استدراك الشُبهات في الشعر

شارك مع أصدقائك

Loading

 

ريسان الخزعلي

( 1 )
إن َّ نشرَ قصيدة ٍ أو قصائد في صحيفة أو مجلة لأوّل مرّة ، لا يعني ثبات شكلها ومضمونها نهائيّا ً في هذا النشر لدى بعض الشعراء ، بل حتى عند نشرها في الطبعة الأولى ، إذ نجد أحيانا ً قصيدة أو قصائد ، سبق وأن نُشرت في صحيفة أو مجلة ، غير أنّها تظهر بشكل آخر مُعدّل – زيادة ً أونقصانا ً أو تغييرا ً – في المجموعة الأولى للشاعر ، أو تظهر بشكل ٍ مُعدّل في الطبعة الثانية يختلف عمّا كان عليه في الطبعة الأولى للمجموعة ذاتها أو تظهركذلك بشكل آخرمُعدّل عند طبع الأعمال الشعرية الكاملة لاحقا ً. ويمكن إحالة سبب التعديل هذا بأنّه ُ يعود إلى تطوّر شعرية الشاعر وتطوّرثقافته الشعرية / الفنيّة ، مما يجعله ُ في موقف ِ مراجعة ِ ما كتب َ ، وقد وقف َ على ضرورة ِ ما يستوجب من تعديل . ومثل هذا التعديل يحتمل إزالة بعض شُبهات التشابه مع الآخر أو قطع طريق تفوّهات التأويل .
( 2 )
إن َّ الشاعر / أدونيس / هو أكثر الشعراء اهتماما ً بالتعديل والمراجعة ، إلى الحد ّ الذي يكتب على بعض طبعات مجاميعه الشعرية عبارة ( صياغة نهائيّة ) كما في طبعة دار الآداب 1988 ، أو يضع تقديما ً لأعماله الشعرية كما في طبعة دار المدى 1996 ، يوضّح فيه بأن َّ هذه الطبعة لا تضم قصائد مجاميعه الشعرية كما جاءت متسلسلة في كل ِّ مجموعه ، وإنّما جاءت بترتيب ٍ آخر ، إذ يقول :
آثرت ُ أن أنشر أعمالي َ الشعرية بترتيب ٍ آخر : القصائد القصيرة في مجلّد ، والقصائد الطويلة في مجلّد ، والنصوص غير الموزونة في مجلّد .
يتخلّى هذا الترتيب عن التتابع الزمني ، وفاء ً لتتابع البنية والإيقاع . إنّه ُ ترتيب ينحاز إلى السياق التشكيلي – الفني الذي يتأسس فيه النص ، وليس إلى تسلسل زمن كتابته أو نشره .
هكذا تُقطع هذه الطبعة كليّا ً مع الطبعات السابقة من هذه الأعمال ، إضافة ً إلى أنّها تنسخها . وهي ، إذن ، المعتمدة ، وحدها .
ولغرض توضيح فكرة الاستدراك وإزالة الشبهات والتأويلات – بطريقة ٍ ذكيّة – عند الشاعر / أدونيس / ..، أدرج ُ هنا له ُ نهاية قصيدة نثر منشورة في مجموعته الصادرة عن ( كتاب دُبي الثقافية ) عام 2008 بعنوان ( ليس الماء وحده جوابا ً عن العطش ) . كانت القصيدة بعنوان رئيسي ( سياسة الضّوء ) وقد ضمّت عناوين فرعية . ففي العنوان الفرعي ( هُو َ ) كانت النهاية هكذا :
عندما يقرأ ُ نصّا ً عظيما ً
يشعر ُ كأن َّ هذا النص َّ ” ينتصر ُ ” عليه :
ما أغْنَى ، وما أجمل َ هذه ِ ” الهزيمة ” !
في الأعمال الشعرية الكاملة الصادرة عن ( دار الساقي ) عام 2010 غيّرَ العنوان الرئيسي للقصيدة ، إذ جاءت بعنوان ( علم ٌ لا يصح ُّ إلا في الشعر ) وأبقى على العنوان الفرعي ذاته ( هُو َ ) ..، إلا أنّه ُ حذف نهاية هذه القصيدة الفرعيّة التي أشرت ُ إليها في طبعة ( كتاب دُبي الثقافية ) .
وقبل تأويل السبب ، لنلاحظ ، كيف وضع َ الفعل ( ينتصر ُ ) ومفردة ( الهزيمة ) بين قوسين صغيرين مزدوجين ! .
إن َّ مع َ الشاعر / أدونيس / يحصل أن يُشير إليه ( بعضهم ) بأنّه ُ منتحل ٌ ، وبعيدا ً عن مصداقية الانتحال من عدمها ، أدرك َ بأن َّ هذه الأشطر الثلاثة التي مر َّ ذكرها ، وبدلالة تأكيده ( الانتصار والهزيمة ) ..، قد تؤكد ما كان يُشيرإليه ( بعضهم ) . وببراعة استدراك ، حذف َ الأشطر الثلاثة ، لقطع الطريق على الشُبهات والتأويل ..، وأخشى أكون مُؤوِلاً آخر .
شارك مع أصدقائك