في محطة الذهاب من بيروت إلى طوكيو، تراودك أحلام المسافر في زمن قادم، حيث يختصر طيران المستقبل رحلة يومين بثلاث ساعات. تنسى التعب الممض وأنت تحل بعاصمة الإمبراطورية السابقة “، كيوتو”، فتعرف سر بساطة الهايكو الشعر الذي قلب موازين الشعرية في العالم. قالت الصديقة كايكو ساكاي أن الأميركان رغم قسوتهم مع هيروشيما وكانتزاكي، أحجموا عن قصف كيوتو خوفا على آثارها العريقة. المدينة لم تكن مجرد متحف ومعابد ومحاريب وبيوت جيشا، بل هي سر اليابان الخفي، كبرياء البساطة والجمال والعذوبة. ستضل الطريق وأنت تتجول في طوكيو مدينة الثراء والعالم المتسارع، ناطحات السحاب وزحام الشوارع المترفة. ولكنك هنا في “، كيوتو” تمسك المدينة براحة كفك وتضعها مع اناء الزهور على مائدة الصباح.
في الطريق إلى معبد “الماء الطاهر” كان رذاذ المطر يعبر بين الأسلاك الرقيقة لأشعة الشمس. ترفع رأسك لتبحث عن غيمة فلا تجدها. هل هي بداية القصيدة؟. ربما تقول لنفسك، وانت تستحضر في كل منحدر ودرب صغير تلك اللمسات الرقيقة لعالم مسحور: انحناءات الأشجار، سقوف المباني، مدرجّات الحصى وانبثاق التكوينات الحجرية. حديقة الشرق السرية وسط الحوش وبين الفضاء المتعامد. تعرفها ولا تعرفها، تحتفظ بذكراها البعيدة وتجهل أسرار سواقيها.
كان المعبد يروي قصص المكان في تنويعاتها القديمة : الحكمة والخوف والسكينة. بشاعة وجوههم وقسوة أجسادهم تعارض صورته، فتماثيل بوذا التي تتكرر لا تتطابق ملامحها، ولكنها كلها توحي بالطمأنينة. هو لا يبدو عليه الخوف أو القلق فمن وضع له حراساً بشعين؟. الناس لا هو من يخاف، كان داي ياما – أو، الشاب الذي خطا قبلي في المعبد، قد أجاب على الفور. إذن وضعوا الحراس للناس كي يوقدوا الشموع ويطلبوا البركة. نعم اعتقد هذا ولو إنني لا أعرف الكثير من الطقوس، أجابني وهو ينظر إلى الشمعة التي أوقدها.
ما بين تمثال بوذا المتطامن مع العالم ومع نفسه، وصوره المتعددة التي تشترك بملامحها الأنثوية الناعمة، يكمن عالم ملغّز. أياديه الكثيرة تشير إلى عطاءاته ومعارفه وتحيل إلى المهن التي يحترفها. هو يبقى ساهماً يصلي كي يتوغل بعيداً داخل غابة نفسه. لم يكن بوذا مجرد ناسك يعيش عزلته، بل هو يمجد العمل والحياة، ويتآخى مع الطبيعة كي يطوعها ويتذوق خفايا الجمال والصحة والراحة فيها.
عندما حل عصر الميجي ( 1868- 1912) خرجت اليابان من عزلة النظام الإقطاعي إلى العالم، فانتقلت العاصمة من كيوتو إلى طوكيو، وبدأ التفاعل مع الحضارة الغربية، ولكن هل انتهى عهد الساموراي والقيم النبيلة؟.
اليابان بين دول الشرق أشدها فخراً وتمسكا بتقاليدها، ولكن ذلك الماضي لم يحل دون تبنيها أفضل تقاليد الحداثة الغربية، ومنجزاتها العلمية والتصنيعية على وجه التحديد. ولعل هزيمتها في الحرب العالمية الثانية ومنعها من النشاط العسكري، بما فيه انتاج القنبلة الذرية، قد خدم اقتصادها السلمي، فاتجه صراعها مع الغرب إلى مزيد من التصميم على التفوق الحضاري.
