من نيويورك إلى واشنطن العاصمة

شارك مع أصدقائك

Loading

من نيويورك إلى واشنطن

[slideshow_deploy id=’355′]

دينا سليم حنحن

في الانتخابات الأخيرة 2021، حصلت نزاعات على تولي السلطة، وفدت عيون العالم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عندما أحيط مبنى الكابيتول بسياج بطول مترين، ونصبت أعلاه الأسلاك الشائكة، أغبط نفسي أنني لم أكن في فترة النزاع على السلطة حتى تبقى الذكرى شبه القديمة في مخيلتي، للبيت الأبيض الكبير المحاط من جهاته الأربعة بحدائق غنّاء، حتى أن جهة منه أشرفت على الشارع مباشرة، وعبر مئات الأشخاص يوميا من الرصيف المحاذي، عبرتُ منه أيضا، ولمحتُ النور الذي تسرب من النافذة، وتساءلتُ إن كانت غرفة أوباما.

كنتُ قد أمضيتُ أسبوعا كاملا في مدينة نيويورك العظيمة جدا، والجميلة، والمختلفة عن جميع المدن الأمريكية، مدينة اكتظت بالناس إلى درجة غير معقولة، في ليلة، انخفضت درجة الحرارة المئوية ووصلت إلى ست درجات تحت الصفر، أصبتُ بحمى الأمعاء من شدة البرد، كان الألم شديدا، لكنني اضطررتُ في صبيحة اليوم التالي الاستمرار في مسار الرحلة، والتقدم نحو واشنطن العاصمة، رغم سوء حالتي الصحية.

مرت الحافلة عن حقول أشجار اللوز التي انتشرت على مد الطريق من نيويورك إلى واشنطن، استمرت الرحلة أكثر من أربع ساعات، لم أرَ منها السهول المزهوة بأشجار القطن إلا لماما، لأنني أمضيتُ جلّ الوقت ووجهي معلق فوق دلو ماء، أصبتُ بحالة تسمم خطيرة أدت بي إلى الغثيان والتقيؤ، لكنني رغم ذلك سرقت اللحظات، واستمتعت بما ازدانت به الأرض من زهر أشجار الخوخ والمشمش، مرّت الحافلة أيضا عن قطعان الغزلان، والأيائل الفالتة في الربوع الخضراء، اكتست بطبقة سميكة من الثلوج التي بدأت تتساقط، يعد المشوار رغم كل شيء رائعا. لم تتحسن حالتي الصحية، وبقيت على الحال ذاته ثلاثة أيام، أمضيتها داخل سريري في فندق قريب من البيت الأبيض.

سكن الهنود الأصليون (البسكاتوويون) واشنطن قبل أن تبدأ هجرة الأوربيين إليها نهاية القرن السابع عشر، أقيمت المدينة على نهر بوتماك، وسميت باسمها نسبة إلى مؤسس الولايات المتحدة، وأول رئيس لها، جورج واشنطن.

البيت الأبيض، مقر إقامة كل رئيس مُنتخب، يمضي فيه وأسرته طوال فترة توليه الحكم، ثم يخرج منه متنازلا عند انتهاء الفترة، تأسس سنة 1792، صمّمه المهندس جيمس هوبان، وهو من أصل إيرلندي نزح إلى أمريكا منذ تأسيسها، احضرت الحجارة البيضاء من اسكتلندا، وأشرف على بنائه الرئيس الأول لكنه لم يقم فيه، أول رئيس أقام فيه جون آدامز.

شيدت نصب تذكارية في المدينة للعديد من رؤساء أمريكا الذين تركوا بصمة دامغةفي التاريخ الأمريكي والعالمي، ومن أشهر البنايات الموجودة، مبنى مكتبة الكونغرس العملاقة، من أهم المعالم العالمية، وتعد الجدران من أجمل التصاميم، تأسست المكتبة سنة 1800، وطلبت أولى الكتب من لندن، لكن أحرقت جميعها سنة 1812 في الحرب التي دارت بين أمريكا الفتية وبريطانيا العظمى، استمرت الحرب حوالي ثلاث سنوات، عرض توماس جيفرسون فكرة قوبلت بالترحاب، هو قيادي، وساهم باستقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، وثالث رئيس، وكتب وثيقة الاستقلال، باع كتبه الشخصية البالغ عددها 6487 كتابًا، إلى الكونجرس، وتم شراؤها لصالح المكتبة إزاء مبلغ 23,950 دولارًا.

تجولتُ داخل المكتبة مع مرشد خاص قام بالشرح الوافي، وعزمت البقاء يوما كاملا، حتى أستطيع المرور ولو سريعا، على العناوين، ومشاهدة اللوحات التي شرحت الأحداث التاريخية التي حصلت في أمريكا، والمنحوتات الستة عشر المدهشة عن آلهة العلم والفنون الاغريقية.

امتازت واشنطن بتعداد متاحفها، أشهرها سلسلة متاحف سميث سميثسونيان، أقامتها عائلة ثرية، منها التاريخية، والتاريخ الطبيعي، والفن الحديث، والأزياء، التراث، الطوابع البريدية، متحف الأرصاد الجوية ومركز ناسا للسياح، ومركز ضم جميع محتويات ألبرت أينشتاين، ومكتبة شكسبير وغيرها.

لاحظتُ خلال تجوالي، نسبة السكان الأفارقة العالية التي تقيم في المدينة، تذكرت المسلسل التلفزيوني الأمريكي (جذور) Roots، إنتاج عام 1977، تناول حال عائلة أفريقية أيام العبودية، مسلسل جدير بالمشاهدة مجددا.

طلبتُ من النادلة في مطعم فخم كأس ماء بأسلوب راقي، فرحت كثيرا وقالت لي: ” هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها زبونا يقول لي من فضلك، ولو سمحتِ، وشكرًا، من أين حضرتكِ”؟ صراحة حزنتُ، وتذكرتُ المثل القائل: ” هيك هيك الكلمة طالعة، ليش ما نطلّع الكلمة الحلوة “؟ والكلمة الحلوة بلسما لجراح الكثيرين، فلماذا لا نكون بلسما لهم، وما هي الخسارة؟.

شارك مع أصدقائك