يسران بعد عسر 

شارك مع أصدقائك

Loading

قـــصــة قـــصــيرة

محمد نجيب الجزار

•••

خرج صابر من بيته صباحا إلي عمله حزينا بعد فاصل من الشجار مع زوجته التي أرهقت كاهله بطلبات لبيتها ونفسها وأولادها ، واستطاعت أن تنتزع منه وعدا بتدبير المال اللازم لذلك عند عودته آخر النهار بعد العمل . … ندم صابر علي هذا الوعد الذي اقتلعته زوجته منه إذ كيف الحصول علي المال المطلوب وليس له إلي ذلك سبيل . .. هتف صابر في نفسه سأطلب من صاحب العمل سلفة تُقسَّط علي أقساط شهرية كما يسمح نظام العمل بذلك ، وصاحب العمل لن يخذلني فأنا مجتهد في عملي ومَحِل احترام من الجميع . وفور وصله إلي ساحة العمل دَلِف إلي مكتب صاحب الشركة فاستأذن عليه ، فلما أُذِن له وقف جامدا خوفا وخجلا ، وانعقد لسانه ولم تطعه شفتاه علي الكلام ، حتي استنطقه صاحب الشركة . وماإن نطق بالمطلوب حتي انتصب صاحب الشركة واقفا وقد احمرَّ وجهه وانتفخت أوداجه وعلا صوته وصاح في وجهه ألم أمنحك سلفة منذ شهرين وقبلها مكافأة ، أتظنه مالا سائبا ، أم تظنها مكتبا للشئون الإجتماعية ، وأمطره بوابل من ساخن الكلام وسَلَقه بحاد اللسان ، وصابر ينزوي علي نفسه شيئا فشيئا حتي كاد أن يذوب خجلا وحزنا ، ثم انصرف مقبلا علي عمله حزينا كسيرا صاغرا ذليلا دامع العينين . … انقضي يوم العمل وخرج صابر متوجها إلي بيته . فذكر زوجته وانتظارها أوبته والوعد الذي قطعه علي نفسه أن يعود مُحمَّلا بالمال المطلوب . فحاد عن الطريق وتوجه إلي مقهي اعتاد أن يجلس عليه حينا بعد حين ، لعله يجد اليوم بها أحدا يقرضه ، أو يغيب عن زوجته ريثما يُسقِط النوم رأسها وتروح في سبات عميق . … وما إن اقترب من المقهي حتي لمح أحد الدائنين ( سالم ) يحتسي الشاي ويدخن السجائر ، ولو رآه لطالبه بدينه الذي مرّ علي استحقاقه سنون وربما أسمعه مالايرضي من عنيف الكلام وقد يصل الأمر إلي السباب والالتحام . ارتدَّ صابر علي دُبُرِه وتراجع سريعا وانزوي خشية أن يدركه بصر الدائن . … سار صابر في طريقه لايلوي علي شئ ولايدري كيف سيكون الأمر ، وبينما هو يسير إلي جوار أحد المساجد إذ سمع المؤذن يعلو بصوته [ حي علي الصلاة .. حي علي الفلاح ] فقال في نفسه سوف ألجأ إلي الله وأدخل المسجد لأداء الصلاة . قال له شيطانه يُثبِّطه عن الصلاة : وهل تُوَزَّع في المساجد الأموال ، أم تتبدل فيها الأحوال ! ولكنه عصي شيطانه وألقمه حجرا ودخل المسجد يبتغي من الله رضاه . … أقيمت الصلاة ، وقام المؤذن بعد أدائها ينادي في الحاضرين : هل فيكم من يجيد إصلاح أجهزة التكييف ؟ نهض صابر واقفا رافعا يده نعم نعم إنها مهنتي وتخصصي في العمل ، ثم قام مع الرجل ، وماهي إلا ساعة حتي كان كل شئ علي مايرام ، فدفع إليه المؤذن مظروفا به مقدار كبير من المال قائلا : هذا المبلغ قد رصده الحاج صاحب المسجد والقائم علي شأنه لمن يصلح الجهازين . ولو سمحت أعطِني رقم هاتفك لنكون علي تواصل إذا احتجنا إليك هنا أو في منزل الحاج صاحب المسجد . … التقط صابر المظروف الذي هو له بمثابة طوق النجاة وقد دمعت عيناه وهو يتلو قول الله { ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب… } ثم خرج . … انصرف صابر إلي بيته عالي العنق واثق الخُطا تغمره السعادة والسرور . … دق جرس الباب .. فتحت زوجته وابتسامة عريضة تُجمِّل وجهها ، وعاجلته برقيق الكلام وبديع السلام قائلة أهلا وسهلا ياحبيبي . قال في نفسه وهل علمتْ بماحدث ؟ أمكشوفة عنها الحُجُب ! وقبل أن تنال الدهشة منه عاجلته بقولها : إن صاحب العمل قد حضر إلي هنا يسأل عنك ، وهو يعتذر إليك ، وقد ساءه مانالك منه في الصباح من بذئ الكلام وسوء المقام . فلم يكن مزاجه قيد الاعتدال . .. ثم دفعت إليه مظروفا وقالت هذا مبلغ من المال منحك إياه صاحب العمل منحة لاترد .

•••••

شارك مع أصدقائك