حوار  مع  الأديبة والباحثة  د. نجمة خليل حبيب

شارك مع أصدقائك

Loading

  حاورها الإعلامي عمر طافش

اولاً أود ان اشكر الأستاذ عمر طافش الذي اختارني لهذا الحوار وعلى اسئلته العميقة الخارجة عن المألوف في المقابلات

**-: بمن تأثرت الدكتورة نجمة خليل حبيب، قبل أن تنطلق في مسيرتها الأدبية؟

 *-: برأيي المتواضع، ما من موهبة أدبية (باستثناء النابغة الذبياني) إلا وكان لصاحبها/تها إرهاصات أولية. عن نفسي أقول:  كنت في الثانية عشرة من عمري عندما بدأت بقراءة روايات جرجي زيدان ومحاولة تقليد قصص الحب منها وكنت أخفي ما اكتبه بعيداً عن الأعين المتربصة بين طيات كتب قديمة. كبرتُ وكبر شغفي بالقراءة فكنت أقرأ  كل ما يقع عليه نظري. وقد وهبني الله جارة لطيفة كانت تعيرني روايات الهلال القديمة التي يختزنها زوجها مكافأة لمساعدتي لها ببعض الأعمال المنزلية البسيطة.روايات عربية ومترجمة لمجموعة كبيرة من الكتاب ك: نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، المنفلوطي، الكسندر دوماس، فيكتور هيغو،غوستاف فلوبير، كزافييه دو مونتبان وغيرهم

 **- وما هو موقع الكاتب الكبير الشهيد غسان كنفاني في هذا السياق؟
*-: تعرفت على أدب غسان كنفاني في عمر مبكر قبل ان تتبلور عاطفتي الوطنية وذلك من خلال برنامج من الإذاعة السورية قرأَتْ فيه المذيعة رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس”. جذبتني القصة وعلقت بذهني علوق وبر الصبار على الأصابع الطرية، وكان أكثر ما استوقفني الجملة الأخيرة  “لماذا لم تقرعوا أبواب الخزان”. لم أفهم وقتها رمزية الرواية، بل رأيت فيها عظة اجتماعية تنهي عن الصمت الجبان وتدعو إلى رفع الصوت عالياً في وجه الظلم، وجيّرْتُـها لقضايا نسوية تحريضية تشجع المرأة على رفع الصوت عالياً في وجه كل من يسعى لقمعها من أب وأخ وزوج ومجتمع. وفي عام 1966 انخرطتُ في عمل سري من خلال تنظيم “ج ت ف- طريق العودة” برئاسة شفيق الحوت رئيس مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، وعضوية قلة من المثقفين الفلسطينيين على رأسهم الأديبة الرائعة سميرة عزام التي تبنتني كأصغر عضو في التنظيم، فوجهتني لقراءة أدب غسان كنفاني. وكنت استعير كتبه ومقالاته التي كان ينشرها في مجلة الهدف من مكتبتها. ثم كانت نكسة 67 التي أصابتني_ إضافة إلى فجيعتي بربيبتي الروحية سميرة عزام_ بخيبة مريرة بأمتي العربية مرارة لا زلت أحسها إلى يومي هذا. كنت في الثامنة عشرة من عمري، ممتلئة عروبة وناصرية وأملاً بعودة لا شك في حصولها، فكفرت، ولا زلت، بكل التنظيمات والمؤسسات الحزبية. جاءت بعدها الحرب الأهلية في لبنان وجمّدت أحلامنا وصار تأمين ربطة الخبز وجرة الماء همنا الأساسي، إضافة إلى انشغالي بإنشاء عائلة من أربعة أبناء، مما أدى إلى انقطاعي عن ملاحقة حلمي حوالي عشرين سنة. وفي عام 1989 قررت العودة الى الجامعة اللبنانية لمتابعة تحصيلي العالي، وكان أن اخترت للبحث المتمم لدرجة الماجستير رسالة بعنوان “النموذج الإنساني في أدب غسان كنفاني” برعاية الدكتور وجيه فانوس واتممت بحثي بتقدير جيد جداً. ناقشْتُ رسالتي قبل شهر واحد من هجرتنا إلى أستراليا

