنه قد لا ينطبق فى عالم الرواية والقصة إذ لا يستطيع أن يحكم المتلقى أو القارىء على مطابقة العنوان مع السرد والتفاصيل إلا مع أخر كلمة فى القصة أو الرواية وقد يتبين أحيانا أثناء السرد ولكن الحكم الكامل لابد أن يطلق مع أخر كلمة كتبها المؤلف .
****
البني المعرفية
وبنية الرواية وأبطالها :
تأخذنا الأستاذة سهام فى تمهيد خفيف مشوق وتلفت نظر المتلقى من بداية السطور الأولى أنه أمام رواية أخذت أحداثها من الواقع..
إذا فالأحداث حقيقية !
ثم تدلف بنا إلى البداية السيمائية والمشهدية من خلال بطلة النص
راضية وابن عمها عبدالحميد
فيظهر فى المشهد الحكيمة أو الطبيبة راضية وهى تجلس جوار عبده كما تناديى عبدالحميد وتخاطبه وهو فى غيبوبة إثر تعرضه لحادث سير وهو يقود دراجته البخارية التى اشترتها له أمه من فرنسا ..
ويظهر فى الصورة شخصية
الطبيبة ” سهام ” وهو اسم الكاتبة وتشارك بدور الراوي العليم المشارك فى الأحداث فيؤثر ويتأثر بالأحداث وكان ذلك من مفاجأت النص فى الرواية حتى أننا نكتشف فى النهاية أنها أضفت طابع التشويق بهذا التداخل منها صراحة كراوية ومشاركة باسمها فى الأحداث فذلك جعل القارىء فى حالة تصديق للأحداث وتطلع دائم إلى مصير أبطال الرواية.
****
السرد واللغة :
يأتى السرد سلسا بسيطا فى لغة بسيطة ربما تكون خالية من البلاغة والجماليات نظرا لما مهدت له الكاتبة فى البداية وقالت بواقعيتها فيتقبل القاريء ذلك.
وتمضى الأحداث فإذا شئنا أن ننظر للرواية بعد قراءتها كاملة فإننا نجد أنفسنا أمام فصلين أو قسمين أو جزئين
أو شقين :
الجزء الأول :
تأخذنا الكاتبة بداية من التمهيد ورسم الشخصيات والتعرف عليها وعلاقتهم بعضهم البعض فنجد
أسرتين مترابطتين
الأسرة الأولى:
أسرة عبد الحميد ووالده عبدالسلام الذى يعمل بوزارة الداخلية موظفا ثم أمه السيدة الطيبة زبيدة وله أخ تم ذكره لكن لم يكن مؤثرا فى الأحداث.
أسرة راضية :
فنرى والدها المحامي أ.أحمد وأمها زينب والتى تزوجت بأحمد عن قصة حب فكانت الدكتورة راضية أو الحكيمة كما يطلق عليها ثمرة هذا الزواج ..
ثم يأتى دور الجد وهو أب لكل من عبدالسلام وأحمد وهو الذى يتأثر ويؤثر فى عبد الحميد وراضية منذ الطفولة وتحفيظهم القرءان ..
ولكن من خلال السرد نشعر أنه رمزا للأصالة والوطنية والكفاح الجزائري أمام الإحتلال الفرنسي والذى أشارت له الكاتبة قليلا وليتها أعطت دورا أكبر وأحداثا أكثر لإظهار دور المستعمر .
يمشى السرد سلسا تقريبا حتى منتصف الرواية فيتضح قصة الحب التى ربطت بين عبد الحميد وراضية منذ الطفولة والعلاقات المتشابكة بين أفراد العائلة وعلاقة الراوي العليم فى شخصية سهام براضية كزميلة وطبيبة بالمشفى ولكنها كاتبة وبحس الكاتبة وجدت أن هناك قصة وحكاية كبيرة وراء عبد الحميد وراضية التى بدأت فى الطفولة والصبى والشباب رغم اختلاف توجه راضية العلمي وطموحها الدراسي فدرست الطب
بينما عبد الحميد اختار السياحة وتفوق فيها ..
لكن للقدر دائما حكمة وكان فراق بين الحبيبين !
ويتوقف بنا هذا الجزء عند بداية السر وراء الحادث الذى جاء بعبد الحميد إلى المشفى وقد فقد الذاكرة وكذلك سر الفراق الذى حدث بين الحبيبين ؟
****
من هي أورورا فى الرواية ؟
مع بداية الجزء الثانى نجد أن الرواية تخلت عن الطابع الرومانسي وأدخلتنا الكاتبة فى جو من التشويق والإثارة والجو البوليسي للسرد والأحداث ، وشتان بين طابعين أراهما متناقضين ومتوازيين ولكن جاء فى صالح الرواية بنسبة إلى حد ما جيدة !
حيث يظهر صديق الطفولة لعبد الحميد وراضية واسمه جميل وهو مريض بالغيرة والحقد علي أصحابه خاصة عبد الحميد ..وكان سببا فى فراق الحبيبين ولن أتعرض الى تفاصيل حتى يشتاق القارىء للرواية وتفاصيلها !
ثم تظهر ” أورورا “؟
إنها ” سيلين ” ..