رغم دعاة الإنغلاق والوطنية الصارمة، الذين كانوا يشكلون نسبة يُحسب لها حساباً في المجتمع وبين النخب الثقافية، فان تطلّع اليابان إلى المستقبل وتفاعلها مع الحداثة، جعلها تمضي بعيداً في شوط انفتاحها وتنافذها مع المنجز الغربي، فتفوق اقتصادها على اقتصادات بريطانيا وفرنسا والمانيا مجتمعة. كل تلك التطورات تطلّبت نظاماً مختلفا عن النظام الشرقي الأبوي الذي كان يشكل جزءا أساسيا من تقاليدها. والزائر إلى اليابان يستطيع إدراك معنى المجتمع الجديد: الوفرة والثراء والعلم. فهذا المجتمع لا يقع خارج الفرد أو بحدود المنجز الشكلي، بل هو نظام حياة تراه في الملابس وطرق تنظيم المدينة الحديثة، وفي وجوه الناس الناشطة التي تفيض صحة ونظافة ونضارة، وهي تجري مسرعة إلى أعمالها.
في المجتمع الأكاديمي، كانت مواضيع العالم الثالث تشغلهم، من الهند وكوريا حتى العراق ومصر وتركيا وايران. انهم متشوقون إلى معرفة كل شيء. تقلقهم الحروب وعوائق التنمية وعثرات القوى الفاعلة في تلك المجتمعات. وفي مدينة الإمبراطورية القديمة، حيث تسكن الارستقراطية العريقة، يكتسح اليسار الجامعات والمصانع والوسط الأكاديمي في مفارقة لافتة. اليسار غاضب من سياسات حكومته، ولكنه يشارك في اللعبة الديمقراطية. وفي مركز الحزب الشيوعي بطوكيو لا تلمح صورة للينين او ماو او ماركس او لسكرتير حزبهم. هناك حيث الغرف الأنيقة والمبنى الذي لا يختلف عن دائرة أخرى، تجد صورة أطفال من البصرة، وشعار يتحدث عن بشاعة الاحتلال الامريكي للعراق. ستجد كراريس تروي قصة الفقر في اليابان والفوارق الطبقية والإجتماعية. فقد الحزب الشيوعي الكثير من مقاعده البرلمانية التي فاز بها في زمن ازدهار الشيوعية في ستينات وسبعينات القرن المنصرم، ورغم تشابه خطابه مع الماضي، فقد بقي قادراً على جذب الشباب والنساء إلى صفوفه.
عندما تتحدث عن الديمقراطية تلمح إبتسامة ساخرة على وجه محدثك الشاب. من قال ان حكومتنا ديمقراطية، لا يكفي البرلمان كي توصف بهكذا تسمية. حسن، لابد أن تتذكر ان صرامة الفرد الياباني لا تعادلها سوى ارتباكه أمام الاجنبي. يمتنع الناس عن التحدث بالانكليزية في الأسواق خشية إرتكاب الخطأ، فالياباني خجول، ولكنه صارم مع نفسه: هكذا تقول مياو رفيقتنا التي درست في القاهرة الحركات النسائية العربية.
طوكيو تأوربت أو تأمركت حتى كادت تنسى نفسها، ولا يهم أن تجد أمام قباحة ناطحات السحاب بعض أبنية جميلة تذكرك بالمعمار الياباني وإن شمخت على قامات الناس القصيرة. نساء طوكيو يرتدين آخر صرعات الجمال، وعلى إمتداد الشوارع تجد الماركات والاسواق العالمية : الباريسية والسويسرية والايطالية، وكل ما يخطر في البال من عالم الثراء. يقال ان طوكيو أغلى عواصم العالم، ولا يعادل كرم أهلها سوى تواضعهم وأدبهم الجم. ولأنها مدينة لا يقصدها مهاجرو البلدان الفقيرة، فقد غلب عليها التغربن المحلي، وبقي الثراء والنظافة والأبهة طابعها المميز. البروفسورة ساكاي تقول ان للشباب مدينتهم الأخرى الموازية لطوكيو، وهي تتعمد أن تكون النقيض. هم أكثر حداثة وفوضى، شوارعهم تفتقد النظافة وليلهم ضجيج وتمرد. أما مشاكلهم الأكبر فهي الانتحار، فقد زاد عدد المنتحرين بين الشباب في المدة الأخيرة. قلت : يبدو ان الانتحار بين الشباب نزعة شرقية. قالت: تقصدين شبابكم المنتمي الى القاعدة. أظن أن إختلاف الأسباب هنا نسبي، فالشاب الياباني عندما يخطط لإنتحاره، يظن انه ينتقم من المجتمع، مجتمعه الصغير في الأقل، ولكنه أيضا يؤمن بأنه سيذهب الى مكان ما في السماء، يتحدثون عن هذا المكان في الرسائل التي يتركون. الاختلاف يكمن في عدم قدرة الفتى هنا على إيذاء الآخرين كما يفعلون عندكم.
