تعالي نرمّم السلالم الى القلب … انفتاح الخطاب الأيروسي.. نصير الشيخ

شارك مع أصدقائك

Loading

تعالي نرمم السلالم الى القلب …

انفتاح الخطاب الأيروسي

نصير الشيخ

1

ـــ تذهب الكتابة شعراً لفتح اكثر نوافذ نطل منها على جماليات الأداء، سواءً ما تمنحهُ لنا قدرة التخييل التي تجيء بها نصوص الشاعر، اوما يقع بين أيدينا من صورهي دليل إمكانية التعبيرالنصي لديه.

وهيثم جبارعباس في مجموعته الشعرية (( تعالي نرمم السلالم الى القلب)) والصادرة عن دار كيوان / سوريا ــ دمشق / ط1 2022.يدخل منطقة الجسد منطوقاً تعبيريا وجماليا حيزه ” الأنوثة” هذا العالم الضاج بعوالمهِ الحسية والمتماوج في تمظهراتهِ،والغامض في أسرارهِ والواضح في حضوره الطاغي.

وبدءً من العنوان ” الى زوجتي ….” وحتى اخر نص ” سألتقي بك” فضاء شعري عاج بحضور المرأة وتفاصيلها المعنوية والحسية ، المرأة / الأنثى التي تقاسمه التفاصيل اليومية والتي لايدخر جهدا في الغوص في ثنايا جسدها على مستوى النظروعلى مستوى التمازج الجسدي .وهو هنا يلقي علينا دروسه في كيفية التعامل مع الجسد الأنثوي ممثلاً بنصه ” نصائح ثملة ” والذي يخبرنا فيه الشاعرفهمه للحياة وزاوية نظره للكتابة عبر توجيه خطابه أو رسالته الى الأخر، هذا الاخرهو ربما ” ذات الشاعر نفسها ” أو مرآته يقف قبالتها دوما لتعلم وتعليم درس جديد في إبجدية الأنثى !!

وما الاشارات الكلامية من الشاعرالا هي ” تعاليم ” في كيفية الكشف عن البعد الجمالي وتحولاته الآيروسية والتي صبها في قالب شعري،اعتمد المفردة المنطوقة في إيصال هذه الشحنات العاطفية ليكتمل النص فسيفساءً تتشكل لوحة إثراخرى.كل هذا حاملا طاقته التعبيرية وباقتصاد لغوي حرص الشاعرعلى ايصاله لنا.وعند الذهاب أكثرفي رفع غشاوة الكلام بطبقته البلاغية وتزويقه الشعري،تظهر لنا طبقة المعنى بآهابها الآنثوي والمستلة من قاموس ” الجسد” وتعبيراته ،حيث جسد الورقة ــ خامة الكتابة وقرطاس الشاعرــ هي خارطة جسد الأنثى ومحبرة تدويناتهِ.يغمسُ فيه أصابعة للتوهج الكلمات ويحين قطاف التفاح .هو جسد الأنثى بكل وضوحه ورغائبه وآشاراتهِ وبلاغتهِ..

(( أنظرماذا يفعل ُالقلمُ العاشقُ للورقة

يفض بكارتها /ويملأ قلبها بالسواد/ ويتركها حبلى بالكلمات ” ص10.

ــ هيثم جباريختار مساحته الشعرية وسط النماء الإنساني  وحيازته الجمالية ممثلة في الحضور الطاغي للمرأة / الأنثى التي جاء حضورها تنويعاً ثراً لمدارج الحب في قواميسهِ، بدءً من شرارتهَ الطفلة بين عاشقين بثوب البراءة وصولاً الى الإندماج الجسدي والإبحار في مرايا الجسد وتفاحهِ.

النص المكتوب في بعض نصوص المجموعة جاءت على شكل تعاليم بثها الينا الشاعروهي تجعلنا نستعيد مفهوم ونظام ” الكاما سترا” في الديانات الهندوسية ، حيث الجنس يخضع لضوابط تتشكل بين الطرفين .وهنا الشاعريسطرها منطوقاً وافكاراً واشتهاءاتٍ في تبادلية نصية تحمل شفراتها الى الآخر، حيث نلمس صيغة الأمرفي فعل الشاعراو ” الذات الشاعرة” موجها نداءه اوأوامره الى الأخر وبهذا يتبدى لنا الشاعر كياناً واحدا ” ذاتاً ووجوداً” حاملاً طقوسه عند مذبح الجسد،مختفيا تماما الشاعركونه ” رائياً”.

