فوز حمزة
أحاط المكان نور لم يألفه من قبل واكتسى كل شيء فيه بلون جديد، همسُ أسكت العصافير وأثار دهشة الطيور، نقلته لهم نسائم أول ربيع يمر على الأرض. آثارُ خطوات واثقة لرجل قوي وصوت حائر لامرأة تتسائل: – لم أعد أقوى يا آدم! ألا تتوقف قليلاً، ألا تشعر بالتعب مثلي؟! – أتوقف عندما تريّنَ جثتي لا تقاوم نقر الجوارح! – لم يعد باستطاعتي المسّير. – بل تستطيعين حوائي، لقد وعدتيني قبل هروبنا من الجنة بأنك ستكونين قربي في رحلة العودة. – أنا عند وعدي يا آدم، فأنت أول كلمة تنطقها شفاهي. – لذلك، لا تكثري الشكوى فهي تجعلني مكبلاً بكِ بقيود من حنين! – شعور غريب يسيطر عليّ، قدماي تقودني وقلبي يأمرني بالوقوف، أسمع لحنًا عذبًا! – أتركي هذا اللحن ينساب من بين شفتيكِ. – لقد أنساب مع دمي – هذا هو جوهر الوعد. بدأت لكِ بأول سطر، هذا هو حبكِ، لا أرى مناصًا آخر لأهرب منه إليه، بدونكِ لا أقوى على اشتياقي لكِ! – شعور قوي يخبرني بأننا ننتمي لهذه الأرض وكأني أحلق فوق جسدي، أتوسد الغيوم، أرانا نسير في درب طويلة على خيط من نور. – حبيبتي… نحن لا نختار خطواتنا في مسار الضوء، لكن أزل الكتابة أن نمشي ونحن أحوج ما نكون لنبصر طريق العودة للخروج من الضوء الأسود. – أبصر شيئًا لامعًا! – لا يوجد شيء بعيد عن متناول إحساسنا، النور في هذه الأرض هو الحب، لا تدعيه يهرب من بين خلاياكِ وأنتِ تحلقين بقلبك في الأغنيات، لا تكسري تلك النظرة الثاقبة، الأرض لن تقدم يد العون لنا. فلنوجه كبريائنا ليمتص كل هالة السواد أو الكثير منها. – سأخبرك بشيء يا آدم. – أخبريني يا جناح أملي الثاني. – النور خرج من ثنايا قلبي، شعرت به متسللًا مادًا أذرعه محتضنًا كل شيء وها هو يتناسل ليملأ الأرض من حولي! – أنا أيضاً سأخبرك بشيء يا حوائي، سّرٌ كبير، لقد تسللت من الجنة لأرى هذا السحر، أردتُ أن أرى لهفة القديسة في عيون كأنها آلهة النور! – هل تسمع همس الأشجار من حولنا؟! – نعم. أسمع همسها وغزلها واشتهائها أن تنام على قلبكِ في نهار صيفي. قالت بصوت تملؤه الغيره: من هو المخلوق الذي استحق أن يستحوذ على قلبها؟! همهمت إحدى الشجيرات المعمرة: إنه أول آدم، قبل آلاف السنين حاول كثير من المخلوقات أن ينافسوا ذلك الآدمي فيها وباؤوا بالفشل! – هل أخبرتك السبب؟ – أخبريني أنتِ. – لأن كل شيء في الكون لا يجذب إلا شبيهه، ولا يشبه حواء إلا آدم! – هذا هو وقود الأمل يا حوائي، فلا تسكبي الوقودَ هدرًا! – ما هذه الظّلال التي تتبعنا يا آدم؟ – بل نحن ظّلالها! هذه حقيقتنا ونحن من يتبعها. – لقد محوت الأمواج خطواتنا. – أنا وأنتِ لا تقوى أمواج البحر على محو خطوات رجوعنا إلى النور، بدوننا لن يكون هناك موج ولا بحر ولا معنى لوجود النور، بدوننا لن يستقيم التوقيت لقراءة ما يأتي ومن أجلنا تموت وتحيا الشمس كل يوم. – هل لنا من عودة؟! – بإمكانكِ صياغة عودتنا فتصير أجمل من حياتنا الأزلية. قدر الأرض أنْ تُعرفَ بنا، فلولا الإنسان لبقيت الأرض مجهولة . – لكن لولا الأرض لما كان لنا ملجّأ أو أمل! أحاط آدم بذراعه جسد حواءه وسارا نحو منابع النور وشلالات الضياء ليبدأ مسيرة الخلود.