أدونيس شاعر علوي
هذه ليست مسألة انتماء طائفي، بل مسألة انتماء فلسفي عميق. إنه يقف في قلب هذا التيار الباطني الذي صاغ رؤية مختلفة للوجود، تيار يقوم على التأويل، على كسر الظاهر، على تجاوز الحرف، على البحث في العمق عن الحقيقة التي لا تُقال صراحة. أدونيس لا يدّعي ذلك في بياناته، لكنه يقوله في نصوصه، في اختياراته، في صياغة مشروعه الشعري والفكري. هو ليس تابعًا لهذه الفلسفة بل هو استمرارها، صورة حديثة من تراث قديم، امتداد مباشر لروح المنتجب العاني والحسن بن مكزون السنجاري اللذين جعلا من الشعر ميدانًا للفكر الباطني، ومن القصيدة وسيلة للتأويل والانقلاب على المعنى الظاهري. ليس من قبيل المصادفة أن يقيم أدونيس مشروعه كله على فكرة الثابت والمتحول. الثابت هو سلطة النص المغلق، هو الأرثوذكسية التي أنتجتها القرون الطويلة من القمع العقائدي والسياسي. المتحول هو الثورة المستمرة، هو التأويل، هو الرفض، هو الخروج على المركز. هذا هو جوهر الفلسفة العلوية: الشك في اليقين، والبحث عن المعنى الخفي، والانتماء للهامش الذي يهدد المركز من الداخل. أدونيس شاعر علوي لأنه لا يؤمن بنهاية الحقيقة، ولا يثق باليقين، ولا يقف عند عتبة الموروث دون مساءلة. هو شاعر علوي لأنه يدرك أن الشعر ليس تكرارًا للمعروف، بل كشف للغائب، وخلق لمعنى لا يستقر. شاعر علوي لأنه يعرف أن الانتماء الحقيقي هو انتماء للعقل الحر، للفكر القلق، للروح التي ترى في الظاهر قيدًا، وفي الباطن أفقًا لا نهاية له. موقفه من الثورة السورية جاء من هذا المنظور نفسه. لم يكن دفاعًا عن سلطة ولا عن نظام، وحين ظهر في مظاهرة ادانة المجزرة العلوية، كان يعلن بصمت أن الهوية لا يجوز أن تكون مبررًا للمجزرة، وأن الفكر لا يمكن أن يولد من دم طائفي. كان يقف هناك، لا لأنه طائفي، بل لأنه شاعر علوي، ينتمي إلى تلك الروح التي عاشت دائمًا في الخفاء، مهدّدة دائمًا بالمحو. أدونيس يعيد اليوم هذا التراث من دون خوف، ومن دون مواربة. يعيد ما بدأه المنتجب العاني والحسن بن مزكون السنجاري، ولكن بلغة عصره، وبشجاعة المثقف الذي يعرف أنه يقف ضد تيار التاريخ الظالم. مشروعه هو مشروع فلسفة علوية تكتب نفسها شعرًا، وتعلن وجودها في عالم يحاول إسكاتها منذ قرون.
