حوار مع المخرج السينمائي ريتشارد داندو

شارك مع أصدقائك

Loading

حاوره حبيب السامر

 

أفلامي عن الثوار والشعراء والكتّاب والمتمردين

كنا على موعد مع عرض سينمائي لفلم آرثر رامبو في برنامج المهرجان العالمي للشعر في تونس، وتحديدا في المركز الثقافي الفرنسي، وصلنا إلى قاعة العرض ، كان الفلم للتو بدأ، الصالة هادئة ومظلمة تماما، دلنا ضوء هاتفنا النقال الخافت على المقاعد، استمر العرض، وعيوننا تترقب الأحداث التي ألمّت بالشاعر الذي ذاع صيته في فرنسا، ووصلتنا ترجمات كتبه، وبُهِرنا بشعره، يتناول الفلم سيرة رامبو 1854- 1891 كما يرويها ممثلون يجسدون الشهود الرئيسيين الذين عاصروه، فضلا عن تصوير مشاهده في الأماكن التي وقعت فيها الأحداث التي توزعت في ثلاثة فصول ” صحارى الحب ،” موسم في الجحيم”، الملاك في المنفى”. وبعد عرض الفلم وسطوع الضوء في القاعة وقف رجل ثمانيني وهو يجيب على أسئلة واستفسارات الحاضرين، إنه المخرج السويسري ريتشارد داندو الذي صنع أربعين فلما من بينها “جيفارا”،” جينيه في شاتيلا”،” موسم في الجنة”، ” إعدام خائن الوطن إرنست س، وفي جعبته أكثر من خمسة عشر عملاً قيد الانجاز، وهو من مواليد زيورخ عام 1944، مخرج أفلام وثائقية وكاتب سيناريو لصور الثوار والشعراء والكتاب والمتمردين الصغار المشهورين عالميًا. وقتها اتفقت مع صديقنا الشاعر معز ماجد ليقوم بترجمة أسئلة حواري مع المخرج السويسري إلى الفرنسية واجاباته إلى العربية، فكان جهدا كبيرا، تشعب الحديث فكان هذا الحوار:
* لتكن البداية مع فيلمك الأخير، ما هو عنوانه، وموضوعات قصته، وطريقة إخراجه. هل يختلف عن أسلوبك الإخراجي؟
– فيلمي المقبل تدور أحداثه حول امرأة ألمانية سويسرية ومغنية شعبية، آملي أن يكون فيلمًا يحظى “بجمهورً كبيرً”، كونه يعد نوعًا كلاسيكيًا من الأفلام الوثائقية. إنها تغني بشكل جميل وهي مثيرة للغاية. لذلك أعتقد أن الناس سيحبون هذا الفيلم، ربما هناك بعض المغايرة في أعمالي من خلال هذا الفلم، لكن تبقى بصمتي واضحة في كل أعمالي، وهذا ما عملت عليه طيلة فترة اشتغالي في هذا المجال.
* ماهي الطريقة التي تعتمدها في صناعة أفلامك؟
– عادة، أتبع طريقتي الخاصة، واتجه بشكل كبير نحو السينما الوثائقية، وهي نوع من أنواع الببلوغرافيا، أميل إلى التعرف على الآخر، ومن هو الآخر، في أغلب الأحيان أصنع أفلامي عن الكتاب والشعراء، أعتبرهم المعلم الأول لنا، كونهم يمتلكون ملَكة الكلام وطريقة توصيل أفكارهم ، لأنهم أكثر الأشخاص الذين لهم القدرة على تمرير الحقيقة.
* أين تعرض أفلامك ؟ وما نوع الأفلام الذي تفضل، ولماذا؟
– عادةً، يتم تمويل أفلامي من قبل هيئة المعونة العامة السويسرية للأفلام، والتلفزيون السويسري العام، لذلك يتم عرضه أولاً في دور السينما السويسرية ولاحقا يتم عرضه على شاشة التلفزيون، أحيانًا أرسله إلى هذا المهرجان الدولي أو ذاك، لا أفكر بحجم الجمهور الذي سيرى أفلامي كونه له جوانب كثيرة وطرق متابعة مختلفة.
* هل جذبك عمل روائي طويل وقمت بإخراجه؟ ما هو، وما تفاصيله؟
– نعم، اشتغلت على رواية (هومو فيبر) هو عنوان الرواية المؤثرة التي ألفها المؤلف السويسري ماكس فريش والذي يعد بالنسبة لي الأب الروحي لجيله، التي نُشرت عام 1957. وعملت من هذه الرواية فيلما يجسد شخصية مؤثرة تقوم بتصوير النساء بكاميرا بسيطة، وهذه الفكرة اعطتني طريقة لإنجاز الفلم عن تأريخ تصوير الناس. على الرغم من قناعتي بالاشتغال على الشعر والسينما الشعرية وهذه الافلام تتطلب الدقة الكبيرة في العمل والاخراج ولا تقبل التوافقات.
* ما هي بصمة المخرج داندو في أفلامه ؟
– تهتم الأفلام الوثائقية في الغالب بالواقع والأشخاص الحقيقيين. لقد قمت أيضًا بعمل عدد معين من الأفلام الوثائقية التقليدية والعادية إلى حد ما. فقط عندما أتحدث عن الموتى، الكتاب والشعراء على سبيل المثال، علي أن أخترع نهجًا آخر، وهو بطريقة ما يتصف بالخيالي مع الممثلين والممثلات.