ولكن عقيدة الانتحار تراث الفارس النبيل الياباني. السوماراي يقتل نفسه كي يمحو العار عن عائلته، أو كي يخلّف أثرا لاينسى. الفعل الذي يذهب بجميع مهانات العالم، كما يقول ميشيما أشهر أديب ياباني إنتحر على طريقة الساموراي، فخلّف ضجيجا عالميا وترجمت كتبه وبيعت في كل انحاء العالم. وهي حجة تكمن خلفها مازوكية عالية كما نتخيل. يكتسب الانتحار في اليابان صورا شتى منها الإيحاء الفني، ثلاثة أكبر أدباء اليابان الذين عرفوا في العالم قضوا منتحرين. في رسالة من ميشيما إلى الروائي كاواباتا ياسوناري الحائز على نوبل في 1968، أعلن ميشيما رغبته بالانتحار، ولكنه كان يخاف أن يلحق العار أسرته من جراء فعلته “لا أستطيع تحمل سخريتهم من أطفالي بعد موتي. “. نظرته هنا وهو الفرنسي الإقامة اختلفت، ولكن ياسوناري نفسه مات منتحراً بعد سنتين من إنتحار ميشيما.
ياسوناري صاحب رواية “الجميلات النائمات” و”بلد الثلج” الفائزة بنوبل، كان شيخاً عندما انتحر، وبعد نجاحه وشيوع أعماله وترجمتها إلى اللغات الاخرى، بدت خاتمة إنتحارة مجرد حكاية يابانية من تلك الحكايات التي تضع النقطة الأخيرة في سطر الكتاب الأنيق. منافس ياسوناري الروائي أوسامو دازاي ( 1909- 1948) الذي عشق أدبه الشباب وبينهم ميشيما، كان قد سبق الاثنين إلى الانتحار. روايته “غروب الشمس” يعتبرها ميشيما ملحمة غنائية، أو ملحمة تاريخية لم تكتمل. كانت روايات كاواباتا، تمثل الوجه الجميل لليابان الوديعة الهادئة الرومانسية، الخلابة السحرية. في حين تمثل روايات دازاي القلق والتوتر، الرعب، الغروب، والسقوط. مجتمع اليابان المفتت ما بعد الحرب. إختلفت الدوافع إذن والمصير واحد.
صاحب رواية “القناع” ميشيما قدم نفسه كما هو الياباني. كان مؤمناً بالروح الوطنية، العسكراتاريا اليابانية، منتقداً مجتمع الغنى والوفرة والاستمتاع بالحياة : “الاستمتاع والحرية زائفان، وهذا ينعكس على الكتابة فقد أصبحت طعاما معلباً. ” هذه النزعة المتشائمة يرفضها الأدباء الجدد، مثلما يرفضون التمسك بتقاليد الكتابة القديمة وبينها شعر الهايكو الذي اكتشف عبره عزرا باوند النزعة الصورية. معلم الهايكو “باشو” (من شعراء القرن السابع عشر) اشتهر في الغرب اثر هذا الاكتشاف. والهايكو بيت واحد مكون من سبعة عشر مقطعا صوتيا باليابانية، ويكتب عادة في ثلاثة أشطر. هو الشعر الخالص والنظيف كما يسميه باوند. وهو بسيط ولا يحتوي على التشبيه والاستعارة، فعلاقة الشاعر مع الطبيعة والأشياء علاقة مباشرة وحسية وتشترط حساسية خاصة. ولكنه التعبير الأنسب عن الأرواحية في عقيدة اليابان ماقبل البوذية التي إمتزجت فيها بعد أن وفدت الأخيرة من الهند. فالاشياء والطبيعة لها روح في القصيدة وهي تتواصل مع الشاعر وتشكل جزءا من وجدانه.
تبقى وأنت في اليابان تبحث عن الشيء الضائع، عن قصيدة الهايكو التي تقول:
(حاشية ثوبها مطرزة بالزهور/ الكاحل يغوص عميقا في النرجس/ وهي تجمعه).
