ومضة في ذاكرة السمك

شارك مع أصدقائك

Loading

قصة قصيرة

فوز حمزة

حمل طبق السمك وقربه من أنفه وبعد أن امتلأت رئتاه بالرائحة، فتح عينيه بنشوة وقال: – أيتّها السيدات، انتبهنّ جيدًا، هذا هو الطريق إلى قلوبنا! بعد هنيهة، غير نبرة صوته ليبدو أكثر جدية، فقال: – أيّها السادة، لا تعبدوا السبيل إلى قلوبِكم، أتركوها وعرة لتفوز بها أكثر النساء صبرًا، الأصدق مشاعر ثم جلس على كرسيه ليربّتَ على ظهرِ كلبه المستلقي عند قدميهِ. فجأة رفع رأسه ليسألهم محدقًا فيهم باستغراب: – من أنتم؟ ماذا تفعلون هنا؟! ضحكة بدرتْ من السيدة الشقراء ذات القبعة السوداء لفتت انتباهه و أطرق يفكر، هل هي إحدى عشيقاته السابقات؟ لا يظنُّ، لم يتعود دعوتهن إلى أيّة مأدبة يقيمها، ربما موظفة في إحدى شركاته! لو أنّها كذلك لما جلستْ قريبة منه لهذا الحد، ثمة خطوط حمراء رسمها بخبرته الطويلة لا يجرؤ أحد على تجاوزها. شعر بالغيرة عندما لمحها تغمز للطبيب الجالس على طرف الطاولة الآخر. حدق في الطبيب، شمّ منه رائحة دواء حملته لزمن بعيد. قطع الخادم حبل أفكاره وهو يخبره بأمر الفتاة التي تنتظره في غرفة المكتب. لم يأبه له ملتفتًا نحو الطبيب سائلاً إياه بغضب: – ماذا تفعل هنا؟ لماذا وضعتْ الحقائب في المرسيدس بدل الشوفرليه أيها الغبي؟! ساد صمت قصير قبل أن يهمس الطبيب في أذن رجل الأعمال البدين الجالس بجانبه غير مهتم بما سَمع. هزَّ الأخير رأسه علامة الموافقة. سحبَ ذراع خادمه ليجبره على الانحناء ليهمسَ في أذنه: – هل تعرف؟ هذان لصان كبيران، لقد سرقا مني زجاجات الويسكي المعتق حينما كنت في رحلة صيد. – اهدأ سيدي، لا تهتم الآن إلا بأمر الفتاة، إنها بانتظارك منذ ساعتين. ردّ الخادم وهو ينظر إلى الطبيب ورجل الأعمال اللذين تصافحا بالرغم من أنّ يد رجل الأعمال قد أزعجت الشاب ذا اللحية السوداء، لكن أصابع السيدة العجوز التي امتدت من تحت الطاولة لتحسس على ساقه شغلته عن سماع حديث الفتاة التي كانت تجلس قبالته وبجانبها طفلة في العاشرة من عمرها تلهو بدميتها. رفع الجميع كؤوسهم في الهواء متمنين الصحة لبعضهم وقبلها لسيد المنزل. التفت صوب الخادم يسأله: – من يكون صاحب اللحية؟ ربما هو موظف الضرائب جاء يبتزني! – إنه ابنك سيدي! كيف نسيته؟ – ابني مات في الحرب! – إنه ابنك الآخر و تلك العجوز صديقة العائلة، الفتاة هي ابنتك التي قدمت من الخارج بعد إنهاء دراستها، ستصبح محامية، لقد أخبرتك بالأمس عن موعد وصولها، ألا تذكر؟ – ظننتها أمي، لكن أمي الآن في حفل لإحدى صديقاتها! والطفلة التي تحتضن كلبي، من تكون؟ – حفيدتكَ المدللة، اليوم هو ذكرى مولدها العاشر. تطلع بصمت إلى القمر الرصاصي في السماء. شعر كأن مجرة كاملة تفصله عن هؤلاء. مئات من النوافذ المغلقة تقف بينه وبينهم، آلاف من النجوم سقطت لتبدو سماؤه مكفهرة. تطلع إلى وجوههم التي بدت بلا ملامح. رأى كل الأشياء التي تحيط به مثقلة بِظلالها. سأل خادمه متلفتًا بينهم: – من هؤلاء؟ أنا لا أعرفهم! – إنّهم عائلتك سيدي، وهذا بيتك، دعني أساعدك على النهوض، الممرضة بانتظارنا. وهو يسير صوب باب البيت، توقف فجأة ليسأل الخادم محدقًا في عينيه باستغراب كبير: – مَنْ أنت؟!
شارك مع أصدقائك