(( عليك أن تفرشَ اسنانك بالحَلم

عليك ان تقرأ ” برهان العسل”/ قبل ان تبلغ سن الشهد

عليك أن تكتب بالقبلاتِ/وتمسح بالرعشة النافرة )).ص12

(( من عجينة نهدكِ خلق الله الحوريات القاصرات الطرف

ال ” لم” يطمثهن أنس ولا جان ،ومن زبدة خصركِ خلق الله ” الولدان المخلدون”. ص 29.

2

ـ تأخذنا عنوانات النصوص الى عتبة واضحة تسمي الأشياء بأسمائها،وكأنها تأخذ الجانب الإعترافي على مستوى الكتابة النصية او على  مستوى البوح العاطفي ،حيث عنوانات تسمى نساءً بأسمائهن الصريحة،ومؤكداً أن لهذه الأسماء حضور وأثر ومعنى وذكرى في الذات الشاعرة، لذا جاءت استعادتهن هنا لتعميق هذا الأثر والكشف عن وجودهن في ذات الشاعر..(( رسل / نجاة /خالدة/ كوثر/ الشاعرة وفاء/ سارة الهاشمية ” هذه العنوانات هي روافد أنثوية لنهر الشاعر، أو هي اغصان مورقة تنتمي لشجر الشاعروبساتينه ،سواء كانت تجربة ام ذكرى أم حدثا ام فعلاً آيروسيا ،وبذا تستعيد هذه الأسماء حضورها لأن مساحة الشعرهي الأقدردوما على تدوين هذا الحضور وكثافته، وبلغة ضاجةٍ بالوصف حينا،محملة على قدرٍ كبيرمن الإيحاء الآيروسي الذي ظل يتناوب بين التوهج بفعله الجمالي وارتقاءهِ وبين الوصف العابرحد الإنطفاء.

(( آآآه يا كوثر/ في كل صباح/توقظني القبلات/المتقافزة على الفراش/

والمتناثرة فوق الوسائد/وفي كل ليلٍ يدثرني العناق)) ص.56

(( نجاة.. ياكللك شهوات..يا كلك ملذات

يا اجمل من لغة الآهات عبر النقال/وسلام الله على النقال)) ص31.

ترى هل هو حضور نوعي للمرأة/ الأنثى وتعدد اسماءها، أم حضوركمي عبر هذا التحشيد المسمى،والذي ربما لانكاد نمسك مشتركات ما بينهن، سوى حضورهن التجاوري في نصوص الشاعر،هذا التنويع المسمى / النساء/ ،والذي امتد امامنا على صفحات المجموعة جسداً واحدا حفل بحسية عالية ،ماعدا نصين هما ” عشق مع الحشد وربما تكون الدهشة خالدة” وأرى ان وجودهما لاينتمي نوعما الى مناخ المجموعة الحافلة بالأثارة ومديات الضخ الشعري في ايقاد هذه الشعلة .

(( احبك، احب جسدك،وهو يتموج، احب خصرك،حين يتلوى غنجاً،احب اصابعك وهي تلمس شعري،احب نفاختي الصدروعنبتيهما ونملتيهما،فثمة ملحمة أزلية مابين اصابعي وقبتي الصدر)) ص71.

3

ــ المناخ العام للمجموعة ” تعالي نرمم السلالم الى القلب” هو المرأة ” كينونة ووجودا حسياً وانوثة طاغية “،حيث كل ماحولنا يفيض بهذه المفردات حتى الطبيعة تحضرشاهدة على الحب وتحولاته، كلها جاءت في التقاطات الشاعرلماحوله ،تجسد هنا في نص ” قصيدة الشجر”

(( حين يجلس عاشقان/تحت ظلي/تتهامس الشجيرات القريبة.

وحين ينقشان أسماءهما/ على جدران جذعي/ يتنابزانِ غيضا وحسدا/

اما انا فأزداد حباً وغرورا)) ص 50.

ــ ما فاضت به نصوص الشاعر هيثم جبارمن عوالم ومفردات الأنوثة والرغبات والتوحد الحسي والوصف الجسدي،والذي جاءت به كله لغة الشاعرحاملة عذوبتها حد التقطير، مستثمرة قاموسها ” البَصْرّيْ” بمفرداته التي تمد مجساتها الى النهر والنخل وشط العرب والسياح والطابك مؤثثا لنا عالماً شعرياً،وأحسب أن جرأة عالية اجتاحت هذه النصوص، كشف عن عوالمها السرية الشاعرتلك هي المخبوءات من حيواتنا والمهملة قصداً في جوارير” المسكوت عنه”، لكن الشاعر هنا فرش لنا مساحات خضراء من تجاربه وحيواته، إذ بانت حرارة التجربة في حضورها الحسي ورغائبها أكثرطواعية ومشهدية واضحة من صورة كلامية في مخيلتها السردية .

 

15.1.2023

شارك مع أصدقائك