تبقى تحاول معرفة لغز البشر والأشياء التي تلتقيها، هناك أسرار معلّقة في الهواء يحرسها الكتمان والهدوء والكياسة الشرقية. ينحنون لبعضهم حتى تلامس الرؤوس الركب، ولكنهم يستبدلون مع الأجنبي هذه العادة بهزة رأس صغيرة. عروض طعامهم في الأسواق هي وحدها فن قائم بذاته. الصحون والعلب والسلال والمسطحات التي تحوي الوجبات او الحلوى، تنسّق مثل أنية الزهور. كل زاوية لها لونها ولمستها التي تتناغم مع مايجاورها لتشكل هارموني يجذب النظر، وقبل ان يحرّض الشهية يختبر الذوق الفني لصانعه. ستدرك سر عنايتهم بجمال الخزفيات وأنية الطعام، فطقس مائدتهم يضفي على فعالية مثل هذه نوعا من الهيبة والذوق الرفيع والحميمية.
تجلس على الأرض وتساهم في الطبخ بإناء خزفي يتوسط المائدة. وعلى مراحل تتذوق الطعام والشراب. تنبثق الضحكات وتشتد المناقشات في مسامرات الليل الشرقي، ويحضر جلال الدين الرومي والمعتزلة وحرب العراق، وتقاليد الجيشا والبوذية. يشرحون كل ما تريد، ويعقد من يعرف البلاد العربية مقارنة بين طعامهم وطعامنا أدبهم وأدبنا. تصوفهم وتصوفنا. تقول يوشيكو كوريتا التي درست في السودان ان الصوفية في الاسلام تشابه البوذية اليابانية، لهذا تستهوي الشباب الياباني. العرب تعرّفوا على الحضارة الصينية في تراثهم المكتوب ولم يعرفوا اليابان إلاّ حديثا. كنت اقول لها، نعم انت على حق تجيبني، فالحضارة الصينبة أعرق من حضارتنا. عقدة الصين تراها في متحف كيوتو. الكثير من مقتنياتهم صينية، وطريق الحرير الصيني هو أكبر من صناعة وتجارة، بل هو ثقافة تنقلّت عبرها قوافل الحضارات. إقتصادنا يعاني مشكلات، وإقتصاد الصين هو الذي سيغزو العالم في المستقبل. تقول سكاي دون خوف من بلد تربطه بالصين مشاكل عويصة.
الكتابة اليابانية الصورية مثل تقاليد الجيشا، لا يمكن الاستغناء عن سحرها وجمالها وطقوسها، ولكنها غير عملية ولا تناسب العصر الحاضر. كنا نبحث أنا وفالح عبد الجبار عن بيوت الجيشا في العاصمة القديمة، فذهبنا مع المحاضر المصري في قسم الإسلاميات – جامعة كيوتو محمد نوح. صحبتنا ساكاي إلى شارع الجيشا واسمه “الدرب المؤدي إلى الورد”. هي تقول اننا لن نجد بيوتاً للجيشا اليوم، بعد ان تحولن فنانات يؤدين طقوس الرقص والعزف والغناء. دور الاستراحة التي تستضيفهن هي الأغلى في اليابان ولا يقصدها سوى الأثرياء. بين الدروب تكتشف تلك الريازة الشرقية التي تذّكّرك بالمدن الإسلامية القديمة في المغرب والأندلس. أزقة ضيقة وطرز بناء ساحرة. تعلّق المصابيح على بواباتها وتسّور بمختلف النقوش. تضع صاحبة الدار الملح على العتبة، ليطرد الشر والحسد.
