السخرية ملح الكتابة

شارك مع أصدقائك

Loading

مصطفى لغتيري / المغرب

 

تعاني بعض الكتابات الإبداعية قصة وشعرا و رواية من طغيان الحزن على متونها، ولعل ذلك يرجع إلى مخلفات الاتجاه الرومانسي، الذي يلجأ المنتمون إليه إلى المبالغة في نثر عواطفهم على الورق، وقد” أبدعوا “–على الخصوص- في التعبير عن أحاسيس الحزن، حتى أصبح بعض الكتاب معروفين بذلك، ومتخصصين فيه. وإذا كان هذا النوع من الكتابة قادرا على استدرار عطفنا أو استحلاب أعيننا، خاصة في مرحلة من العمر، خلال المراهقة والشباب، غير أنه في حقيقة الأمر ليس على شيء، ولا يتمتع بأقل درجات من الصدق الفني، لهذا سرعان ما نقلب له ظهر المجن، خاصة حين تتمتع ذائقتنا الأدبية بنوع من النضج، ونتخلص من تأثير العاطفة القوي علينا، ويصبح للعقل عندنا مكان مائز في الحكم على الأعمال الأدبية، فنلاحظ -حينذاك- أن هذا النوع من الأدب حينما يصور الفقير مثلا، فإن الكاتب “الحزين” لا يتحرج من أن يصور حياته وكأنها مأساة متحركة، وبأنه يحيى في دوامة من الأحزان لا حدود لها، لا يكاد ينتهي من مشكل حتى تفاجئه مشاكل أخرى، و الحقيقة إن هذا الفقير ،الذي ينتسب إلى الطبقات الشعبية أبعد ما يكون عن ذلك، فهو ينتمي إلى قوم يبدعون في أساليب السخرية من الحياة بوسائل شتى ، فهم في الغالب من يجترحون الكثير من النكت، التي نتداولها، والتعابير “اللئيمة ” التي يحسنون صياغتها، رغم صعوبة الظروف التي يحيونها ، كما أن جل المجموعات الغنائية الشعبية والفرق المسرحية الكوميدية تنبثق من رحم هذه الطبقة. لذلك يتعين على الأدباء أن ينأوا بنفسه عن التصوير المأساوي لحياة هؤلاء الناس، وليأخذوا منهم القدوة وليكتبوا لنا أدبا يعتمد على أسلوب ”الباروديا” أو المحاكاة الساخرة، فهذا النوع من الكتابة أعمق أثرا وأبقى تأثيرا من غيره. ويرتكز هذا الأسلوب على اصطياد المفارقات ، وتصوير الشيء بعكسه أو بضده، حتى يستطيع الكاتب مفاجأتنا بالحقائق التي نحياها ولا نلتفت إليها إلا نادرا،بعد أن يصوغها في قالب ساخر ممتع وعميق .. هكذا فعل برنارد شو ، وإميل حبيبي، والجاحظ وغيرهم. هامش: جلست امرأة جميلة يوما قرب الأديب الإيرلندي الساخر برنارد شو، ثم ما لبثت أن بادرته بالسؤال: -لم لا تتزوجني يا برنارد، فربما ننجب أبناء يرثون جمالي و يرثون ذكاءك. ابتسم برنارد شو و رد عليها قائلا: – وماذا لو جنينا عليهم وورثوا قبحي و غباءك.

شارك مع أصدقائك