بينما كنت أسير إلى المتنزه، شعرت بنسمة دافئة تعيدني إلى ذكريات الطفولة. خطواتي الصغيرة كانت تحملني يومًا نحو نفس المكان، حيث يختبئ في زواياه عالَمٌ خاص بي، مليء بالألوان والضحكات. لكن، هذه المرة شعرت أن شيئًا ما ينقصني. أغمضت عيني وحاولت أن أسترجع تلك الأيام: مشدات شعري القصير التي كانت تثبت خصلاتي الشقية، الحذاء الصغير الذي يضيء مع كل خطوة، وحقيبتي الملونة المليئة بأزهار الياسمين التي كنت أقطفها لأمي. كنت دائمًا أحمل دميتي الجميلة، أروي لها أسرارًا لا يعلمها أحد، وأرسم على وجهها البريء ابتسامة تريح قلبي. لكن اليوم… أين كل هذا؟ دخلت المتنزه، ولم يعد كالسابق. الأشجار بدت أطول، والمراجيح لم تبقَ تثير الحماسة في قلبي كما كانت. حتى الهواء يحمل رائحة غريبة، وكأن الزمن غيّر كل شيء. جلست على المقعد الخشبي القديم، أتأمل الأطفال من حولي. ضحكاتهم أعادت لي طيف ذكرياتي، لكنها سرعان ما تلاشت مع همسات الريح. فجأة، رأيت فتاة صغيرة تمر إلى جانبي. كانت ترتدي حذاءً يضيء مع خطواتها، وفي يدها دمية تشبه تمامًا دميتي التي كنت أحملها. توقفت أمامي بابتسامة مشرقة وسألتني: “هل تبحثين عن شيء؟” ابتسمت لها ولم أجب. شعرت للحظة أنني أرى نفسي في تلك الطفلة. أخرجت من حقيبتها وردة ياسمين ووضعتها في يدي قائلة: هذه لكِ. تجمدت للحظة، وأنا أحدق في الوردة. كان عطرها مألوفًا، وكأنه يعيد لي مشهدي القديم. شعرت أن الزمن منحني فرصة صغيرة لأستعيد جزءًا من تلك الذكريات التي كنت أظنها ضائعة. غادرت الفتاة، وتركتني وسط عطر الياسمين، أتنفس طفولتي من جديد. أدركت حينها أن الذكريات لا تضيع، بل تخبئها الحياة في زوايا نحتاج من يذكرنا بها، لتعود وتضيء أرواحنا.