فجأة لمحت إحدى فتيات الجيشا قادمة، كانت تركض بخطوات سريعة مجتازة الشارع بخفة طائر. لحقتها لأصورها وناديت عليها، فانعطفت في زقاق ضيق واختفت. صفنت وحدي في عرض الشارع وسمعت ضحكة فالح من خلفي. مشهدها أثار حزني لا فضولي، فهي تختفي خلف قناع من المكياج والملابس الفاخرة. هي مثل حيوان مذعور في الحياة الحديثة النابضة، تخاف الضوء والناس. أول رواية لكوباتا “بلد الثلج” تحكي عن قصة حب بين فنان وفتاة من الجيشا، فهي رمز الأنوثة والحب المستحيل. الذي يريد الارتباط بفتاة الجيشا عليه دفع ثروة كبيرة كي يعتقها. هن مثل الجواري بعضهن يحاول الطيران خارج الأسر، فتتكسر أجنحته عندما يواجه الشمس. تلمح بعض حرج على وجه الياباني وهو يتحدث عن الجيشا. قلت لساكاي أعتقد أن مجتمع الحريم يشبه مجتمعات الجيشا مع فارق واحد ان كل الفتيات العربيات لرجل واحد. فابتسمت موافقة. أين هي المرأة اليابانية الآن، وهل هناك من يبيع ابنته؟. كنت اسألها. تقول انتهى عهد بيع البنات منذ زمن طويل. جيلنا الذي شب في السبعينات هو جيل العمل، فتيات المكاتب والنضال من أجل الحقوق. أمهاتنا تفتحن على فكرة العلم والخروج من البيت، وكنا نحن أكثر طموحا. الفتيات الجديدات لا يبدين اهتماما لا بالحركات النسوية و لا لطموحات المساواة، ورثن عن الأمهات بعض الحقوق، وما من مزيد. المرأة اليابانية بالطبع تحتل في كل الصناعات والوظائف مكانة، ولكنها لا تحتل في البرلمان حتى حصة مساوية لما تملكه المرأة العراقية. أثارت المقارنة دهشتي. وهل تحسبين مسرحية مشاركة النساء في البرلمان العراقي جادة؟. أعرف هذا. كانت تهز رأسها وتتجاوب مع ضحكي. مجرد إيتزاز نحتاجه حين نتكلم مع السياسيين.
في قسم الدراسات الاسلامية بجامعة كيوتو كان طلبة الدكتوراه يستمعون إلى محاضرة عن الحركات السياسية الاسلامية، يلقيها فالح عبد الجبار. رئيس القسم كوسوكي الذي قدم المحاضر، لم يجلب جمهوراً، بل اقتصر على طلبته كي تكون جلسة مفيدة تتفرع فيها الاسئلة من التصوف حتى المذاهب المتصارعة والحركات الانتحارية. الشاب الذي غيّر أسمه إلى حسن وأعتنق المذهب الأشعري، يجادل في المذاهب، وهو يكتب موضوعاً بالعربية عن إمكانية دخول غير المسلم إلى الجنة. يقول إعتنقت هذا المذهب لهذا السبب، فهو يسمح بهذا الأمر!. الدارسون يتكلمون العربية، ولكنهم أكثر طلاقة بالانكليزية. طالب تركي يدرس التصوف اختفى من النقاش. ذهبت الى غرفة الأنترنيت كي أبعث مادتي الى جريدة الرياض فوجدته يصلي. فتاة إيرانية تضع القناع على وجهها وتسأل عن ولاية الفقيه. سؤالها استنكاري، فقد مضت أكثر من عقد في اليابان وهي متزوجة من ياباني، وتتطلع الى ايران حديثة. أسألها ما قصة الأقنعة التي أراها في كل شارع على وجوه الناس. تقول : هؤلاء مثلي مصابون بالبرد، وكي لا تنتقل العدوى إلى الآخرين يضعون قناعاً. هذا هو سر من أسرار نجاح اليابان. كيف تؤدي واجبك إزاء المجتمع على أحسن وجه. تقاليد المجتمع الأبوي الصارم، تراث في الكدّ والجدّ يفخر الياباني بأنها مفتاح تطوره.
في تشيبا المدينة التي بدأ فيها مؤتمر “المجتمع والتنمية” رجعت الى غرفتنا في الفندق فوجدت الشغيلة على وشك أن تنتهي من تنظيف الغرفة. ترددت في منحها بخشيشاً، فقد كان وجهها يشبه وجه سيدة أعمال، وهي أكثر أناقة مني. وعندما قلت للأصدقاء هذا، قالوا حسنا فعلتِ، فالياباني مهما كان عمله يستنكف من البخشيش. لا بخشيش في المقهى أو المطعم او المطار او الفنادق. ولا رشوة او محسوبية في الدوائر، فهذه المعايب ليست فقط عاراً إجتماعيا، بل رفضها يُدرج ضمن تقاليد النبل والترفع التي يشترك فيها الغني والفقير
All reactions:
You, نضال القاضي, عبد علي الطعان and 21 others