**-كيف؟ أو من اكتشف ميولك الأدبية واهتمامك بالكتابة الإبداعية؟

*-: جئنا الى استراليا أواخر عام 1992 وكانت البلاد ترزح في ركود اقتصادي تعذر علينا (انا وزوجي) الحصول على عمل بمؤهلاتنا الجامعية، فكان ان دفعنا القسم الأكبر من مدخراتنا بدل إخلاء لمحل تجاري كنا نعمل فيه سبعة أيام بالأسبوع بمعدّل 14 ساعة في اليوم لنؤمن لأبنائنا التعليم والمستوى الاجتماعي اللائق. هذا العمل المضني جسدياً ومعنوياً هو الذي فجر طاقتي الإبداعية فصرت استرق الوقت لأكتب القصص القصيرة وأرسلها الى صحيفة التلغراف العربية الأسترالية، وكان رئيس تحريرها يومها أنيس غانم الذي آمن بموهبتي وحثني على الكتابة. هذه القصص كانت نواة كتابي القصصي الأول “. . . والأبناء يضرسون”. طبعاً العنوان منحوت من القول التوراتي، “الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون” وذلك بقصد البلاغة والإيجاز.

أما أول إصدار لي فكان كتاب “النموذج الإنساني في أدب غسان كنفاني” عام 1999، يومها دفعت بمخطوط رسالة الماجستير إلى أختي في لبنان، فحملته إلى آني كنفاني وهي بدورها دفعته لابن خالته فاروق غندور وهو عضو مؤسس للجنة تخليد غسان كنفاني، فنالت الدراسة إعجاب اللجنة فقد رأوا فيها إضاءة على ناحية اغفلتها الدراسات التي تناولت أدبه حتى حينه، هي المنحى الإنساني في ادب كنفاني. باختصار،  كان غسان كنفاني مثلي الأعلى، ليس في الكتابة الإبداعية، ولكن في صياغة الكثير من مفاهيمي في الحياة. تعلمت من مسرحية الباب ألّا انتظر مقابلاً لقاء أي عمل أقوم فيه. ومن رواية أم السعد تعرّفت كيف تكتب الشخصيات الواقعية. ومن الأعمى والأطرش تعلمت أن التخلف والجهل والفقر هي أسباب بلاء أمتنا العربية. من ناحية الأسلوب تعلمت الإيجاز والوصول الى الفكرة الكبيرة بكلمات قليلة. وتعلمت الكتابة الحداثية، أسلوب التداعي على وجه التحديد، من روايته “ما تبقّى لكم”

**–: من اين استقت الكاتبة أشخاص أعمالها الأدبية؟

*- كتاباتي هي مزيج من واقع ومتخيل، وشخصياتي أستقيها إما من تجاربي الحياتية، أو من شخوص روائية تركت أثراً في نفسي، سأعطيك مثلا على كل واحد منها من قصصي القصيرة جداً منعاً للإطالة:

نموذج (ا): خيش وحرير

داهمتني هذه الصورة فيما أنا أهدهد حفيدي لينام.

غريب أمر هذه الذاكرة كيف تلملم بضاعتها من بلاد الواق الواق دونما حساب لمنطق أو ترتيب فتعطف الحرير على الخيش والفحش على القداسة!

كيف وأنا أغني للحمام مرت صورة محمد الدرة

نموذج (ب): سعيد أبي النحس المتشائل

تعرّفْتُ عليه فوق إحدى مسارح سدني. قلْتُ فيما نحن خارجين من المسرح:

– حرام سعيد. صاح بي صيحة لفتت سمع جموع الخارجين من المسرح.

– سكِّر بوزك!…. العميل ما بيقولوا عنو حرام.

سكّرِت بوزي. لا احتراماً ولا اقتناعاً بل تفادياً لغضبة هوجاء قد تؤدي إلى طردي طرد الفريسيين من الهيكل.

عندها فقط تمنيت لو أنني أجيد العربية لأرى أين وقع الالتباس في تصنيف سعيد أبي النحس المتشائل، بعقلي! بعقل والدي!.. أم بعقل من فرنجه وأنطقه بالانكليزية؟

تقوم هذه القصة على حدث حقيقي هو عرض مسرحية المتشائل في سدني. ورأيتني بعد انتهاء العرض، أتخيل ماذا يمكن ان يدور في عقل صبي ولد وتربى في سدني؟ وكيف يمكن أن تكون ردة فعل الوالد الذي يعرف ما لا يعرفه ابنه؟ فكانت هذه القصة.