* أين تكمن قوة الفيلم السينمائي، وإحساس المشاهد بالمتعة؟
– في أفلامي هناك بعد تحليلي وبعد آخر متعلق بالإحساس، وأعتقد ان الشعور يولد في الذاكرة يدغدغ المشاعر ويستحضر العواطف، هنا تكمن القوة، حين تتفاعل مع هذه المكونات الرئيسة التي تلعب دورا مهما في متعة المشاهد، وتحاكي احاسيسه كونها تمثل جانبا حيويا في شد الجمهور المتابع.
* كيف تنظر إلى مروجي موجة الأفلام الجديدة؟
– ليس هناك الكثير من موجهي الموجة الجديدة الذين أحبهم. أنا تقليدي جدًا فيما يتعلق بالسينما وأحب السادة القدامى، حين ذهبت إلى باريس وعمري في العشرين للقاء جماعة الموجة الجديدة، كونهم تعلموا السينما من مشاهدة الافلام، كنت معجب جدا ب( كودو) وهو اكبر سينمائي في السينما الحديثة ومن المصادفة الجميلة وجدته في القاعة خلال مشاهدتي أول فلم هناك.
* التكنلوجيا الرقمية الحديثة دخلت في صناعة السينما، وغيرتها من حال إلى حال، كونك من الرعيل الأول وشهدتم هذا التحول، كيف تعاملتم معه؟
– بالنسبة لي هذا الأمر لا يعنيني بالمرة، لا أهتم بهذه التقنيات، اكتفي بكاميرا تعمل بجدارة لأصنع أفلامي، أنا فنان ولست تقنيا.
* ماذا أردت أن تقول في فيلم جيفارا والفكرة الإخراجية التي عملت عليها؟
– لقد قمت بتصوير الأشهر الستة من حياته في بوليفيا، متتبعًا خطواته من خلال إعداد مذكراته. إنه فيلم عن المسيرة التي أدت إلى وفاته وفهم موته على أنه نهاية حلم الثورة، أنا دائما أتحدث عبر الآخرين، مواضيع أفلامي أتعاطف معها وأحب ما يقولون وأتفق معهم، أن ما يميز الفيلم هو التعمق في تفاصيل سردها تشي في مذكراته لم تطرح من قبل في أي عمل سينمائي.
* لم يحظ فيلم آرثر رامبو بشعبية كبيرة في فرنسا. لماذا، وما هي الفكرة التي أردت إيصالها؟
– يفهم الفرنسيون رامبو بشكل أساسي على أنه كناية عن الشاب المتمرد والشاعر، وهو ما يشبه أسطورة شاعر الأطفال. أنا أعارض الذاكرة للأسطورة. في فيلمي، يحكي رامبو حياته الحقيقية من خلال أشعاره ورسائله، ويتحدث عنه الأشخاص الذين يعرفونه، مثل والدته، وأخته، وصديقه، ومعلمه، والشاعر فيرلين الذي لعب دوره الممثلون، حتى وفاته. الفرنسيون لا يريدون أن يصبغ رامبو ولا يريدون أن يعرفوا من هو حقاً وماذا أصبح كرجل. لذا، فقد تعرض فيلمي لللوم تمامًا وتم شحنه إلى فرنسا، ويمكنني القول إنه تم تدميره.
* لقد صنعت فيلماً عن “جينيه في شاتيلا”. يدور الفيلم حول الشاعر الفرنسي جان جينيه وعلاقاته مع الشعب الفلسطيني؟.
– كان جينيه في بيروت يوم مذبحة الشعب الفلسطيني على يد الميليشيات المسيحية الفاشية. ذهب جينيه لزيارة المكان وكتب عما حدث. وفي وقت لاحق كتب كتابه الأخير عن علاقته بالشعب الفلسطيني. فيلمي يدور حول ذلك.
* ما سر انتشار السينما الأميركية في العالم أكثر من سينما الدول الأوربية؟
– باختصار شديد لأنهم يبيعون بضاعتهم اسرع لذلك يربحون أكثر، هي فقط عملية تجارية لا أكثر.
* ما هو رأيك بالأفلام البيتية،حيث تغادر السينما باتجاه المشاهدة البيتية، كون السينما تذهب إلى البيت؟
– حقيقة، لا نعرف من يشاهدنا اليوم بفعل المشاهدة البيتية، الناس تتابع وبشغف ولا نعرف من يتابعنا، وضعت خمسة عشر فلما على اليوتيوب، المشكلة في عدم وجود حوار مع الجمهور.
* الشاشة هي حبك الأبدي. متى بدأت هذه الهواية، وما هو أول فيلم أخرجته، وكم فيلماً أخرجته؟
– صناعة الأفلام ليست هوايتي، بل مهنتي. لقد بدأت في عام 1970 وصنعت حوالي 40 فيلمًا في حياتي. عمري الآن 80 عاماً، وما زال لدي حوالي 10-15 مشروعًا سينمائيًا. أعتقد أنه لا ينبغي للمرء أبدًا أن يتوقف عن تحقيق أحلامه ومحاولة تحقيقها. بدون حلم وبدون مشاريع نموت. المشروع يمنحك القوة والأمل والتفاؤل. هذه هي الحياة.

شارك مع أصدقائك