تلك الفتاة اللعوب من أب جزائري وأمها فرنسية ، مثلها مثل جميل الذى ينحدر من أب جزائرى وأم فرنسية ، ولذلك نرى أن عبد الحميد وهو ف الغيبوبة كان ينادى على سيلين وجميل وينعتهما بالخيانة ؟
وكأن الكاتبة أرادت أن تلفت النظر للخيانة للوطن من خلال هؤلاء الذين هجنوا وليسوا من أصل جزائري صاف.
فجميل كان سببا فى فراق الحبيبين وكان سببا فى حادث عبد الحميد وصدم دراجته البخارية ليقتله عندما رأى عبد الحميد سيلين أو أورورا فى سيارته بعد أن أصبحت سيلين وهى دكتورة فى الأداب الاجتماعية خطيبته فطاردهما حتى صدمه جميل بسيارته الجيب ..
لكن جميل قتلته الحادثة ونقل عبد الحميد للمشفى واحتارت أورورا بجنينها الغير شرعي من جميل ؟
فيظهر فى الصورة المحقق “صابر” الذى يقف على حقيقة الحادث بعد أن اتهم والد جميل عبدالحميد بقتل جميل ، لكن المحقق ومساعده والشرطة يقفوا على حقيقة مقتل جميل وبراءة عبد الحميد ، وتتواصل أحداثا أخرى موازية لتلك الأحداث حتى نصل للنهاية ، يموت الجنين فى بطن أورورا وتكون نهايتها مأساوية !
يعيد الجد الذاكرة لعبد الحميد
فى إشارة إلى عودة الأصالة وروح الوطنية التى تمثلت فى الجد الذى يجمع بين احفاده
ويحذر عبد الحميد من الغيرة المرضية التى كانت أحد أسباب الفراق بينه وبين ابنة عمه وحبيبته راضية..
وتختم الرواية بقصيدة من شعر له تقول :
و اني قد اقص من الشغاف
على درب الحبيب بغير باع
ذرفت من الدموع تراب هم
و ضاع مع الشموع سنا الاوجاع
تبعت طريق منجاة لعلي
اثور بوهج قاص باغ
فقالوا نور حب الله احمد
محمد سيد الأنوار داع
فقد كان فرح راضية وعبد الحميد
متوافقا مع مناسبة المولد النبوي؟ وتلك إشارة من الكاتبة لها دلالة دينية لتمسك المجتمع بعاداته وتقاليده وأصالته.
تلك كانت حكاية أورورا
التى كتبتها الراوية العليمة والطبيبة زميلة راضية بناء على رغبة عبد الحميد وراضية فى نهاية الأحداث. ولاشك أنى حاولت أن لا أتعرض لكل التفاصيل فهناك أحداثا تخص الأب عبدالسلام وأحداثا يظهر فيها العم أحمد كمحامي وهناك ظهور لشخصيات أخرى لعبت دورا فى المؤامرة مع جميل ومع أورورا ضد عبد الحميد وراضية !
الجانب الفني للرواية:
كما جاء من خلال ما تقدم
فى هيكل النص الذى انقسم لشقين أحدهما رومانسي والأخر يميل إلى البوليسية والبحث عن الحقيقة فتكون بدايته ذروة وعقدة النص ونهايته انفراجه ونهاية الرواية بالكشف عن الحقيقة.
وقد نجحت الكاتبة بالفعل بالربط بينهما وكانت موفقة فى ذلك.
اعتمدت الكاتبة بشكل كبير بدورها كراو عليم للنص على التكنيك السيمائي فى ذكر الأحداث عن طريق خاصية الفلاش باك والربط بين الأحدث فكانت موفقة فى الإنتقالات بين الماضى والحاضر من خلال جمل قصيرة ليس فيها تكلف ولا تصنع فجاءت مباشرة وواضحة لا غموص فيها.
نأتي الأن كما قلنا فى مقدمة القراءة ونتكلم عن العنوان الذى تظهر دلالته مع أخر كلمة فى العمل الأدبي :
كان العنوان كما تقدم
” أورورا الحب نجاح حرب “
وذكرنا معنى الكلمة فى الميثولوجيا ..
وفى الرواية نجد أن بطلة النص المحورية هي
” راضية “
ونجد أن
” أورورا ”
هي سيلين الخائنة لعبد الحميد
وهى ليست البطلة الرئيسية للنص
ولكنها أحد أبطاله المؤثرة فى سير الأحدث وتصاعدها الدرامي حتى أن الكاتبة حاولت التعاطف معها فى آخر الرواية ولكن لم يشفع لها ما فعلته بما يتنافى مع أخلاق وقيم المجتمع ..
ومن هنا أضع للقارىء تلك المقارنة بين أورورا فى الميثولوجيا وأورورا فى الرواية..
وأورورا التى هي سيلين وليست البطلة المحورية للعمل ولكن أخذت الرواية اسمها رغم دورها الصعب المركب نفسيا مثل دور جميل المركب نفسية بلغة السينما وخيانتها فى ذات الوقت لعبد الحميد فهل كان العنوان والإختيار موفقان ونجح الحب وانتصر أمام الحرب والخيانة ؟
فى النهاية لا يسعنى إلا أن أهنئ الأستاذة الروائية سهام بن لمدق
على هذا العمل والجهد المبذول الذى قامت به ووصل لنا فى صورة عمل روائي وإبداعي رائع .
تمنياتي الطيبة ودعواتي أستاذة سهام بدوام التوفيق والإبداع والنجاح فى رحلة الأدب وعالمه الكبير.