**-  حضرت قضية فلسطين، وقيم الحق والخير والعدالة والحرية، كما المرأة والطفولة في أعمالك الأدبية، كيف جسدت الدكتورة حبيب كل هذه القيم في أعمالها الأدبية؟

*- أنا امرأة فلسطينية سلب المغتصب الصهيوني حقها في أرضها ووطنها وانتمائها، وتعرضت للتهميش والظلم والكبت مذ وعت الوجود في بلد اللجوء من ذوي القربى، لذلك كان وسيكون كل نتاجي الأدبي والمعرفي يدور في فلك هذه القيم. سأحيل إلى بعض العناوين فقط منعاً للإطالة

أ- دور الروائيات العربيات في تنوير وتثوير المجتمع العربي

ب- أزمة الحرية الفكرية في المجتمع العربي المعاصر: مسبباتها وصراعاتها

ج- مفهوم العدالة وأنواعها في الرواية العربية المعاصرة

د- صراع الذات ضد إذلالات النفي: تفاح المجانين نموذجاً (هذا في البحوث)

اما في القصة والرواية فقّلَ أن خلا نص إما مباشرة او رمزاً يحيل إلى إحدى هذه القيم. خذ مثلاً قصة “جدتي تفقد الحلم”، فرغم ان الموضوع في ظاهره لا يمت بأي صلة لهذه القيم، ولكنه رمزياً، شديد الصلة بها. فالمرأة التي ترى نفسها في المنام حرباء يحاصرها صبيان أشقياء يرمونها بالحجارة، ويترصدها جارح من الطيور للانقضاض عليها، وفي الصباح إذ يذهب الحلم ويبقى أثره، يخيَّل إليها أن أطفالها يتهامسون ويقول واحدهم للآخر: أنظر وجه أمنا. إنها تشبه الحرباء. ليت والدي يطلقها ويتزوج امرأة أجمل. . . وفي طقس الصبحية التي تحييها والجارات كل صباح، تنتقل أوجاع بهية التي كان يضربها زوجها كلما سَكِرَ، اليها, ويصير جسدها مليئاً باللكمات كجسدها، وتصير نفسها خانعة كنفسها. لا أعتقد أن رمزية هذه الصور تخفى على أي قارئ/ قارئة متمعن

**- رغم الغوص في أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، وما تخللها من مآسٍ، ومجازر متنقلة، حصدت آلاف الأبرياء، ومن بينهم عائلات فلسطينية بأكملها، حاولت الكاتبة تجاوز كل تلك المرحلة ببشارة قدوم (الطفل) ربيع، الذي يعتبر البلسم لكل ما مر به من آلام

  1. فهل ينتظر الشعب الفلسطيني قدوم “ربيع” آخر، يفتح أبواب النصر المنتظر أمام ملايين اللاجئين الفلسطينيين، الذين قدموا فلذات أكبادهم شهداء على طريق التحرير والعودة؟

**- أنا عندي إيمان عميق بشعبي العربي عموماً والفلسطيني منه على وجه الخصوص. وأني لأرى ان الجسم الصهيوني ورم سرطاني في وطننا العربي ولا بد زائل. طبعاً لن يكون زواله على أيامي ولا على أيام أبنائي ربما، ولكنه لا بد زائل ولو بعد ألف عام. الصليبيون بنوا ممالك وحضارات امتدت من انطاكية إلى أورشليم. ثم، وبعد قرونٍ، لملموا اشلاءهم ورحلوا. انا متأكدة ان عظام غولدامائير في قبرها سوف تفرقع غضباً عندما يجيئ  هذا اليوم. وإيماني هذا، هو الذي أشاع الفرح في رواية “ربيع لم يزهر” رغم مأساويتها. فلقد كان أرييل شارون على أبواب بيروت وظل الأستاذ درويش يلقي على طلابه النكت المضحكة، وظل حسن واليسار يسترقان النظرة او كلمة الغزل او القبلة الخاطفة بين القنبلة وأختها

**- ما هو مشروعك الأدبي للفترة المقبلة؟
*- بل قل ما هي مشاريعك؟ فإني، رغم العقبات الصحية والعمرية التي تعترض طموحاتي، ولكني اعمل الآن على ثلاثة مشاريع لا أدري إذا كان القدر سوف يمهلني حتى اتممها وهي:
1- موضوع بحث في رواية ما بعد الحداثة في الرواية العربية
2- مجموعة قصص قصيرة جداً

3- رواية تحكي عن تصدع عائلة مهاجرة نتيجة صدمة ام بموت ابنها فقدت ازاءه قيمها وعميت عن تربية أبنائها التربية الحميدة

شكري مرة ثانية أستاذ طافش. أتمنى أن تنال هذه الإجابات إعجابك

شارك مع أصدقائك